أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية















المزيد.....

قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 18:54
المحور: سيرة ذاتية
    


في الزمن الذي تتيبس فيه الكلمة تحت رماد الخوف، وفي الأرض التي تمطر دماً كلما أزهرت فكرة، ولد قاسم عبد الأمير عجام، لا كاتبًا فحسب، بل ضميرًا ثقافيًا يقظًا، يتنقل بين الحقول الزراعية التي أحبها علمًا ومهنة، والحقول الأدبية التي افتتن بها عقلًا ووجدانًا، فكان الحالم الذي اختار الكتابة طريقًا، والنقد سلاحًا، والحقيقة نداءً لا يهادن ولا يساوم.
ولد الشهيد قاسم عبد الأمير عجام في مدينة المسيب عام 1945، بين نخيل الفرات وهواء الحلة الذي يحمل عطر التراث وشجن الطموح. انتقل بين مدينتي المسيب والحلة، متشربًا من محيطه الاجتماعي والروحي سمات الإنسان الجنوبي: الطيبة، الصبر، والانتماء العميق للأرض. لم يكن غريبًا إذًا أن يدرس الزراعة، ويتفوق فيها، حتى حصل على الماجستير من جامعة بغداد سنة 1977، لكن حبه للأدب كان يشق طريقه في داخله كجذر سريّ لا يُرى، لكنه كان الأعمق أثرًا.
مارس عجام مهامه في ميادين زراعية وإدارية لعقود، من الباحث العلمي إلى مهندس في مشروع المسيب، حتى مدير عام. وكان دائمًا يقف في النقطة التي يتقاطع فيها الفعل المهني مع الحلم الثقافي، حتى بعد سقوط النظام، حين اختير مديرًا عامًا لدار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة، فأراد أن تكون الدار خيمة يتفيأ تحتها الكتاب والفنانون، ونافذة تنفتح منها الثقافة العراقية على العالم.
لكن اليد الآثمة لم تمهله طويلًا. ففي 18 أيار 2004، وبينما كان متجهًا إلى بغداد، خطفته رصاصات الغدر. لم يكن ذلك اغتيالًا لرجل، بل محاولة لإسكات مشروع نقدي وفكري كان يمكن أن يضيء دهاليز الفوضى الثقافية التي غرقت فيها البلاد بعد التغيير.
قاسم عجام لم يكن ناقدًا تقليديًا يكتفي بتوصيف النصوص، بل كان قارئًا استقصائيًا يمتلك حسًا تاريخيًا وجماليًا. آمن بأن النص لا يُفهم خارج زمنه وسياقه، وأن الناقد لا يمكن أن يكون محايدًا في زمن الخداع. كتب عن القصة والرواية، وارتاد فضاءات السينما والدراما والمسرح، فكان يرى الفن كيانًا موحدًا، لا تحكمه الحدود الشكلية، بل وحدة الرؤية والتعبير.
في كتابه الضوء الكاذب في السينما الأمريكية، لم يتناول السينما بوصفها فنًا بصريًا فحسب، بل كأداة أيديولوجية تحكمها سرديات الهيمنة والتضليل، محاولًا أن يفضح ما يُخفيه "البريق" من خطاب استعماري وثقافي مموّه. أما دراسته المخطوطة علي جواد الطاهر مقاليًا، فكانت بمثابة إعادة قراءة لأبجدية النقد العراقي الحديث، يسترجع فيها دور الطاهر بوصفه مدرسة في التلقي والتأمل.

وكتب أكثر من 300 مقالة عن المسرح والدراما التلفزيونية والأفلام، لم يكن هدفه فيها المديح أو الاستعراض، بل نقد الذوق العام، وتشخيص تحولات الذهنية الجمعية، وفضح الرداءة حين تتزيّا بلبوس الفن.
لقد عاش قاسم عجام مهمومًا بالحقيقة، يرى في الثقافة سلطة مضادة، لا تحابي ولا تهادن، بل تفضح القبح باسم الجمال، وتعيد ترتيب الوعي على نحو يسمح للناس بأن يروا ما وراء الستار، ويشككوا بما يُراد لهم أن يصدّقوه.
لم تمت أفكاره برحيله، بل تحولت إلى أيقونة في ذاكرة المثقفين العراقيين. فقد أقيمت له مهرجانات تأبينية وملتقيات في بغداد وبابل، وصدرت كتب تؤبّن روحه الحاضرة، مثل النور المذبوح والقابض على الجمر للدكتورة نادية العزاوي، وقتل الملاك في بابل الذي كتب فيه شقيقه الشاعر والصحفي علي عبد الأمير مرثية سياسية وثقافية مفعمة بالألم والفقد.
وكانت مسرحيته الأبدية "زمن الأسئلة" التي قُدمت في إحدى استذكاراته، عنوانًا دقيقًا لما مثّله قاسم: رجل الأسئلة الكبيرة، في زمن الإجابات الجاهزة.
لم يكن قاسم عبد الأمير عجام ناقدًا يكتب على هامش الأحداث، بل كان صوتًا من داخل الجمر، ينطق بالحقيقة وسط الركام، ويؤمن أن المثقف ليس مَنْ يُصفّق للواقع، بل من يعريه ويُعرّف به، حتى لو كلفه ذلك حياته. وهكذا كان، قُتل لأنه أراد أن يزرع العقل في أرض الخراب، ويضيء بالنقد دروبًا أغرقتها الأدلجة والرداءة. سلامًا لروحه... وسلامًا لكل ناقد حمل قلمه بصدق في زمن البنادق.
لقد كان عجام مدار اهتمام الكتاب والناقدين وهناك شهادات وكلمات من أصدقاء الدرب ومحبي القلم قيلت في ذكراه، فقد كتب الناقد فاضل ثامر – في استذكار نُشر في جريدة "الصباح": "كان قاسم عبد الأمير عجام من أولئك النقاد الذين يحملون رؤيا مثقفٍ عضويّ، ناقد لا يقرأ النص بعين مجرّدة، بل يربطه بتحولات المجتمع وتقاطعاته. كانت لغته نقدية متماسكة، بلا حذلقة، وكتاباته عن الدراما خصوصًا تمثل أرشيفًا حيًّا لعقل متوقد ومثقف واسع الأفق."
وكتب شقيقه الشاعر والصحفي علي عبد الأمير –في كتاب قتل الملاك في بابل: "كان قاسم مشروع ثقافة ووطن، رجل لم يسعَ للمنصب، بل جاءه المنصب مَدينًا له، فأراد تحويل دار الشؤون الثقافية إلى مكان يُدار بالعقل الثقافي لا بالعقل الوظيفي. لكنّ من أرادوا إغراق العراق بالفراغ، لم يحتملوا نغمة مثقفة وسط جوقة الضجيج، فأسكتوه جسدًا، لكنه ظل حيًّا فينا روحًا ونصًا."
أما القاص سلام إبراهيم – فقد قال في ندوة استذكارية نظّمها اتحاد أدباء بابل: "أتذكر حين التقيته في مهرجان القصة ببغداد في الثمانينات، كان لا يضيع فرصة لنقد الركاكة والتمجيد المجاني في بعض النصوص، دون أن يُحرج أحدًا. كان هادئًا في صوته، لكنه صارم في فكرته. كان يرى النقد أداة تحريض على الوعي، لا أداة تجميل للنصوص."
وأشاد الفنان المسرحي كاظم نصار – عند عرض مسرحية "زمن الأسئلة": "كتب عجام أكثر من مقال عن أعمالنا المسرحية، وكان قارئًا دقيقًا للتفاصيل، لا يكتفي بالنص بل يذهب إلى حركة الممثل، إضاءة الخشبة، وانفعالات الجمهور. لذلك حين كتبنا مسرحية زمن الأسئلة عنه، شعرنا كأننا نكتب عن الضمير المغدور فينا."
فيما تقول الدكتورة نادية العزاوي – في تقديمها لكتاب القابض على الجمر: "الكتابة عن قاسم ليست رثاءً، بل محاولة لفهم معنى أن يكون الإنسان مثقفًا في بلدٍ يطارد فيه القتلة الحبر والنبض. كتابي هذا شهادة على أن عجام كان يُمسك جمرة النقد بيديه العاريتين، دون تراجع، ودون رغبة في النجاة."



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-
- قراءة في رواية المتألم المتأمل
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة
- القاضي زهير كاظم عبود كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
- عبد علي حسن... واعادة تشكيل الوعي السردي
- المجموعة القصصية وجه أزرق بين التكثيف والايحاء الرمزي
- ذو النون أيوب يدافع عـــــــن الرصافــي
- رحلة الشرق الأوسط


المزيد.....




- السلطات الأردنية تؤكد أن حل حزب -رؤية- قطعي
- الأمن يحبط محاولة تخريب على سكة حديد في الشرق الأقصى الروسي ...
- صحيفة: واشنطن توقف تشديد ضغوط العقوبات على طهران
- إصابة فلسطينيَّين في اقتحامات الاحتلال بالضفة ومستوطنون يهاج ...
- وزير خارجية إيران يصل القاهرة
- إذا فشلت المفاوضات.. كيف تستعد إيران لـ-السيناريو الأسوأ-؟
- زيلينكسي: الهجوم على روسيا الأحد هو -الأبعد مدى- من جانب أوك ...
- مرشحا الرئاسة في بولندا يعلنان الفوز والفارق ضئيل في النتائج ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي يفتح تحقيقا في -هجوم إرهابي- استهدف ...
- موجة اختطافات تستهدف أثرياء شركات العملات الرقمية في فرنسا


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية