أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان














المزيد.....

قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 15:32
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بمناسبة عيد الصحافة الشيوعية
في سجلّ شهداء الوطن الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لكلمة الحق، يتلألأ اسم قاسم محمد حمزة، الصحفي والمناضل الذي لم يكن يومًا تابعًا، بل صاحب موقف ورؤية، صلب في انتمائه، مخلص لحزبه وشعبه.
قُدِّمَ قاسم إلى ساحات الصراع باكرًا، ودخل معترك السياسة والفكر منذ شبابه، فكان صوتًا مدويًا في الصحافة الحزبية، ومسؤولًا عن المكتب الإعلامي في الفرات الأوسط، ومناضلًا مثقفًا جاب عواصم الأممية، ينقل صوت العراقيين الأحرار إلى العالم.
لكنه دفع ثمن إخلاصه، فاعتُقل وعُذِّب، وقُتل تحت التعذيب، فيما تاهت أخباره بين دهاليز أمن النظام البائد.
إنّ الحديث عن قاسم محمد حمزة ليس استذكارًا فقط، بل هو تذكير بأن الذين يُضحون لأجل هذا الشعب لا يموتون، وأن من قتلوه هم اليوم في مزابل التاريخ.
في أزقة الكاظمية ببغداد، وفي عام 1947، وُلد قاسم محمد حمزة، ليحمل منذ أول أنفاسه همّ الكلمة ومسؤولية الفكر. كان قلبه نابضًا بقيم العدالة والمساواة، حتى إنه ما إن سمع باسم "حداد" — ذاك المناضل الشيوعي الذي سبقَه إلى الشهادة — حتى أقسم أن يحمل اسمه، وأن يكون مثله، شهيدًا للفكرة لا سواها. هكذا غدا "رفيق حداد"، لا اسماً مستعاراً فحسب، بل هويةً نضاليةً وشرفاً اختاره لنفسه.
عاش قاسم طفولته وصباه في بغداد، قبل أن يشد الرحال إلى مدينة الحلة حيث أكمل دراسته الإعدادية، ثم عاد إلى بغداد ليحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعتها. انتمى للحزب الشيوعي العراقي في سن الثامنة عشرة، فذاب في مبادئه، وتدرّج في مسؤولياته، حتى صار من ألمع كوادره، بفضل أخلاقه العالية ووعيه العميق الذي جعله يربط النظرية بالواقع العراقي ربطًا حيويًا وملهمًا.
زاول مهنة التعليم في السماوة، ثم في الحلة، وكان من أولئك المعلمين الذين لا يلقّنون الدروس بل يوقظون الأرواح. لم تكن حصته حصة تقليدية، بل لقاء فكريًا يُنتظر بشغف، يربط فيه بين قواعد اللغة ومشكلات الواقع، بين النصوص التراثية وأسئلة الشباب التوّاق للحرية والتغيير.
لكن قاسم لم يكتفِ بالتعليم، فراح يكتب ويحلّل وينقد، وتحوّل إلى صوت ثقافي متميز في صحف الحزب، حتى تولى مسؤولية المكتب الصحفي لمنطقة الفرات الأوسط، وهو في السادسة والعشرين. كتب في مجلات عربية كبرى مثل "روز اليوسف" و"صباح الخير" المصريتين، وتناول بالنقد أعمال عباس محمود العقاد ونزار قباني، كما أنجز بحوثًا أصيلة عن الجاحظ وابن عربي وابن رشد والمعتزلة وكليلة ودمنة، وغيرهم من رموز التراث العربي والفكري.
كانت مكتبته عامرة بكتب الفلسفة والآداب واللغات، بعضها ترجمات من الروسية والألمانية والإنجليزية. لكنها، شأنه، لم تنجُ من وحشية النظام البعثي، فأُتلفت مع مخطوطاته عند اعتقاله، وكأن الجلادين أرادوا طمس كل أثر له، حتى الحبر.
شهد له كبار المفكرين، فقد أشاد الدكتور علي جواد الطاهر بوعيه المبكر واعتبره امتدادًا له في حقل اللغة والأدب، بينما لم يخفِ الدكتور علي الوردي إعجابه بتوقد ذهنه وعمق رؤيته. أما طلابه فكانوا يحفظون كلماته عن ظهر قلب، لما كان فيها من نبض حياة.
سافر باسم الحزب إلى عواصم عدة: موسكو، باريس، تونس، الجزائر، المغرب... يحمل هموم الوطن ويعكس صورة المناضل المثقف الأمين. كان حرًا في رأيه، صادقًا في نضاله، لا يخون فكرة، ولا يخاف سجنًا.
اعتُقل مرارًا، لكنه كان كل مرة يخرج من سجنه مهرولاً إلى مكتبته، يتحسس أوراقه ومخطوطاته كأنها أبناء الروح. وفي عام 1979، اختطفته الأجهزة الأمنية البعثية من الحلة، لتنقله معصوب العينين، مكبل اليدين، إلى بغداد، حيث ابتلعته الزنازين، وتقطّعت أخباره.
بحث عنه والداه بدموع الفقد، فكان نصيبهما الإهانة والطرد. حتى جاء عام 1983، حين تسرب خبر إعدامه متأخراً عن الحقيقة، فهو قد استشهد تحت التعذيب، قبل أن يُخطَّ أي قرار رسمي باسمه.
بقيت مكتبته تنوح على غيابه، تنتظر صاحبها الذي لن يعود. وبقي اسمه وشخصه في ذاكرة الرفاق والمحبين، رمزًا للإنسان الذي وهب عمره لفكرة، ودفع ثمنها دمه النقي.
ولم يكن قاسم منغلقًا على ذاته أو محصورًا في الأيديولوجيا، بل كان صاحب نظرة تربوية متقدمة، عبّر عنها في مقال مدهش عن معلم الصف الأول، قال فيه:" معلم الصف الأول مهمته صعبة، تتطلب قلباً واسعًا وروحًا صبورة... عليه أن ينقل الأطفال من الفوضى إلى النظام، من اللاواجب إلى الإحساس بالواجب، دون أن يزرع فيهم الخوف. إنه يؤسس كل شيء...".
كان قاسم محمد حمزة مناضلًا بلا ادّعاء، مثقفًا بلا غطرسة، ومعلمًا يرى في الحرف حياةً وفي التعليم خلاصًا، وقد آمن أن للمرأة حقًا في الحرية والمساواة، فدافع عنها، كما دافع عن الكادحين وحقوقهم.
ومثلما اختار أن يكون "حدادًا" تيمناً بمن سبقه في درب الشهادة، استحق أن يُذكر هو الآخر بين الخالدين. فالموت لم يكن نهاية له، بل بداية لمجده.
أما جلادوه، فقد تقاذفتهم لعنات التاريخ، وصاروا ركامًا في حفرة النسيان. المجد لك يا قاسم، المجد لك يا ابن الكلمة التي لا تُقهر، ويا شهيد الفكرة التي لا تموت.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يحبط محاولة بيرني ساندرز لمنع بيع الأسلحة ...
- بلاغ الكتابة التنفيذية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي
- “الإنسانية” في حوار مع الرفيق جورج ابراهيم عبدالله بالقبيات ...
- بيان الحزب الشيوعي السوداني بشأن بإعلان الحكومة الموازية برئ ...
- بيان حول “شحنة عسكرية جديدة تمرّ عبر ميناء طنجة المتوسط في ط ...
- اليسار والنضال الاجتماعي: من دروس مسيرة كادحي ايت بوكماز
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- ملك المغرب: تراجع الفقر وتحسن التنمية البشرية يحفزان تعزيز ا ...
- عاجل | السيناتور الأميركي بيرني ساندرز: لا يمكننا الاستمرار ...
- في سراب الدولة الفلسطينية


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان