أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد علي محيي الدين - قراءة في رواية المتألم المتأمل














المزيد.....

قراءة في رواية المتألم المتأمل


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 14:12
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدرت عن مطبعة الرفاه رواية للصديق العزيز حسام آل زوين تحت عنوان (المتألم المتأمل) والرواية رحلة شاقة تروي حكايات ومحطات عن ظروف مر بها المؤلف، رواية تُمسك بجمر الحكاية، وتسير بك على الشوك الذي مشى عليه مناضلٌ عراقيّ، قرر أن يهرب من جحيم الاستبداد لا لينجو بنفسه، بل ليلحق بحلمٍ أكبر من القيد.
من جبال كردستان إلى برد روسيا، ومن جبهات القتال إلى دهاليز الخيبة، يسرد الراوي رحلةً مفعمة بالتضحية، والخذلان، والتأمل في ما تبقى من وطنٍ كان يومًا سببًا لكل هذا الألم.
ليست هذه حكاية نصر، بل شهادة رجلٍ ظلّ يحارب حتى بعد أن وضعت البنادق...
يحارب ليبقى صوته حيًّا وسط صمتٍ خانق، وضميره يقظًا في زمنٍ صار فيه النوم شكلًا من أشكال النجاة.
رواية عن الهروب إلى الحقيقة، والعودة إلى الخيبة، والعيش في منطقةٍ معزولة بين "كان" و" لم يَكُن".
انها تحمل وجع وطن، وصدق التجربة.
وما بينَ ليلتين من ليل العراق، خُلق هذا الحرف...
في الأولى، كان صراخُ امرأة تُخفي دمعتها عن الجدران، تنادي غائبًا لن يعود.
وفي الثانية، كان رجلٌ يسند روحه إلى كتف الظل، يُقلّب خرائط الهرب كمن يفتّش عن مخرجٍ من قفصٍ لا يرى قضبانه، لكنه يشعر بها تُطبق على قلبه.
ما بين ليلتين، يُولد المنفى.
هذه ليست رواية، بل جُرحٌ طويلٌ لم يندمل، امتدّ على هيئة طريقٍ وعرة، حفرتها أقدام الهاربين من الجحيم، وسُفدت بدماء الذين لم يجدوا سوى الجبال ملاذًا حين ضاقت الأرض بما رحُبت. هنا، حكاية رجلٍ ما سقط من ذاكرة وطنه، بل دُفع للسقوط دفعًا، ووجد نفسه، ذات فجرٍ جبليٍّ بارد، يحدّق في السماء محاولًا أن يفهم: كيف لوطنٍ يُنجب أبناءه من رُحم العذاب، أن يأكلهم حين يشتد عودهم؟
لقد سار بطلنا، لا على قدمين، بل على رماد الطفولة، وأشلاء الرفاق، ومجازر القرى، وصدى أسماء لم تُسجّل في دفاتر التاريخ. سار بخطى ثقيلة، يتقافز بين موتٍ مؤجَّل وآخر وشيك، حالمًا بكلمة سرٍّ قيل له إنها طريق الخلاص. لكن، أي خلاصٍ ذاك الذي يمرّ عبر حدودٍ ممزّقة، وكهوفٍ تعجُّ بالخوف، وأيامٍ لا يعرف فيها من يقاتل مَن، ولا لمَ؟
لم يكن بطلاً كما تصفهم الروايات. لم يمتلك إلا قلبًا يدقّ خارج إيقاع القطيع، وعقلاً ما أطاق أن يُصفّق للمشانق. كان يرى أن الوطن ليس اسمًا على الخارطة، بل رعشة في الصدر، ودمعة تتسلق العين حين يُغنّى النشيد، وصرخة تُقال في وجه من يُراد له أن يكون إلهًا صغيرًا يوزّع الحياة والموت بمزاجٍ مريض.
هرب... لا جبنًا، بل لأن الشجاعة أحيانًا هي أن تختار طريقًا يُوجعك أنت وحدك، لا أن تُوجع به الآخرين. عبر الجبال، جاع، وخاف، وتخفّى، نام بين الصخور، وأفاق على أصوات الطائرات لا تعرف الفرق بين مقاتل ومارق. سار نحو المجهول، لا حبًّا به، بل لأنه كان النقطة البعيدة التي قد تمنحه فرصة التنفس... فقط أن يتنفس.
ثم عاد.
عاد حين سقط الوحش الذي أحرق البلاد عقودًا. عاد حاملًا قلبه كما تركه: مكلومًا، منتظرًا أن يجد ما يُبرر كل تلك الدماء، كل ذلك البرد، كل تلك الأحلام التي جُمّدت في ممرات الموت.
لكن البلاد لم تكن تنتظر أبناءها.
وجد نفسه غريبًا في مدينته، مُحاطًا بوجوهٍ لم تُقاتل، لكنها تحكم. وجد أن الخيانة صارت وجهًا مقبولًا، وأن المصلحة لبست زيّ الشرف، وأن الذين ماتوا لا يذكرهم أحد، لا شارع باسمهم، ولا حتى خبرٌ في صحيفة. لقد سرق الطغاة الماضي، لكن من سرق الحاضر كان أكثر مهارة، وأكثر خبثًا.
فماذا يفعل من قاتل لأجل فجر، حين يجد الشمس وقد بيعت في المزاد؟
جلس الرجل، بعد كل ذلك، على أطراف الذاكرة، وأخذ يتأمل. صار يرى نفسه طفلًا في الأزقة، شابًا في المنافي، مقاتلًا في الثلوج، ومنفيًا في وطنه. صار المتألم المتأمل، لا هو قادر على النسيان، ولا هو راغب في العيش دون معنى.
هذه الرواية ليست للتسلية. إنها نايٌ مكسور يعزف على وترٍ وحيد. هي مناجاة من خسر كل شيء، ثم جاء يكتب لا لينتصر، بل ليفهم.
أن تفهم، في هذا البلد، نعمةٌ ثقيلة، تكلفك كثيرًا.
أن تتأمل، بعد أن تتألم، فهذا هو النبش في الرماد بحثًا عن جمرة لا تزال حيّة.
فهل تجدها معه؟
اقرأ... وستعرف.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
- القاضي زهير كاظم عبود كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
- عبد علي حسن... واعادة تشكيل الوعي السردي
- المجموعة القصصية وجه أزرق بين التكثيف والايحاء الرمزي
- ذو النون أيوب يدافع عـــــــن الرصافــي
- رحلة الشرق الأوسط
- الناقد باقر جاسم محمد وآراؤه النقدية
- العتابا والأبوذية الجذور والفروق وأسبقية الظهور
- الشاعرة وداد الواسطي اصالة في الشعر وفرادة في التعبير
- الشاعر العراقي جبار الكواز شاعر متجدد
- الشاعر سعد الشلاه شاعرية متأخرة لم تأخذ طريقها للبروز
- الشاعر حميد يحيى السراب: مسيرة إبداعية ناضجة
- الشاعرة حسينة بنيان.. تنوع في الاداء والأسلوب
- محطات من مسيرة الفقيد سامي عبد الرزاق (ابو عادل)
- انطلوجيا القصة البابلية
- الدارمي والصراع الطبقي
- ذكريات عن قادة الحزب الخالدين
- ناهض الخياط تجربة شعرية متألقة
- زهير ناهي رحلة طويلة في طريق النضال
- فلاح الرهيمي مناضل من طراز خاص


المزيد.....




- ماذا نعرف عن الطائرة الصينية التي أسقطت الرافال الفرنسية في ...
- الفلسطينيون يهجرون منازلهم قسرًا بعد هدم مبانٍ في مخيم نور ش ...
- من طالبة في معهد تعليمي إلى البرقع الأفغاني.. قصة ميرا الغام ...
- حلفاء كييف الأوروبيون يوافقون على إنشاء محكمة لمحاكمة بوتين ...
- 8 عقود على انتهاء الحرب: هل تترك واشنطن أوروبا في مهب بوتين؟ ...
- سوريا.. تغريدة وزير الطاقة حول اتفاق مع تركيا تثير تفاعلا
- -واشنطن بوست-: حضور زعماء الدول عرض النصر في موسكو يمثل فشلا ...
- ترحيب حار وحديث بين السيسي وشي جين بينغ في موسكو
- المغرب.. مقتل 9 أشخاص بانهيار مبنى سكني في مدينة فاس
- حتى لو استسلموا أبيدوهم!


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد علي محيي الدين - قراءة في رواية المتألم المتأمل