أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل














المزيد.....

الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 13:57
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، تلك التي كانت وما تزال منبعًا للثقافة العراقية ومرآةً لنبوغ أبنائها، ولد محمد أمين قاسم خليل عام 1938، فكان ميلاده إيذانًا بميلاد ناقدٍ مختلف، حمل همّ الكلمة وعبءَ الموقف في آنٍ معًا. نشأ في بيتٍ علمي، حيث كان والده أحد أعلام التربية في المحافظة، وهذا الإرث التربوي انعكس على نزعته نحو التبصر، والدأب، والانخراط في قضايا الإنسان والمجتمع.
منذ مطلع شبابه، أظهر ميلًا واضحًا إلى النقد والتحليل، وبدأ ينشر مقالاته وهو بعدُ طالب في كلية التربية بجامعة بغداد، ليشقّ طريقه بثقة نحو ساحة النقد الثقافي والفني. لم تكن كتاباته مجرّد انطباعات عابرة، بل كانت تقف عند الجوهر، وتتقصى المعنى، وتقرأ ما بين السطور، خصوصًا في ميدان النقد التلفزيوني، الذي تميز فيه مبكرًا، حين كانت الشاشة أداة تعبئة، فكان هو أداة وعي.
في عمله ضمن المكتب الإعلامي لجريدة طريق الشعب ببابل، إلى جانب قامات ثقافية مثل قاسم عبد الأمير عجام، وناطق خلوصي، ورضا الظاهر، وناجح المعموري، شكّل حضورًا لافتًا. كانت تلك مرحلة أضاء فيها النقد مناطق معتمة في المشهد الثقافي، وارتقى بمستوى الخطاب الفني، جامعًا بين الجرأة والدقة، والرؤية الأدبية والسياسية. حيث تحوّل النقد إلى أداة مقاومة، والفن إلى ساحة وعي، ولم يكن يتعامل مع التلفاز كوسيلة ترفيه بل كحقل خطابي يحمل دلالاته السياسية والثقافية، وقد تميزت مقالاته آنذاك بالجرأة والدقة، ممزوجة بلغة أدبية رصينة.
لم يقتصر حضوره على المقالة أو الموقف السياسي، بل كان ناشطًا ثقافيًا حاضرًا في الندوات والمراكز التي أسسها أو ساهم في فعالياتها، منها المركز الثقافي الديمقراطي والمركز الوطني للحوار الديمقراطي. لقد آمن بأن الثقافة لا تعيش إلا في فضاء الحوار، وأن الناقد الحقيقي لا بد أن يكون جزءًا من حركة المجتمع لا متفرجًا عليه.
وحين أُحيل إلى التقاعد، لم يخلد إلى الراحة، بل حوّل مكتبه المتواضع للاستنساخ في الحلة إلى واحة للمعرفة، يستنسخ فيه الكتب الممنوعة، ويوزعها خفية، في تحدٍّ للرقابة، وفي إصرار على أن تظل الكلمة حيةً حتى إن خُنقت في العلن. وبهذا الفعل اليومي الصامت، ظل مثقفًا عضويًا بالمعنى الغرامشي، منحازًا دومًا للمحرومين والمقموعين.
لكن، ورغم غزارة نتاجه، لم يجمع أمين قاسم خليل مقالاته أو ينشرها في كتاب. وقد بذلت محاولات لجمعها بعد وفاته، عبر أصدقاء ومعارف، لكن معظمها ضاع بين الصحف التي طواها الغياب، والذاكرة التي أثقلها النسيان. ورغم ذلك، بقي أثره يتردد في وجدان كل من قرأه أو سمعه أو عايشه.
كان أمين قاسم خليل يقف في زاوية القاعة، لكنه يملأها بحضوره، لم يكن كثير الكلام، لكن إذا تحدث أنصت الجميع، لأنه كان يرى ما لا نراه، ويقرأ فيما لا نقرأه. ولقد تعلمنا منه كيف يكون النقد موقفًا، لا مديحًا ولا هجاءً، كان يكتب كما لو أنه يصحح ضمير الزمن.
تميّز أسلوبه بالجمع بين الرؤية الفكرية العميقة واللغة الرشيقة، فكان يتعامل مع الشاشة بوصفها خطابًا لا تسلية، ويتناول الأعمال الفنية بتحليل يعيد تأطيرها ضمن سياقها الاجتماعي والسياسي. ولم يكن ناقدًا فحسب، بل مثقفًا عضويًا بالمعنى الكامل للكلمة. منذ شبابه انتمى إلى اليسار، ونشط في صفوف الحزب الشيوعي، فكان صوته لا يفصل بين الثقافة والسياسة، ولا يرى في الكلمة أداة تزيين، بل وسيلة لتحرير الوعي. وبعد إحالته إلى التقاعد، لم يتوارَ عن المشهد.
لقد رحل محمد أمين قاسم خليل في السادس من تشرين الأول عام 2020، دون أن يُكرَّم بما يليق بمقامه، أو يُحتفَظ بنتاجه في كتاب يضم فكره. لكنه بقي حيًا في ذاكرة من التمسوا في نقده جذوةً من الحقيقة، وفي مواقفه مرآةً لزمن مثقل بالألم والبحث عن المعنى.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة


المزيد.....




- تحديث مباشر.. الجيش الإسرائيلي يعلن رصد صواريخ قادمة من إيرا ...
- إدارة ترامب تستهدف مصر وسوريا و34 دولة بحظر السفر للولايات ا ...
- إعلام عبري يكشف الأهداف الأربعة لعملية -الأسد الصاعد- الإسرا ...
- بن سلمان يؤكد لبزشكيان وقوف السعودية بثبات إلى جانب إيران
- ليبيا.. -قافلة كسر الحصار على غزة- تتراجع من مشارف سرت وتتجه ...
- +++ قصف إيراني جديد وإسرائيل ترد باستهداف العمق الإيراني +++ ...
- ضربة صاروخية إيرانية كبيرة جديدة على إسرائيل (فيديوهات)
- -كان 11- العبرية: إيران هزمت بالفعل بفضل خطوة إسرائيلية لم ت ...
- مراسلة RT: سلاح الجو الإسرائيلي يشن هجوما على اليمن وصف بالد ...
- خبير عسكري يفجر مفاجأة بشأن الضربات الإسرائيلية ضد إيران


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل