أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-














المزيد.....

قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 12:07
المحور: الادب والفن
    


نشر الشاعر انمار مردان قصيدة في مجلة (التقارب الثقافي الجزائرية) بعنوان(لون لا تعرفه الشمس مطلقًا) وهذه القصيدة تحمل طابعًا حداثيًا واضحًا، مشبعًا بالصور المركّبة، والتراكيب المتفجرة بالعاطفة والدهشة، وتفيض بأسئلة وجودية، وإشارات رمزية، وعناصر سردية تخلق مزيجًا شعريًا بين الحلم والواقع.
القصيدة تقوم على خطاب غزلي/ وجداني يوجهه الشاعر إلى أنثى تتجاوز حدود المألوف، امرأة تكاد تكون رمزًا كونيًا، أو ميتافيزيقيًا، فهي ليست مجرد امرأة، بل حالة شعرية متكاملة، بلغة تتعدى القاموس، وتشكل معنى خاصًا لا يبلغه سوى الشاعر.
هذه الأنثى لا توصف بجمالها الجسدي فقط، بل بقدرتها على تشكيل اللغة، وإعادة تركيب العالم من حول الشاعر. يتعامل معها كما يتعامل الصوفي مع المحبوبة: حضورها يخرق المعنى، وغيابها يعيد صياغة الأسئلة الوجودية.
والقصيدة غنية بصور شعرية مبتكرة، نابعة من خيال خصب وجرأة في التشكيل: تصوير الأنثى كرمز يتجاوز المألوف، واستخدام الصور الغرائبية والتراكيب العاطفية المركبة. وكثافة الأسئلة والانفعالات.
"لا شيء يغلق المعنى غير أنوثتكِ": استعارة غريبة وجذابة، حيث تتحول الأنوثة إلى عنصر وجودي يغلق/يُتمّ "المعنى"، أي كأن المعنى ناقص بدونها.
"نهر يعطش حين يراكِ": قلب للمنطق، فبدلًا من أن يروي النهر، يعطش، وهو ما يُظهر شدة تأثير هذه الأنثى.
"أخطبوط من المرايا الجاهزة للكسر": صورة فنية تعبر عن هشاشة الصورة أو تشظي الذات في حضرة المحبوبة.
"كيف زرعك شجرة تين وبثك شراعًا": الجمع بين رموز الطبيعة والرحلة، مما يجعل منها كائنًا ممتدًا بين الأرض والبحر.
"حين تأكلين قلبي بطريقة جديرة بالطعام": صورة صادمة ومؤثرة، ترمز للفناء في الحب أو الاستسلام التام أمام المحبوبة.
والقصيدة تنتمي إلى لغة الحداثة الشعرية، لكنها تتمسك أحيانًا ببعض الجزالة، مما يكسبها توازنًا بين الفصاحة والانسياب العاطفي. فقد تميزت بأسلوب التراكم العاطفي، حيث الجمل تنمو وتتتابع كأنها تنهال من داخل ذات الشاعر دون توقف.
وتواتر الأسئلة عنصر بنيوي مهم، يعيد إنتاج القلق الوجودي والوله العاطفي: "كيف خلقكِ الرب؟"، كيف لونتِ أيامي؟"، كيف قرأتِ كل ألوان الطيف؟".
ويعتمد التكرار لتعميق المعنى، "مرة أخرى" تُستخدم بشكل دقيق لإظهار التحول في وعي الشاعر، والاعتراف بندمه، وقراره بالإنصات من جديد.
ورغم أن القصيدة لا تعتمد على الوزن أو القافية، فهي تنتمي إلى الشعر الحر، لكنها تعتمد على إيقاع داخلي مبني على التكرار والتماثل والتركيب الصوري.
وبنائها السردي أكثر وضوحا ، والشاعر يبدأ من نقطة اندهاش، لينتقل إلى التساؤل، ثم إلى محاولة الاستيعاب، فالندم، فإعادة التعهد. ومن اهم نقاط القوة فيها، غنى الصورة الشعرية وفرادتها. والتوليد اللغوي والرمزي الذي يجعل من الأنثى كائنًا استثنائيًا، والبناء الانفعالي المتصاعد الذي يشد القارئ.
ومن الملاحظات التي يمكن الخوض فيها وهو رأي قد يبدو متحاملاً: هو كثافة الصور أحيانًا مما يفقد النص بعض التوازن، إذ تصبح القصيدة حمّالة دلالات كثيرة يصعب العثور عليها بسهولة، فيما تبدو بعض الصور غائمة أو مبهمة، خاصة حين تُحمّل بتراكيب لا تستند إلى معادل حسي أو رمزي واضح. اضافة لغياب التفاوت اللحني الذي يجعل القصيدة منسجمة شعريًا لكن مسطّحة إيقاعيًا، مما قد يحتاج إلى تنويع في الجمل وقوة المفصلات النصية.
ولو أجرينا مقارنة مع نص حديث للشاعر محمود درويش من قصيدة "كزهر اللوز أو أبعد" يقول درويش: "أنتِ، مثل نبوءةٍ، تتأخّرُ كي أستعدَّ له...
كأنكِ حين تمرّين بي،
تمرّين في الماءِ، والماءُ مرٌّ،
كأنكِ لا تشتهين القصيدة،
كأن القصيدة تشتهيكِ..."
ووجه المقارنة بين النصين يظهر لنا أن الأنثى في كلا النصين تتحوّل إلى "نبوءة" أو "معنى أكبر من جسد"، فالقصيدة لا توصف هي، بل تشتهيها! وكلا الشاعرين يستخدم قلب العلاقات المنطقية: الماء يعطش، أو القصيدة تشتهي، ورغم أن لغة درويش أكثر ضبطًا وإيقاعًا، لكنها تحتفظ بنفس الفضاء الرمزي.
ختاما لابد من القول أن القصيدة مثال حي على شعرية الحداثة العاطفية، التي تستند إلى الصور المركبة والأسئلة العميقة، واللغة التي تتجاوز معانيها الأولى إلى أفق رمزي وشعوري أبعد. وهي تعكس شاعرًا يمتلك خيالًا حرًا، وإحساسًا مرهفًا، وقدرة على التعبير بأسلوب فني متماسك رغم فيضان العاطفة.
القصيدة
لا شيءَ يغلقُ المعنى غير انوثتكِ
التي تفوحُ نهرًا يعطشُ حين يراكِ ،
لغةٌ اخرى
وقواميسٌ مجلدةٌ ،
وسماءٌ ممطرةٌ ،
ومستهلٌ يعبرُ كلَّ الغيومِ ولا يتحدث إلا بكِ .
اخطبوطٌ من المرايا الجاهزةِ للكسرِ
تترجلُ بعض الصورِ
أعني
الصورَ الخائفةِ،
تخافُ من ظلِكِ حين يجرُ الشارعَ بخطوتِكِ .
أنتِ لغةٌ غائبةٌ لم تظهر إلى الآن
قد تبعثُ يوما ما
او تنطقُ بلهجةٍ جديدةٍ ،
أيتها العابرة كل الاشياءِ الثمينةِ
قولي لي
كيف خلقكِ الرب في وقتِها ؟
وكيف زرعكِ شجرةَ تينٍ
وبثك للأرضِ شراعًا طويلًا ،
يتبادرُ إلى رأسي سؤال عتيق
كيف وضعتِ حقيبتكِ على كتفكِ بهذه الاناقة ؟
وكيف لونتِ أيامي مثل لون شعركِ التمري ؟
وكيف جعلتِ من شاعرٍ يغارُ ويخافُ ويهربُ ويركضُ وينزعجُ بهذه السرعةِ الممكنةِ ؟
وكيف قرأتِ كل ألوان الطيف الشمسي بنظرةٍ واحدةٍ؟
وكيف كل هذا وأنا على قيد الحياة ؟ .
اسئلةٌ تسيلُ مثل سيفٍ
حين يحصدُ رقابًا
وأنا من يحصد رقبتي
حين تقفين امامي مبتسمة ؟ .
مرة أخرى اقول لكِ
كنتُ على خطأ
حين غرستِ عطرَكِ في الهواءِ
ولم أبتلعْهُ ،
مرةً أخرى سأصغي جيدًا لكل تفاصيلِكِ الكثيرة
وأكونُ حريصًا لتدوين ما يفوتني من زفيرِكِ
مرة أخرى سأكونُ أكثرَ وعيًا
لأنشغل عن الزوابعِ كلها
وأنتبهُ لفمِكِ حين تأكلين قلبي بطريقةٍ جديرةٍ بالطعام .



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية المتألم المتأمل
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
- القاضي زهير كاظم عبود كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
- عبد علي حسن... واعادة تشكيل الوعي السردي
- المجموعة القصصية وجه أزرق بين التكثيف والايحاء الرمزي
- ذو النون أيوب يدافع عـــــــن الرصافــي
- رحلة الشرق الأوسط
- الناقد باقر جاسم محمد وآراؤه النقدية
- العتابا والأبوذية الجذور والفروق وأسبقية الظهور
- الشاعرة وداد الواسطي اصالة في الشعر وفرادة في التعبير
- الشاعر العراقي جبار الكواز شاعر متجدد
- الشاعر سعد الشلاه شاعرية متأخرة لم تأخذ طريقها للبروز
- الشاعر حميد يحيى السراب: مسيرة إبداعية ناضجة
- الشاعرة حسينة بنيان.. تنوع في الاداء والأسلوب
- محطات من مسيرة الفقيد سامي عبد الرزاق (ابو عادل)
- انطلوجيا القصة البابلية
- الدارمي والصراع الطبقي
- ذكريات عن قادة الحزب الخالدين
- ناهض الخياط تجربة شعرية متألقة
- زهير ناهي رحلة طويلة في طريق النضال


المزيد.....




- المواطنة في فكر محمد بن زايد... أطروحة دكتوراه بامتياز لعلي ...
- تمثالان عملاقان من فيلم -ملك الخواتم- بمطار.. فرصة اخيرة لرؤ ...
- حمدان يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض ا ...
- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-