أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية














المزيد.....

جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 12:24
المحور: سيرة ذاتية
    


حين يُذكر الشعر في بابل، تمرّ بين الضلوع نسائم من حزنٍ وماء، ويطلّ من بين جذوع النخيل اسمٌ خُطّ بالحلم والجراح: جبار الكواز.
ولد الكواز في محلة المهدية، حيث تتعانق الأزقة مع نهر الفرات، وحيث الكلمات الأولى تتوضأ بمداد العلم وأصالة الروح. ونشأ في أسرة كانت القصيدة فيها ضوء مصباح، والعلم حكاية تتناقلها الأجيال. وبين أروقة الحلة وجامعة بغداد، نما صوته، وارتفعت قصائده الأولى كحمائم تبحث عن خلاصها وسط خرائب الزمن.
منذ بواكير شبابه، كانت الكلمة عنده أكثر من تعبير، كانت خلاصًا ومقاومة. كتب ونشر في المجلات والصحف العراقية والعربية، يشق دربًا صعبًا لا يعرف فيه المساومة على نبض القصيدة ولا على قداسة الحلم.
من قاعات الجامعات العراقية إلى مهرجانات الكويت واليمن وسوريا وليبيا ومصر والولايات المتحدة، حمل صوته لغةً مبللةً بحنين الأرض، ونزف الضياع، وجرح الأوطان. وترجمت نصوصه إلى لغات العالم، كأنما قصائده تبحث عن أوطان جديدة كلما ضاقت بها الجغرافيا.
ديوان تلو ديوان، كانت قصائد جبار الكواز تمضي مثل نهر عنيد، يحفر مجراه في الصخر. من سيدة الفجر إلى ذاكرة الخندق ذاكرة الورد، ومن حمامة الروح إلى أحزان صائغ الطين وفوق غابة محترقة، ظل الكواز شاعرًا يقتفي خطى الروح، يكتب بلغة مزيجة من الحلم والفجيعة، من الماء والنار.
قصيدته ليست قولًا عابرًا، بل حفر في طبقات الوجدان، تندلع منها أسئلة الخوف والظلال، وتضيء عبرها آمال صغيرة، تشبه قناديل في عتمة المدى. فلم يكن شاعر العزلة فقط، بل كان حارسًا لبوابة الثقافة العراقية في زمن المحنة.
أسس فرع اتحاد الأدباء في بابل، وترأسه لسبع دورات، وكان عضوًا فاعلًا في المجلس المركزي والمكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. وهذه الجهود لم تكن وظيفة بيروقراطية، بل كانت فعل عشق ثقافي، ومقاومة صامتة في زمن كانت فيه القصيدة تُعد تهمة، والكلمة طلقة.
لم تبق قصائد الكواز حبيسة المهرجانات واللقاءات، بل تسربت إلى قاعات البحث العلمي. فقد كُتبت عنه دراسات أكاديمية جادة تناولت اللون في قصيدته، التناص، القناع الأسطوري، الحقول الدلالية، والتوظيف التاريخي.
وأُفردت له كتب نقدية كاملة، مثل حلمية النص الشعري البابلي وحين يضيء النقد وتدجين اللغة الهاربة وغيرها.
إنه شاعر استطاع أن يجعل من القصيدة حقلًا خصبًا للدرس، وأن يقيم للحلة في الذاكرة الأدبية معبدًا صغيرًا لا يشيخ. وهو ليس مجرد شاعر يكتب عن وجعه، بل هو صوت يمشي بين الحروف حافي القدمين، باحثًا عن معنىً مفقود في مفازات الزمن العراقي العصي.
هو الذي صنع من الطين مرآة، ومن الغربة سراجًا، ومن الخسارات المتوالية مشتلًا للأمل. وستبقى قصائده قناديل تضيء ليل الشعر العراقي، كلما أظلمت الدروب وكثرت الأقنعة.
واخترت من بين نصوصه الكثيرة (مرثية أكد) وهو نصّ شعري مكتنز بالصور والتراكيب المكثّفة والمشحونة بأجواء الانكسار والخسارة الوجودية. ، هي صرخة في وجه الخراب، تتحدث عن وطن سقط في صمت الغسق، بلد خذله أبناؤه (البداة) الذين ذبحوا الحياة باسم الدين (مناشير صلاة)، وسط إحساس مرير بانهيار القيم وانطفاء الحلم. الـ "نشيد" هنا رمزي: يمثل الحلم، الكرامة، وربما الذات الشاعرة نفسها، التي لم تعد قادرة حتى على البكاء أو المقاومة.
وتبدو الصور الشعرية طافحة بالابتكار: "غطست بلادي في غسق الصمت": مشهد يختصر سقوطًا صامتًا. "وضعوا في عنق الموت مناشير صلاة": تناص ساخر يعبر عن استغلال الدين كأداة قتل. "ريح ذبحتها عاهرة": جرأة في التصوير تكسر التوقع التقليدي في رسم الخراب. "خطت الخوف عليها الأسئلة": استحضار ذكي لفعل الكتابة على القبور، لكن بالحيرة بدل الكلمات.
واستعماله للرمز المكثف يبدو واضحا في: الناقة الهزيلة رمز لمشروع ضامر ميت. الناقوس رمز التنبيه والإنذار، وإيقاظ الضمير الذي تأخر كثيرًا.
أما من حيث أدائها اللغوي، فاللغة حرة، لكنها قوية، تحتفظ بجذوة إيقاع داخلي رغم أنها نثرية في الظاهر. واختيار المفردات يميل إلى القسوة والوجع ("موت"، "غسق"، "صراخ"، "عاهرة"، "موت وجوع") وهو متناسق مع المضمون. فيما أعطى التكرار (يا نشيدي... ياااااا نشيدي...) جرعة عاطفية عالية ويعمّق الإحساس بالاستغاثة واليأس.
وتتجلى عناصرها الفنية في البنية المفتوحة دون التزام صارم بالوزن والقافية، مما ينسجم مع جو "الفراغ" المقصود. ويبدو ايقاعها النفسي من التكرار الداخلي والنداءات، لا من الموسيقى التقليدية. وهو يمزج بين السرد والغنائية: هناك سرد لمشهد الخراب وتحوله إلى مرثية غنائية تعكس الألم الشخصي والوطني.
أما التقابل الثنائي فيبدو جلياً في (الناي/الفراغ، النشيد/الصمت، المناشير/الصلاة) ما يعطي القصيدة حدة داخلية وانقسامًا دلاليًا يؤكد على فقدان التوازن.
انها قصيدة حية، نابضة بالغضب والأسى. لغتها مشبعة بالصور الجريئة والرموز الكثيفة. فيها قدرة على تصوير الانهيار بصورة غير مباشرة، عبر حوار مرير مع "النشيد"، الذي يتحول من رمز للحياة إلى شاهد على الموت.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-
- قراءة في رواية المتألم المتأمل
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
- القاضي زهير كاظم عبود كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
- عبد علي حسن... واعادة تشكيل الوعي السردي
- المجموعة القصصية وجه أزرق بين التكثيف والايحاء الرمزي
- ذو النون أيوب يدافع عـــــــن الرصافــي
- رحلة الشرق الأوسط
- الناقد باقر جاسم محمد وآراؤه النقدية
- العتابا والأبوذية الجذور والفروق وأسبقية الظهور
- الشاعرة وداد الواسطي اصالة في الشعر وفرادة في التعبير
- الشاعر العراقي جبار الكواز شاعر متجدد
- الشاعر سعد الشلاه شاعرية متأخرة لم تأخذ طريقها للبروز
- الشاعر حميد يحيى السراب: مسيرة إبداعية ناضجة
- الشاعرة حسينة بنيان.. تنوع في الاداء والأسلوب
- محطات من مسيرة الفقيد سامي عبد الرزاق (ابو عادل)


المزيد.....




- شجب أوروبي لتجويع وقتل الفلسطينيين في غزة: هل يضيق الخناق عل ...
- أردوغان: مفاوضات اسطنبول فرصة من أجل الوصول إلى السلام الدائ ...
- على وقع الحرب في غزة.. احتجاجات في بازل تدعو لطرد إسرائيل من ...
- جبهة جديدة في المواجهة بين الهند وباكستان: خطوات تصعيدية من ...
- بعد صفقات بترليونات.. ترامب يعود إلى واشنطن لرؤية حفيده الحا ...
- ترامب: تخفيف العقوبات والقيادة الجديدة سيمهدان الطريق لنهضة ...
- الدفاع الروسية في حصاد الأسبوع: تحرير 6 بلدات وتنفيذ 6 ضربات ...
- ترامب يتوقع -أنباء طيبة- عن تسوية الصراع في غزة خلال الشهر ا ...
- ترامب يقول إنه قد يجري محادثة هاتفية مع بوتين
- عبد المنعم الجمل يدعو لإبراز الجوانب الإيجابية للعامل المصري ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية