أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة الحضارة














المزيد.....

أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة الحضارة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 18:50
المحور: سيرة ذاتية
    


في تاريخ العراق الحديث، تمر أسماء كثيرة، ولكن قلّ من يترك أثرًا ممتدًا لا يُمحى من ذاكرة العلم والوطن. ومن بين تلك القلة النادرة يبرز الدكتور أحمد نسيم سوسة، لا بوصفه مجرد مهندسٍ بارعٍ أو باحثٍ أكاديمي، بل كواحد من المعماريين الكبار للوعي التاريخي والجغرافي العربي، وكاتبٍ جسّد في مؤلفاته خريطةً فكريةً مترامية الأطراف، توزعت بين طمي الفرات ورمال نجد، وامتدت حتى جبال الأندلس وأسرار الإدريسي.
ولد أحمد سوسة في مدينة الحلة سنة 1900 (1318هـ)، من أسرة يهودية عراقية، ثم اعتنق الإسلام عن قناعة، وكان اعتناقه للفكر والبحث أسبق من ذلك بكثير. تشكل وعيه في الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم نضج في رحاب كلية كولورادو، واستوت قامته العلمية في جامعة جون هوبكنز التي منحته الدكتوراه بشرف، فكان من الأوائل الذين حملوا قبس التخصصات الحديثة إلى وطنهم، وعضوًا في مؤسسة فاي بيتا كابا العلمية، ونال جائزة ويديل من جامعة واشنطن عام 1929، عن مقاله الداعي إلى السلم بين الشعوب.
عاد إلى العراق ليمسك بمعول الري وقلم الهندسة، فعُيّن مهندسًا في دائرة الري عام 1930، ثم تدرج حتى بلغ مناصب عليا، منها معاون رئيس هيئة مشاريع الري الكبرى، ومدير عام المساحة، ومدير عام وزارة الزراعة. وكان أحد أوائل أعضاء مجلس الأعمار وأحد مؤسسي جمعية المهندسين العراقية عام 1938. كما كان عضوًا عاملًا في المجمع العلمي العراقي منذ تأسيسه حتى وفاته في بغداد عام 1982.
لكن الوجه الأعمق لسوسة لم يكن في مناصبه، بل في فكره الحر وعقله الموسوعي، فقد ظل يؤمن بأن العلم لا يُجزَّأ، وأن الجغرافيا والتاريخ والهندسة ليست جزرًا منفصلة، بل أرخبيلًا معرفيًا متصلًا. ومن هنا جاءت مؤلفاته لتشكل رؤيةً متكاملة لما يمكن أن نسميه بـ"تاريخ الأرض والإنسان في العراق".
لقد أنصفه العلماء العرب قبل غيرهم، فقال فيه الجغرافي المعروف الدكتور جمال حمدان إن سوسة "واحد من أعمق العقول العربية في الجغرافيا التاريخية، وإن أطالته في دراسة وادي الفرات تكاد تكون مرجعًا لا يُستغنى عنه"، كما نعته المجمع العلمي العراقي بعد وفاته بأنه "من أبرز رواد البحث العلمي الحر، ومن المؤسسين لنهضة علمية رصينة في العراق الحديث".
أما كتبه، فقد كانت تُقرأ لا بوصفها بحوثًا جامدة، بل سردًا حضاريًا مشوقًا، جمع بين منهجية المهندس وسعة أفق المؤرخ وذكاء الجغرافي. ويكفي أن نذكر أن كتابه "في طريقي إلى الإسلام" ترك أثرًا واسعًا في الوسطين الثقافي والديني، وأن كتابه "تأريخ يهود العراق" يُعد إلى اليوم من أدق ما كُتب عن الوجود اليهودي في بلاد الرافدين.
وقد أثنى عليه المؤرخ اللبناني فيليب حتي بوصفه "باحثًا عراقيًا استثنائيًا أعاد للمنطقة وعيها بمياهها المهدورة وتاريخها الغابر"، بينما قال عنه المفكر عبد العزيز الدوري: "سوسة ظاهرة علمية، لا يمكن فهم تاريخ العراق المائي والزراعي دون الرجوع إلى مدونته الغنية".
من أبرز مؤلفاته:
الري في العراق، وادي الفرات، في طريقي إلى الإسلام، تأريخ يهود العراق، العرب واليهود في التاريخ، الشريف الإدريسي في الجغرافية العربية، فيضانات بغداد في التاريخ (ثلاثة أجزاء)، أطالس العراق الإدارية والحديثة وبغداد، مشروعات الري الكبرى، دليل ري العراق، سدة الهندية، ري سامراء في عهد الخلافة العباسية، وغيرها.
وقد نال على جهوده أوسمة رفيعة، منها وسام الملك عبد العزيز (1939)، ووسام الرافدين من الدرجة الثانية (1953)، ووسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب (1976)، وجائزة الكويت لأفضل كتاب عام 1963، وجائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1975.
وفي حزيران عام 2018، أعيد له شيء من حقه المعنوي، حين افتُتحت مكتبة ومتحف أحمد سوسة في المركز الثقافي العراقي، لتحتضن كتبه ومخطوطاته وأجهزته وأطلساته التي حفرت مجرى جديدًا في مسار الدراسات العربية.
لقد عاش أحمد سوسة قرنًا إلا قليلًا، لكن علمه عاش قرونًا، وما زال يعيش. فمن يُحسن قراءة النهر، لا تجف كلماته أبدًا.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار


المزيد.....




- مصر.. أغنية جزائرية يستشهد بها علاء مبارك ويعلق مثيرا تفاعلا ...
- كوخ إسكتلندي -سرّي- من الحرب العالمية الثانية يُعرض للبيع.. ...
- شاهد لحظة سقوط صاروخ قرب منشأة عسكرية إسرائيلية رئيسية في تل ...
- تقرير: فكرة ترامب حول فتح حسابات مصرفية استثمارية للأطفال لي ...
- مراسلتنا: موجة جديدة من الهجمات الآن تنطلق من إسرائيل باتجاه ...
- هل تغيّر الضربة الإسرائيلية لإيران معادلة الحرب في غزة؟
- ما هي الصواريخ البالستية وفرط الصوتية؟
- إسرائيل تحشد قواتها في الشمال على الحدود مع سوريا ولبنان
- الجيش الإيراني: إطلاقنا الصاروخي القادم سيكون بنحو ألفي صارو ...
- طيران -الشرق الأوسط- اللبنانية تعلق الرحلات من وإلى بيروت


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة الحضارة