أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد














المزيد.....

خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 11:18
المحور: سيرة ذاتية
    


حين يُذكر اسم خالد الحلي، تتداعى في الذاكرة صور لمهاجر قديم حمل في قلبه وجع الحلة، وفي روحه هدير نهر الفرات، وفي حقائبه المتعبة أوراقًا صفراء كتبتها يد ترتجف من الحنين. لم يكن خالد الحلي مجرّد شاعر أو صحفي؛ بل كان سفيرًا لوجدان العراق المهاجر، وصوتًا لجيلٍ تاه بين الانقلابات والمنفى، بين المدن الغريبة ولهجة أمه في الزقاق القديم.
وُلد في مدينة الحلة عام 1945، تلك المدينة التي أنجبت شعراء وكتابًا وكان لها مع اللغة نسب قديم. نشأ بين بساتينها وأزقتها، وكتب أولى نصوصه في سن مبكرة، حتى إذا بلغ السابعة عشرة كان قد أصدر أول كتبه: "عينان بلا لون"، مزيج من الشعر والنثر، يكشف مبكرًا عن حساسيته المفرطة تجاه التفاصيل، وعن رؤيته للعالم كخسارة جميلة.
لم يكمل دراسته الثانوية، لكنه تعلّم من الحياة أكثر مما يُعلَّم في الجامعات. مارس الصحافة في العراق لمدة 16 عامًا، حتى غادره في 1979، مثقلًا بما لا يُقال. تنقّل بين المغرب والإمارات، واشتغل بالصحافة الثقافية، ثم استقر في أستراليا التي منحته جنسية لا تمحو جنسيته الأولى، بل تمنح لمنفاه صفة الاعتراف.
في المنفى، ظل يكتب. كتب ليقاوم التلاشي. كتب ليحتفظ بملامحه. كتب عن الغربة كمن يكتب وصيته الأخيرة. في المغرب أصدر مجموعته المهمة "مدن غائمة"، ثم تُرجمت إلى الإنجليزية بعنوان "اسمك ذاكرتي"، كأنما أراد أن يقول إن القصيدة هي الوطن حين يغيب الوطن.
في أستراليا، كتب باللغتين. أصدر مجموعته "لا أحد يعرف اسمي"، وشاركه في الترجمة الدكتور رغيد النحاس، وفيها نبرة الإنسان الوحيد وسط مدن تتكلم بلغة لا تترجم دفء "الگهوة" ولا رائحة تنور الأمهات. تبعتها أعمال مثل "ما كان.. كيف كان؟" و"إلى أين؟" و"مطرٌ عاطر"، وعينه دومًا على العراق، لا كجغرافيا بل كحالة شعرية، كطفولة لا تموت، كقصيدة لم تكتمل بعد.
نقّاد كثر كتبوا عن شعره. بعضهم رأى في أسلوبه امتدادًا لمدرسة البياتي والسيّاب، من حيث البوح الشخصي واللغة المرهفة، لكنهم أشاروا إلى أن الحلي يمتاز بعزلة فنية تجعله لا يُشبه إلا نفسه. لغته هادئة، لكنها تقطر ألمًا، قصائده تفيض من قلب ساكن، لكنها تصيب كالسهم. إنه شاعر الحنين الهادئ، لا يفجّر صوته، بل يهمس بما يجعل القلب يوجع.

كتب الناقد جورج صليب الذي ترجم مجموعته "ما كان.. كيف كان؟"، أن خالد الحلي "لا يكتب شعراً فحسب، بل يكتب تجربته بوصفها مرآة لكل منفيّ لم يعرف طريق العودة". أما الناقد الدكتور رغيد النحاس، فرأى أن "الحلي يكتب بالذاكرة، ويحفر في الحنين، دون أن يكرر نفسه أو يقع في فخ النحيب التقليدي للمنافي".
هو شاعر لم يسعَ إلى الشهرة، بل سعت إليه الكلمات. ظل وفيًّا لصوته الخاص، منحازًا للإنسان، للمكان الأول، للأسماء التي تُنسى في المنافي، ولأغاني الصباح في بيت الطين. خالد الحلي لا يكتب الشعر ليُدهش، بل ليبقى حيًا، ليقاوم الغياب، وليتذكره الوطن حين يعود. وإن لم يعد، فقصائده عادت... إلى الحلة، إلى بغداد، إلى قرّاء يبحثون عن شاعر يُشبههم، عن سيرة تعبق بالصدق، وتوجع كالأرض إذا بُورِكت ثم جُرِدت من ماءها.
في زمنٍ هجرت فيه الكلماتُ أصحابَها، بقي خالد الحلي وفيًّا لها، خجولًا من الضوء، عميقًا كالبئر، نقيًّا كأول غيمةٍ في موسم الحنين.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-


المزيد.....




- ماذا نعلم عنه؟.. -معجزة- نجاة راكب واحد فقط بالطائرة الهندية ...
- الأردن يعلن اعتراض صواريخ وطائرات مسيّرة دخلت مجاله الجوي
- إيران تعلن مقتل شخصيات قيادية وعلماء نوويين جراء الهجمات الإ ...
- بالمنطقة وإسرائيل.. أمريكا تصدر توجيها لرعاياها و10 إجراءات ...
- لماذا شنت إسرائيل هجومها على إيران في هذا التوقيت؟ مراسل CNN ...
- الجيش الأردني: طائرات سلاح الجو الملكي ومنظومات الدفاع اعترض ...
- إيران تقول إن الجيش الإسرائيلي ضرب 60 موقعا فيها
- -تسنيم-: قتيل و24 جريحا في الهجمات الإسرائيلية على مدينة قصر ...
- بعد هجوم إسرائيل.. تعرف على أبرز الشخصيات الإيرانية التي فقد ...
- +++ إسرائيل تعلن ضرب أهداف عسكرية ومنشآت نووية في إيران والأ ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد