أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد














المزيد.....

قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 11:36
المحور: الادب والفن
    


في مشهد شعري متوتر ومشحون، يطلق الشاعر موفق محمد صرخته النارية من أعماق الألم الوجودي، وينحت في نصّه جراح الإنسان العراقي الذي يرزح تحت سلطة الموت والجريمة والانهيار الرمزي للكون الأخلاقي.
في قصيدته "النهر والمقصلة"، يخطّ موفق محمد صرخة شعرية تقطر ألمًا ورمزيةً، مجسدًا عبرها تحولات الوطن من زمن الماء إلى زمن الدم، ومن جسور الوصل إلى مفارز القتل. النص يقف عند حدود التاريخ والدين والسياسة، ليعيد مساءلة النهر كرمز، والحسين كضمير، واللغة كوسيلة خلاص لم تعد تُجدي.
حين يذوب الماء في الدم وتتحول الجسور إلى مقاصل
في لحظة من أكثر اللحظات كثافةً وتمثيلًا للوجع في الشعر العراقي المعاصر، يكتب الشاعر موفق محمد قصيدته "النهر والمقصلة" بوصفها صرخة تتردد بين ضفتي دجلة والفرات، صرخة مشحونة بالغضب، والخذلان، والأسى العميق لما حلّ بالوطن من فواجع متلاحقة.
وكما في معظم شعره، تمثل هذه القصيدة تقاطعًا حادًا بين الذاتي والتاريخي، بين السياسي والوجودي، بين قداسة الماء ونجاسة الدم.
اللغة المفقودة: حين يعجز الحرف عن الطهارة، منذ استهلالها، تُعلن القصيدة إفلاس اللغة:
"يا أيها النور الذي ابتكر الحياة
فقدت بكارتها الحروف
فلا جديد لما جرى"
لا يستدعي الشاعر هنا صورة الخلق الأولى فقط، بل يعلن أن الخلق قد انقلب إلى تكرارٍ عقيم، وأن الكلمة – في زمن الجريمة – فقدت قدرتها على التطهير والخلاص. نحن أمام نصٍّ يرى أن الحرف لم يعد وسيلة فداء، بل أصبح مجازًا هشًّا أمام هول الخراب.
رمزية الماء والموت: حين ينقلب النهر على رسالته
تقوم القصيدة على ثنائية الماء والدم، لكنها لا تكتفي بالمواجهة التقليدية بين الحياة والموت، بل تعيد تأويل هذه الثنائية: النهر لم يعد منبعًا للحياة، بل شاهدًا عاجزًا، وربما متواطئًا:
"النهر فر من الضفاف ولم يؤشر دفتره
من أين يأتي؟
والجسور مفارز قامت عليها المقصلة"
النهر هنا لا يروي، بل يهرب. يلوذ بالصمت أمام المذابح. والجسور، التي كانت رموزًا للوصل، أصبحت مقاصل تُقطع فوقها الأعناق. هذه الصورة تقلب المفاهيم: ما كان رمزًا للحياة صار أداة للقتل.
النهر والحسين: الماء الذي لم يختبر الشهادة
يحضر الإمام الحسين في القصيدة لا كرمز ديني فقط، بل كمقياس أخلاقي وكوني:
"يا أيها النهر الذي ما ذاق من ظمأ الحسين
لو ذقت منه لسار موجك بالضياء
وبالحياة إلى الأبد"
في هذا المقطع، يستدعي الشاعر ظمأ كربلاء بوصفه تجربة وجودية. فالماء، كما يقول، لا يطهر إلا إذا تماهى مع العطش الحسيني؛ أي مع العطش إلى العدالة، إلى الفداء. هنا تصبح الطهارة مرهونة بالتضحية.
من الطف إلى الطوفان: سقوط الرموز القديمة
وفي ذروة القصيدة، تنفتح على مشهد كوني يغيب فيه الأمل بالخلاص القديم:
"وسيبدأ الطوفان
تنفتح الرقاب
حمم تطوح بالطغاة
لا فلك ينفع"
الطوفان قادم، لكنه لا يحمل نجاته. لا نوح هنا، ولا فلك. لا شفاعة ولا رجاء. العقاب وحده هو الذي يبقى، ليطهّر الأرض من آثامها. لقد سقطت كل الرموز التقليدية للخلاص، وباتت الحاجة إلى معنى جديد للخلاص، معنى يولد من الألم والدم.
ان "النهر والمقصلة" ليست قصيدة سياسية فحسب، بل هي قصيدة وجودية تُدين التاريخ، وتشكك في النهر، وتعيد تعريف الماء والموت. إنها صرخة ضد النسيان، وضد أن يصير الدم هو السارد الوحيد لما يحدث. وبهذا، يتجاوز موفق محمد لحظة الشعر إلى تأسيس ميثولوجيا جديدة للخراب العراقي، ميثولوجيا تسأل: من خان من؟ النهر أم الجسر؟ الحرف أم السيف؟ الوطن أم ماؤه؟



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-
- قراءة في رواية المتألم المتأمل


المزيد.....




- السينما لا تموت.. توم كروز يُنقذ الشاشة الكبيرة في ثامن أجزا ...
- الرِّوائي الجزائري -واسيني الأعرج-: لا أفكر في جائزة نوبل لأ ...
- أحمد السقا يتحدث عن طلاقه وموقفه -الغريب- عند دفن سليمان عيد ...
- احتفال في الأوبرا المصرية بالعيد الوطني لروسيا بحضور حكومي ك ...
- -اللقاء القاتل-.. وثيقة تاريخية تكشف التوتّر بين حافظ الأسد ...
- هنا رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد ا ...
- فيلم -مجموعة العشرين-.. أول رئيسة أميركية تواجه تحديات صعبة ...
- راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل ع ...
- بوتين: روسيا تفتخر بتنظيم مسابقة -إنترفيجن 2025-
- ترامب يواجه -البؤساء- على المسرح و-الاستهجان- خارجه! (صور)


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي محيي الدين - قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد