أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الشاعر إبراهيم الشيخ حسون صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الحسينية














المزيد.....

الشاعر إبراهيم الشيخ حسون صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الحسينية


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 13:09
المحور: سيرة ذاتية
    


في أزقة طويريج، حيث يختلط صوت الماء في الفرات بأنين العاشقين، وتهيم الأرواح بين العشق الحسيني والهوى الشعبي، وُلد شاعر حمل في اسمه نغمة الطين، وفي لسانه لهبًا لا يخبو. هو إبراهيم الشيخ حسون المرزة، الشاعر الذي رسم بالكلمات وجوه الناس، وكتب على جدران الذاكرة وجع الأرض وحكايات العشق والكرامة. وُلد عام 1915 في محلّة الشيخ حمزة، من بيت له سؤدد المكانة ومقام الكرامة.
نشأته لم تكن إلا انعكاسًا لزمن كان للعلم فيه أنفاس تشبه الصلوات. جلس عند قدمي والده الشيخ حسون يلتقط من فقه اللغة ما يتجاوز حدود الحرف إلى سرّه، ثم نهل من معين السيد محيي الدين القزويني وأخيه السيد مهدي، وتلمذ على الخطيب السيد صالح الحلي، فأورثوه علماً وأدباً، وصقلوا فيه شاعراً يكتب الفصيح كما يتنفس، لكنه اختار أن يوجّه روحه إلى الشعر الشعبي، لأن فيه صدى الناس، وهمهم، وعشقهم، وألمهم.
لم يكن إبراهيم الشيخ حسون شاعر ترف، بل شاعر قضية، وأداة من أدوات النضال الشعبي. دخل معترك السياسة من بوابة الشعر، وكان صوته، حين يُلقى في المحافل، أشبه بطلقة في صدر الظلم. انضم إلى حزب الاستقلال، وتقدّم صفوف المنادين برحيل الاستعمار البريطاني، ولم يتوانَ عن هزّ المنابر بقصائده التي أدانت العهد الملكي الجائر، فصار صوتًا من أصوات الناس، وجمرة في يد الغاضبين.
ولم تقف شاعريته عند ساحة السياسة، بل امتدت لتطال جميع أركان الحياة: الحب، الغربة، الفقد، الحنين، بل وحتى الفلسفة الوجدانية التي عبّر عنها بألفاظ موغلة في الموروث الجنوبي والوجد الحسيني. كما غنى المطربون نفائس من شعره، ومن قصيدته التي غناها له مطرب المقام عبد الأمير طويرجاوي، نقرأ كيف يصير الوطن منفى حين يَجفّ وجه الناس فيه:
مــن شفــت دهــري بحدّه المهجتي فيهه
شــدّيت راكـب ذلــولـي گــاطعٍ فيهه
عـن شجرةٍ حـرّمت عـن ارضـها فيهه
يـــا كبّـح الله درها وفيّــــــهــا مــــــن فـــاي
تنــــعد بلادي واعــــدها مـــــن الارض منـفاي
تا الله مــــــــا ساعةٍ ذمها وكـــع مـــن فـــاي
موش الأرض مكصدي الناس الذي فيهه( )
بهذا الموال وحده، يتجلى معدن شعره، فهو لا يكتفي بوصف الألم، بل يذهب إلى ما وراءه، إلى فلسفة العلاقة بين الإنسان والمكان، بين الجسد والحنين.
ولأن الطف كان محراب الشعراء ومهوى أفئدتهم، كان لا بدّ له أن يقيم في خيمة كربلاء، فكتب القصائد الحسينية بوجد المريد وعقل المتصوّف، فجاءت قصيدته "من الخدر زينب لفت شجايه" نائحةً" في صحن الإمام الحسين، وردّدها الرواديد حتى كأنها لطمات الزمن الحي. تلك القصائد، التي كتبها في ليالي عاشوراء، لم تكن طقوسًا، بل رؤى. كانت أشبه بما يسميه النقاد "التجليبة المعاصرة"، لأنها تمزج الواقعة بالتجربة، والدمع بالفكرة.
وقد أجمع النقاد الشعبيون على فرادة إبراهيم الشيخ حسون في مزجه بين المتن التراثي والأسلوب الحداثي في الشعر الشعبي، إذ عدّه بعضهم امتدادًا للطبقة المثقفة من الشعراء الشعبيين ، القادرين على تضمين القصيدة الشعبية مفردات النحو والبلاغة والفكر، دون أن تفقد نكهتها العامية. وقال عنه السيد سلمان هادي الطعمة إنه برع في تناول مختلف الأغراض الشعرية، لكنه حجز مقعده في الخلود عبر مراثيه الحسينية التي ظلّ ينظمها كل ليلة عاشر من محرّم، حتى آخر نفس من حياته.
ولم تَكُن شهادات التقدير بعيدة عنه؛ ففي الزمن الذي لم تُطبع فيه دواوين الشعراء الشعبيين بسهولة، بقيت قصائد إبراهيم الشيخ حسون تُتناقل شفاهةً وعلى الأشرطة الصوتية، حتى قرر مجلس محافظة كربلاء، وفاءً لهذا الإرث، نصب تمثال له في طويريج، تخليدًا لاسمه وصوته.
لقد كان إبراهيم الشيخ حسون أُستاذاً في مدرسة الحياة، ومعلماً في مدرسة الأدب الشعبي، وصوتاً يعبر من زمن إلى زمن، حاملاً دفء اللهجة، ونار القضية، وحنين الأرض التي أحبّها حتى قال:
تنعد بلادي وأعدها من الأرض منفاي...
فهو لم يكن يكتب عن الطين فقط، بل عن الجرح الذي يتقيّأه الطين حين يُحتقر الناس، ويُظلم الوطن.
له كثير من الشعر مبثوث في الكتب، وفي فنون الأدب الشعبي للأستاذ علي الخاقاني، ومن شعره على وزن التجليبة قصيدته التي مطلعها:
اجلبنك يليلي والعيون اعيــون تنضح والـگـلب بـيه اثنـعش چـانون
انه اولفي صفينه ليله ومجنون حــط گــــلبي ابطاوه وگـــام يجليبه
ومع أن ديوانه لم يُطبع بعد، إلا أن صدى شعره يملأ المجالس الحسينية، وينبض في مواكب العاشقين. وقد آن للأجيال أن تتلمس صوته بين الأسطر، لا أن تكتفي برنينه في المنابر، فهو شاعر لا يكتمل طيفه إلا بين دفتي كتاب، وحنجرة رادود، ودمعة موالية.
رحم الله شاعر طويريج، الذي كتب بدمه، وردّد الناس شعره بقلوبهم.
المصادر:
فنون الأدب الشعبي- علي الخاقاني بأجزائه كافة.
د. صباح نوري المرزوك- شعراء الحلة أو تكملة البابليات .
محمد صادق محمد الكرباسي- الناظمين في الحسين- المركز الحسيني- لندن.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الأمير خليل مراد شاعر يُمسك بجمر القصيدة ويشعل بها خيمة ...
- مهدي المعموري ضفاف الحرف ومرافئ الذاكرة
- الدكتور عدنان العوادي حكمة الأكاديمي وروح الأديب
- ليلى عبد الأمير حين تتكئ القصيدة على ريشة وتكتب قلبًا
- حسين مبدر الأعرجي: القاص الذي كتب بمداد الذاكرة والمكان
- عمران العبيدي شاعر تتقد الكلمات بين أصابعه
- وسام العبيدي الباحث الجاد والشاعر المتأمل
- محمد الزهيري... فكرٌ يقاوم، وصوتٌ لا يهادن
- قيس الجنابي الناقد الذي حرّك سواكن النص، وفتّش في ضمير الترا ...
- محمد مبارك بين الفلسفة والنقد الأدبي
- ناجح المعموري رحالة الأسطورة والفكر في فضاء الثقافة العراقية ...
- مضر النجار الموسوي شاعر الضفتين، ولسان الحرف المتأمل
- وئام كريم الموسوي حين تتفتّح القصيدة بأنوثة الجنوب وروح بابل
- زهير عبد الرزاق محيي الدين العالمُ الذي حملَ العراقَ في قلبه ...
- عبد الجبار عباس: قامة نقديّة باسقة
- فوزي الطائي شاعر القصيدة المتأملة وباحث النصوص العميقة
- حسام آل زوين.. بين جمر التجربة ولهيب الكتابة
- سلام كاظم فرج القاص والناقد الذي كتب بضمير الوطن
- فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة
- الشاعر أكرم بخيت حين يُزهرُ الحزنُ على ضفاف الفرات


المزيد.....




- شاهد ما فعلته مالكة كلب لإنقاذه من فك تمساح يجره من طوقه إلى ...
- محكمة القضاء الإداري تقضي بأحقية الناشط السجين محمد عادل في ...
- اتهام رسمي بقتل كيرك في أطول فترة عنف سياسي بأمريكا منذ عقود ...
- ترامب يضغط على الناتو ضد نفط روسيا وواشنطن تؤكد دعمها للحلف ...
- برلماني أوروبي كبير يعد بإلغاء قرار إنهاء محركات الاحتراق في ...
- ما الذي نعرفه عن المتهم بقتل الناشط الأمريكي المحافظ تشارلي ...
- علاقات الصحفيين بالجمهور.. 11 نمطا تكشف تعقيدات المهنة
- وائل الدحدوح: خروجي من غزة كان كتجرع السم وصوت غزة لن ينقطع ...
- عام مزدهر للصحيفة.. كم بلغت إيرادات الغارديان وما معدل رواتب ...
- الصين تدعو إلى حوار مع الولايات المتحدة بشأن تيك توك


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الشاعر إبراهيم الشيخ حسون صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الحسينية