أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة














المزيد.....

عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 13:50
المحور: سيرة ذاتية
    


في أطراف مدينة الحلة، وتحديدًا في قرية "عوفي" الوادعة، وُلد عام 1942 رجلٌ كُتب له أن يُمضي عمره متأرجحًا بين الضوء والظل؛ بين وهج الخشبة المسرحية ونور المعرفة المتوقد في بطون الكتب. هناك، في تلك الأرض الخصبة بالنخيل والماء والتقاليد، بزغت إرهاصات الموهبة الأولى للدكتور عبد الإله كمال الدين، الذي سيصبح لاحقًا منارة أكاديمية وثقافية في العراق والعالم العربي.
من مدرسة "الكص" الابتدائية، حيث بدأت حكاية الطباشير والسبورة، إلى المتوسطة المركزية، كان الصبي الحليّ يُظهر ميلًا واضحًا للفنون والجمال، ميلًا لم يُخيب ظنه حين اختار أن يلتحق بمعهد الفنون الجميلة ببغداد. هناك، تفتحت روحه على آفاق التعبير المسرحي، وعلى تقنيات الفن البصري والدرامي، فكان من خريجي المعهد عام 1962، ومن أولئك الذين جعلوا من التدريس في مدارس الحلة منبرًا لنشر الذوق الفني وتربية الحس الجمالي.
لكن اللحظة المفصلية في حياته لم تكن في قاعة درس، بل على خشبة مسرح. في منتصف الستينيات، شهدت قاعة التربية في محلة الكراد الحلية عرضًا مسرحيًا برع فيه عبد الإله كمال الدين، رفقة زميله علاء يونس، حتى أن وزير التربية نفسه استدعاهم ووهب كلاً منهما أمنية. كانت أمنيته أن يسافر ليتعلم. وهكذا، طار إلى تشيكوسلوفاكيا بمنحة دراسية، وهناك حصل على الدبلوم العالي من كلية الدراما بجامعة "تشارلز" العريقة عام 1967.
عاد إلى العراق، وقد نضجت تجربته وتعمّقت رؤيته، ليُدرّس في معهد الفنون الجميلة ببغداد، قبل أن يشد الرحال مرة أخرى إلى أوروبا الشرقية، حاصلاً عام 1979 على شهادة الدكتوراه في الدراما المسرحية من كلية الآداب بجامعة بوخارست – رومانيا. ولم تمض سنوات قليلة حتى بلغ مرتبة الأستاذية عام 1995، وهو شرف لا يناله إلا من جمع بين غزارة العطاء وصرامة المنهج.
لكنّ درب عبد الإله كمال الدين لم يكن مفروشًا بالورود؛ ففي عام 1997 غادر العراق، بعد أن ترك الوظيفة مضطرًا، حاملاً معه مكتبته الثرية وهمومه الأكاديمية. حطّ رحاله في ليبيا، حيث عمل أستاذًا في كلية الإعلام والفنون بجامعة الفاتح حتى عام 2001. ثم عاد إلى العراق قبيل الغزو الأميركي، ليُستعاد إلى وظيفته ويُكلَّف بتدريس الأدب المعاصر، والسيناريو، والدراما الإذاعية والتلفزيونية في كلية الإعلام – جامعة بغداد.
لم يكن الأستاذ عبد الإله مجرد مُدرّس يوزع العلامات، بل كان باذرًا للمعرفة في كل محفل. أشرف على عشرات الرسائل والأطاريح، في كليات الفنون الجميلة والإعلام، وترك أثرًا لا يُمحى في طلابه الذين ما زالوا يذكرونه بكلماتٍ تنضح بالعرفان والاحترام.
أما مكتبته الشخصية – تلك الكتلة الحية من الورق والذكريات – فقد آثر أن يهديها إلى متحف الحلة المعاصر، في بادرة وفاء لمدينته الأم، وكأنه أراد لروحه أن تبقى في ترابها حتى وهو يعيش اليوم في الولايات المتحدة.
رأي النقاد فيه
يرى النقاد أن الدكتور عبد الإله كمال الدين هو أحد العقول النادرة التي جمعت بين التكوين الفني الصارم والرؤية النقدية العميقة. فبعضهم يصفه بأنه "الدرامي الذي تفكر بلغته الفنون"، وآخرون يعدّونه "من أوائل الذين أدخلوا المناهج النقدية الغربية إلى مقاربة الأدب العربي في الجامعات العراقية، دون أن يفقد روح النص العربي وهويته".
في دراساته، لا يتعامل عبد الإله مع النص كجثة على طاولة التشريح، بل كنص حي، يتنفس في إيقاع الثقافة والتاريخ. مؤلفاته مثل "تحولات النص الأدبي" و"النقد الأدبي المعاصر" و"الرؤية الثقافية في الأدب" كانت علامات بارزة في مسار النقد الثقافي في العراق والعالم العربي، وقد شكلت مرجعًا مهمًا للباحثين وطلاب الدراسات العليا، لما فيها من تحليل رصين وشغف واضح بقضايا الإنسان واللغة والمجتمع.
إن عبد الإله كمال الدين ليس مجرد أستاذ جامعي ولا باحث في الدراما والنقد الأدبي، بل هو سيرة فكرية وجمالية متكاملة، تبدأ من ريف الحلة وتمر عبر مسارح بغداد وشوارع براغ وبوخارست وطرابلس، ثم تعود لتستقر في وجدان الأجيال التي تتلمذت على يديه أو قرأت من كتبه. في زمنٍ تهاجر فيه العقول بصمت، يظل عبد الإله شاهدًا على جيلٍ آمن بالكلمة، وأخلص للفن، وأحب وطنه رغم الغياب الطويل.
هو الآن في مغتربه الأميركي، لكن أوراقه ما زالت تعبق برائحة الحلة، وصوته – ولو في بعد – ما زال يُلقّن النصوص كما لو أنه واقف على خشبة الحياة، يلقي درسه الأخير بشغف لا يذوي.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-
- قراءة في رواية المتألم المتأمل
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
- القاضي زهير كاظم عبود كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
- عبد علي حسن... واعادة تشكيل الوعي السردي


المزيد.....




- ضجة يشعلها المستشار الألماني بكشف -وثيقة- عن جد ترامب بلقاء ...
- بعد تصريحات ماسك الصادمة.. شاهد كيف رد ترامب مع استمرار السج ...
- ذكّر بهروبه من سوريا.. أول رد من محمود خليل أمام القضاء الأم ...
- فيديو يظهر لحظة وقوع غارات إسرائيلية عنيفة في الضاحية الجنوب ...
- المناخ يهدد المواشي، فهل يصبح الأضحى بلا أضحية؟
- لماذا تضاعفت الاعتداءات المعادية للسامية في ألمانيا؟
- -التزاوج القاتل-.. سلاح غير تقليدي يقضي على البعوض ويحارب ال ...
- -هدية العيد- من السلطات السورية الجديدة لعوائل جنود وضباط من ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل تمساحا للاشتباه بكونه ديناصورا! (صور) ...
- فولودين: زيلينسكي شخصيا مسؤول عن الهجمات الإرهابية ضد المدني ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة