أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع














المزيد.....

حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 11:29
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، وتحديدًا في محلة الأكراد، وُلد عام 1943 رجلٌ لم يكن يرضى بأن يُختصر في صفة واحدة، ولم يقبل أن يُحاصر في شكل من أشكال التعبير. كان اسمه حامد الهيتي، لكن من عرفه عن قرب أدرك أنه أكثر من اسم، وأكثر من رجل. هو نهرٌ من المواهب، تدفقت عبر ضفاف القصة والرسم والشعر والنقد والخطّ وحتى عضلات كمال الأجسام. رجل تنفّس الفن كحالة وجود، لا كوظيفة أو ترفٍ ثقافي.
درس في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ذلك الصرح الذي خرجت من جدرانه مواهب لا تُنسى، وكان من أوائل من أدركوا أن الفن ليس فقط ما يُرسم أو يُكتب، بل ما يُعاش. اشتغل مدرسًا في مدارس بابل، لكن مهنته لم تكن حجابًا عن الفن، بل جسراً عبَر من خلاله إلى الأجيال، يزرع الذائقة، ويروي شجرة الجمال.
مارس الهيتي الكتابة بلذة العارف، وكتب للقارئ المتطلب، فجاءت قصصه كأنها لوحات من الحبر، بأبعاد وجدانية وروحية تحاور القارئ أكثر مما تحكي له. في مجموعاته القصصية، مثل أرض من الياسمين والخنادق والاقامة في الأسئلة، نجد ذلك التوتر الجميل بين اللغة والرمز، بين الواقع والدهشة، كما لو كان يبحث عن وطنٍ في كل جملة، وعن ذاتٍ في كل تفصيلة.
لم تكن قصصه مجرّد حكايات، بل كانت كما وصفها أحد النقاد: «مرايا صدئة لا تعكس الواقع فحسب، بل تكشف عن طبقاته المخبّأة تحت السطح». قال عنه القاص والناقد خالد خضير الصالحي: "نصوصه تنبض بجمال متمرّد، وتحمل بصمة من عاش في الهامش وكتب من القلب." فيما رأى فيه الشاعر فوزي كريم "فناناً طليعياً لم تتسع له مؤسسات النقد الرسمي، لكنه ظلّ يخلق من وحدته صوتاً لا يُشبه أحداً."
عضوٌ في نقابة الفنانين العراقيين، واتحاد الأدباء والكتاب، لم يكن حامد الهيتي يلهث خلف الجوائز، لكنها كانت تأتيه تباعاً، مثل اعتراف مؤجل من المؤسسات بأن صوته لا يُمكن تجاهله. نال جوائز في مجال القصة من وزارة الثقافة، وأخرى من وزارة التربية لمشاركاته الفنية في المعارض، كما منحته نقابة الفنانين ووزارة الشباب والاتحاد العام للأدباء شهادات وجوائز ظلّت تملأ جدران قلبه أكثر من جدران بيته.
رحل مساء السبت، في الثاني عشر من نيسان عام 2014، بعد مرض عضال أقعده الفراش طويلاً. لكن غيابه لم يكن خاتمة، بل بداية لصوت استذكاري طويل. ففي أربعينيته، أقامت جمعية الرواد المستقلة أمسية ثقافية حملت اسمه، جسّدت وفاء المثقفين لزميلهم الراحل. كما أطلق اتحاد أدباء بابل اسمه على برنامجه الفصلي، وأقام له أمسية شارك فيها عدد من رفاقه ومجايليه، قرأوا من نصوصه، وتحدثوا عن عزلته النبيلة، وعن وفائه لفنّه. ولم تتأخر جماعة الجندول الثقافية في أن تُفرد له أمسية تأبينية مماثلة، عكست عمق تأثيره في ذاكرة الوسط الأدبي المحلي.
أما الصحافة، فقد خصصت له جريدة "طريق الشعب" عددًا خاصًا من أعدادها، استعرضت فيه منجزه الإبداعي، وأضاءت على محطات من حياته التي تنقّلت بين التعليم والتشكيل والنقد والقصة، متوقفة بإكبار أمام تجربته التي جمعت بين الصبر والجمال، وبين البساطة والدهشة.
كان حامد الهيتي كما عنوَن ديوانه المخطوط: "يشتعل فيك بهدوء". هكذا عاش، وهكذا غاب، شعلة خافتة لكنها لا تنطفئ، تسكن نصوصه، وتضيء قلوب من عرفوه.
لقد علّمنا أن الإبداع لا يحتاج إلى صخب، بل إلى صدق. وأن الفن الحقيقي ليس في عدد ما ننجز، بل في أثر ما نترك. وحامد الهيتي ترك أثرًا لا يُمحى.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...


المزيد.....




- أمريكا: هبوط اضطراري لطائرة بملعب غولف.. ومصادرة كوكايين بقي ...
- سوريا.. عشائر الجنوب تعلق على بيان الرئيس أحمد الشرع
- سوريا.. أحمد الشرع يعلق على أفعال بعض الدروز في السويداء وال ...
- سوريا: الرئاسة تعلن وقف إطلاق نار -فوري- في السويداء وتدعو ك ...
- الشرع: سوريا ليست ميدانا لمشاريع الانفصال
- فريدريش ميرتس ..لماذا يشكر إسرائيل على قيامها بـ-أعمال قذرة- ...
- الاحتلال يوسع اقتحاماته بالضفة ويجبر فلسطينيين على هدم منازل ...
- لماذا لا تُصنّع هواتف -آيفون- في أميركا؟
- قوات العشائر السورية تدخل عددا من البلدات في محافظة السويداء ...
- القنبلة التي قد تعيد تفجير الصراع بإقليم تيغراي الإثيوبي


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع