أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح














المزيد.....

فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 11:52
المحور: سيرة ذاتية
    


في دروب الحلة القديمة، عند تخوم محلة الجباويين، ولد عام 1948م صوتٌ أدبيّ ما لبث أن تكسّرت حوله جدران الصمت، ليغدو منفيًّا يحمل العراق في قلبه ويستحضره في كلماته، هو القاص والروائي فائق محمد حسين الخليلي، الذي لم يكن مجرد كاتبٍ عابر في خريطة السرد العراقي، بل كان شاهدًا على الخراب، ومرآةً للمنفى، وراويًا لجيلٍ ذاق مرارة الاغتراب في الداخل والخارج معًا.
درس الفيزياء، واشتغل في التعليم، لكن الواقع السياسي المضطرب في العراق جذبه إلى أتون المواجهة باكرًا، فكان أحد أصغر السجناء السياسيين، لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره حين أُلقي به في غياهب سجن الحلة المركزي. وهناك، في زنزانةٍ ضيقة، وُلدت في داخله نواة السرد، وصدى القهر، وملامح الحكاية التي ستصير لاحقًا زادًا لمسيرته الطويلة.
في مطالع الثمانينات، كان على فائق أن يدفع ضريبة اسمه وانتمائه وانتماء أسرته، حين تعرّض مع عائلته إلى التهجير القسري بتهمة "التبعية"، وهي التهمة الجاهزة التي وُجّهت إلى عشرات الآلاف من العراقيين ممن لم ينحنوا للسلطة أو يبايعوها. فاقتلع من وطنه كما يُقتلع الغرس، وأُلقي به في منفى جديد: سوريا، التي احتضنت غربته ومنجزه، وكانت شاهدًا على بداياته الحقيقية في عالم النشر.
من الغربة تتفتّق القصص
ما بين دمشق والحلة والوجدان المشظّى، تناثرت إبداعاته في شكل قصص وروايات ومسرحيات وأبحاث، جاءت محمّلة بالأسى، مبلّلة بدمع المنفى، ومكتنزة بشخوصٍ تعيش بكرامة وسط رماد الهزيمة. كتب عن الجوع والجراد، عن الفرقد والنفق، عن الوطن والمنفى، عن الضياع تحت المطر، عن التهجير بوصفه جريمة، وعن عيونٍ رأت ما لا يُروى.
إن روايته "الأيام العشرة"، والتي وصفها النقاد بأنها "الحقيقة الأغرب من الخيال"، لم تكن مجرد سردٍ لوقائع، بل كانت شهادة أدبية عن تراجيديا وطن، وربما لهذا السبب حازت كل ذلك الاهتمام النقدي، من د. مدين الموسوي وناجي حسين وغيرهما. أما "العصفور والريح" فقد تحوّلت إلى موضوع أطروحات جامعية، بما تحمله من دلالات رمزية وتيارات سردية حداثوية تلامس الواقع ولا تنفصل عنه.
في أعماله، لا نجد بطولة فردية مفرغة، بل شخوصًا من لحم ودم، مسحوقين تحت رحى الاستبداد والمنفى، يتمسكون بأمل ضئيل يتهادى بين السطور. إن أدبه مثقل بالتجربة، منصهر في أتون المعاناة، كما عبّر عن ذلك د. علي الخليلي في دراسته: "الوطنية والإبداع في أدب فائق محمد حسين"، مشيرًا إلى أن ما كتبه ليس مجرد تمرين لغوي أو مغامرة فنية، بل موقف وجودي مقاوم.
نقدٌ يقابله تقدير، وتوثيقٌ يستدعيه التاريخ
لقد احتفى به النقاد العرب في أكثر من منبر، من بيروت حيث كتب عنه وديع العريضي في "فائق حسين ومتاهة اليأس والمحنة"، إلى الجزائر التي قدّمت عبر الصحافي د. طاهر بو علام قراءة نقدية لعمله الأهم "الأيام العشرة". واهتم باسم عبدو بجوانب البعد السياسي في قصصه، ليدلّنا على أن فائق لم يكن يروي من باب الترف، بل من باب الانتماء، والصراع، والاحتجاج.
ولا يمكن إغفال الطابع التوثيقي في أعماله، خصوصًا في بحثه "التهجير جريمة العصر البشعة". هنا، يتقدّم فائق بوصفه شاهدًا على جريمة كبرى لا يُراد لها أن تُنسى، ولا يُراد لضحاياها أن يتحدثوا.
عودة متأخرة إلى وطن مكسور
عاد فائق الخليلي إلى العراق في العام 2004م، حاملاً في ذاكرته مشاهد السجون والمنفى، ليجد وطنًا لا يزال في عتمته، غير أنه لم يرفع راية اليأس، بل واصل العطاء، مدرسًا وكاتبًا، حتى أقام له اتحاد أدباء وكتاب بابل أمسية احتفائية في أواخر عام 2007م، قرأ فيها الشاعر جعفر هجول سيرته الموجعة، كأنما يسترجع من خلال كلماته خريطة الألم التي غطّت جدران حياته.
كتب حتى لحظاته الأخيرة، ثم غيّبه المرض في السابع من أيلول عام 2020م. نعاه اتحاد الأدباء العراقيين وكثير من المبدعين، غير أن صوته لم ينقطع، فهو حاضر في مؤلفاته، في المذكرات التي كتبها، في المسرحيات التي عرضت جرح الوطن، وفي القصص التي لا تزال تنبض بالدهشة، وتستفزّ الضمير.
لقد كان فائق الخليلي كاتبًا لا يهادن، ولا يتصنّع. قصصه ورواياته ليست مختبرًا للأسلوب، بقدر ما هي مرآة لواقعٍ يتكسّر كل يوم. جاء من الحلة حاملاً همّ الإنسان العراقي، وعاد إليها بعد اغتراب طويل ليسكن ذاكرة محبي الأدب.
لقد كتب بدمه، ونزف بصوته، وشهد على زمنٍ لا يُشبه سوى الخراب. هو ليس مجرد اسم في سجل الكتّاب، بل شهادة على أن الحبر أحيانًا يكون أثقل من الرصاص.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة


المزيد.....




- صورة سيلفي لوزير مغربي مع أردوغان تثير انتقادات وردود فعل في ...
- سيارة همر -مسروقة- في دمشق تظهر ضمن سيارات الأمن السوري... ك ...
- -فضيحة الصندل-.. برادا تعترف باستلهام تصميمها من الصندل الهن ...
- مقتل 18 فتاة في -حادث المنوفية- يهز مصر وسط مطالب بإقالة وزي ...
- مئات الملايين والمليارات: حفلات زفاف باهظة الثمن في القرن ال ...
- ترامب: أنا -لا أعرض شيئا على إيران ولا أتحدث معهم-
- مشروع مغربي طموح يربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي
- توتر الوضع الأمني في الشرق الأوسط : كيف يؤثر على خطة لبنان ل ...
- بعد شهر من الغياب.. العثور على جثة الطفلة مروة يشعل الغضب في ...
- حل مئات الأحزاب الأفريقية.. خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة ا ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح