أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة














المزيد.....

فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 14:02
المحور: سيرة ذاتية
    


في الحلة، تلك المدينة التي تُعانق الفرات وتتنفس من رئة التاريخ، وُلد فلاح أمين الرهيمي عام 1937 (أو كما تقول أوراقه الرسمية عام 1941)، في محلة "التعيس"، حيث كانت البدايات صعبة، والأزقة ضيّقة، لكن الروح واسعة كالأفق، تحمل ما يكفي من الأحلام والأسئلة لتشق طريقها وسط العتمة. ومنذ خطوته الأولى نحو المدارس، كان الطفل الذي يتأمل أكثر مما يتكلم، والذي سيصبح لاحقًا صوتًا هادئًا لكن لا يهدأ، يدافع عن فكر، ويحمي ذاكرة، ويكتب بوعي المُجرّب لا المنظّر البارد.
بدأ الرهيمي تعليمه في مدارس الحلة، ثم حمله شغفه بالمعرفة إلى سوريا فالأردن، حيث اختلطت في ذاكرته وجوه المدن بأسماء الكتب، وبقي الوطن في القلب مثل قصيدة لا تنتهي. عاد بعدها إلى العراق، فعمل موظفًا في المصرف العقاري، لكنّ الوظيفة كانت مجرد واجهةٍ لروحٍ لا تؤمن بالحدود ولا القيود. فلاح الرهيمي لم يكن موظفًا في أوراق الدولة فقط، بل كاتبًا في دفاتر التاريخ، وساردًا لمسيرة الوعي، ومعلّقًا دائمًا على جدران الأسئلة الكبرى.
أصدر خلال مسيرته عشرات الكتب، تتنوع بين الفكر والسياسة والسيرة والخواطر، غير أن جميعها يشترك في خيط ناظم واحد: الانتصار للإنسان والعدالة والحرية. في كتابه "دور الإنسان في مسيرة التاريخ"، لا يعيد فقط قراءة دور الفرد في التغيير، بل يستحضر كل أولئك الذين مضوا ولم تُكتب أسماؤهم في المناهج، أولئك الذين حملوا الفكرة على أكتافهم في ليل الاستبداد. وفي "الشهيد البطل سلام عادل" و"جسور الحرية: شهداء الحزب في الهندية", لا يكتب الرهيمي تأريخًا جامدًا، بل يسكب دمعًا حارًا على أسماءٍ كانت وقودًا لقطار التغيير.
ومن بين كتبه الثرّة يبرز العنوان الصريح "دفاعًا عن الماركسية". هنا لا نجد رجلاً مشدودًا إلى فكرة عمياء، بل باحثًا يحفر في النص، يناقش، يُفكك، يُعيد بناء النظرية في ضوء التجربة، لا يُنكر الإخفاقات، ولا يُخفي الانحياز. وبهذا النهج ظهر أيضًا في "ظاهرة ستالين بين النظرية والتطبيق", حيث يفصل بميزان الوعي بين الفكر ومسارات تطبيقه، بين النظرية كجذر، والتجربة كفرع.
ولم يكن فلاح الرهيمي نخبويًا متعاليًا، بل كاتبًا شعبيًا بالمعنى النبيل للكلمة، يكتب بلغة واضحة، صادقة، تخاطب العقول دون أن تتورط في التعقيد. مقالاته في طريق الشعب والمدى ومواقع ثقافية أخرى، تشهد له بوعي المرحلة وجرأة الكلمة، حتى غدا من الأصوات القليلة التي تمسكت بالفكرة وسط زمن التبدلات والانشقاقات والانحرافات السياسية.
وقد التفتت المؤسسات الثقافية لهذا العطاء، فأقامت له جمعية الرواد الثقافية المستقلة احتفالية خاصة وكرّمته بكتاب مستقل، حوى مقالات وقراءات من كتّاب وشعراء ونقّاد رأوا فيه رائدًا من رواد الوعي السياسي والفكري، وذاكرة حية لنضالٍ لم يُغلق ملفه بعد. كما كرّمه الحزب الشيوعي العراقي الذي ظل وفيًا له، كما ظل هو وفيًا له، ضمن ما يمكن أن نسمّيه اليوم علاقة مبدع ومبدأ.
يرى النقاد في الرهيمي كاتبًا لا يركض وراء الأضواء، ولا يصنع العناوين الاستفزازية لجذب القارئ، بل يكتب كما يتنفس، ويؤمن كما يتكلم، ويصمت عندما يعرف أن الزمن لم يعد زمن الكلمات. أحدهم وصفه بأنه "ذاكرة لا تشيخ، وصوت كتب نفسه خارج موضة التحليل السريع، في زمن الشاشات والمواقف الجاهزة."
وفي كتابه "حديث الروح" يلمح القارئ بوضوح ذلك البعد الإنساني الوجداني، إذ لا يكتفي بالحديث عن النظريات والثورات، بل يصغي لصوت الإنسان البسيط، لذاك الذي يقف "على قارعة الطريق"، وهو عنوان كتاب آخر له، كأنما أراد أن يلتقط صوت المهمشين، ويمنحه موقعًا في المشهد لا على الهامش.
فلاح الرهيمي لم يكن فقط كاتبًا ماركسيًا أو سياسيًا حالمًا أو مؤرخًا صارمًا، بل كان ضميرًا حيًّا لجيل كامل من أبناء اليسار العراقي، ولروحٍ عراقية بقيت، رغم التعب، مؤمنة بأن الأفكار لا تموت، بل تتوارثها الأرواح كما تتوارث الأرض حكاياتها.
إنه واحد من أولئك القلائل الذين كلّما قرأت لهم، أدركت أن الكتابة موقف، وأن المبدأ ليس موضة، بل عقيدة قلبية تحيا وتتنفس حتى في عزلتك. في زمن الارتداد عن الأحلام، بقي فلاح الرهيمي واقفًا، قلمه في يده، وفكرُه على الجبهة، لا ينتظر تصفيقًا ولا يخشى خذلانًا، لأنه يعرف تمامًا أن الأفكار لا تموت… بل تنتظر من يُعيد إشعالها.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر أكرم بخيت حين يُزهرُ الحزنُ على ضفاف الفرات
- ولاء الصواف حين تصير الأرض شعرًا والقصيدة خريطة للروح
- عدنان سماكة نبض الحلة الثقافي وسادن التراث
- عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال
- عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء
- صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة
- كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
- الخطيب الثائر محمد الشبيبي
- الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...


المزيد.....




- الحرائق الأسوأ منذ 20 عامًا.. حرارة ورياح تخلقان جحيما في جن ...
- من غزة.. رئيس الأركان الإسرائيلي يكشف عن موعد العمليات الجدي ...
- ما هو هرمون الكورتيزول؟ وكيف لعاداتنا الخاطئة أن ترفعه لدينا ...
- ألمانيا - جهود لاستخدام مقنن للـ-سوشيال ميديا- من قبل القصّر ...
- قادة أوروبيون يعتزمون المشاركة مع زيلينسكي في لقاء ترامب بوا ...
- إسرائيل: مظاهرات تطالب بإنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن ون ...
- أبرز التطورات الميدانية بعد بدء عملية عسكرية بحي الزيتون شما ...
- إندونيسيا بعد 80 عاما.. من تضاعف المساحة إلى معركة الأمن الب ...
- خسائر بشرية ومادية كبيرة إثر أمطار وسيول ضربت شمال باكستان
- انتشار واسع للإصابات بالكوليرا ووفيات في دارفور


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة