أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص














المزيد.....

صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 12:05
المحور: سيرة ذاتية
    


في خضم المسارات الأدبية المتشعبة، حيث تتنازع القصة القصيرة والنقد مواطن التألق، يبرز اسم القاص والناقد صبري الحيدري كأحد أولئك الذين آثروا ألا يكونوا مجرّد عابري كلمات، بل صنّاع دهشة ودهاقنة تأمل.
وُلد الحيدري في بغداد عام 1952، ونشأ فيها وسط أحلام مؤجلة وواقع اقتصادي أجبره على ترك الدراسة بعد اجتياز الدراسة المتوسطة وانتقال اسرته للحلة، لكنه لم يترك سعيه إلى المعرفة، فصنع من ذاته قارئًا نَهِمًا وكاتبًا دؤوبًا، ومثّل نموذجًا مغايرًا لمن أدرك أن الثقافة لا تُمنح، بل تُنتزع نزعًا.
عُرف الحيدري ككاتب للقصة القصيرة منذ منتصف السبعينات، وكانت أولى خطواته المنشورة قصة "ملصق" التي ظهرت في مجلة الطليعة الأدبية، إيذانًا ببزوغ قلم سيستمر في صوغ الحكاية، لا كحَدث فقط، بل كبنية تتسع للتأمل والرمز واستبطان المعيش. وقد توّج هذا المسار بثلاثة أعمال صدرت له: "حلم مبكر، حلم متأخر" (2014)، "صبيان الماراثون" (2019)، و*"كتاباتي في النص ونص الذاكرة"* (2023)، وهو الكتاب الذي أتاح للقارئ أن يلامس عوالمه النقدية، وأسلوبه الذي يجمع التحليل الرصين بروح القاص المتأمل.
الناقد عبد الجبار عباس كان من أوائل من التفتوا إلى الحيدري، فكتب عنه، كما ترجمه الدكتور صباح نوري المرزوق، واحتفى به د. عبد الرضا عوض في أدباء وكتاب بابل المعاصرون، ودرسه د. سعد الحداد في أنطولوجيا القصة. وهو ما يعكس أثر هذا الاسم في المشهد الثقافي، خصوصًا في بابل، المدينة التي احتضنته عضوا فاعلاً في اتحاد أدباءها، وناشطًا في منتدياتها الثقافية.
لكن الحيدري لم يكن قاصًا تقليديًا ولا ناقدًا منغلقًا في معايير المدرسة، بل حمل حسًّا مغايرًا في مقارباته، حتى في أكثر الأمور التي يعدّها بعض النقاد هامشية، كما فعل في مقالته اللافتة عن "الإهداء بوصفه نصًا"، حيث استطاع أن يعيد رسم العلاقة بين الإهداء والنص الأدبي، راسمًا أفقًا جديدًا في التأويل.
يكتب الحيدري:
"ثمة إهداء مباشر لا يدعو إلى التأمل، وهناك إهداء آخر يصاغ بعناية، يصدم القارئ ويشحذ طاقته إلى التأويل... قد يساعد الإهداء القارئ على فهم الشفرات المراد إيصالها بيسر وبلّا عناء."
وفي هذا المسعى، لا يُحلل الحيدري نص الإهداء كمجرد تقدير معنوي أو تحية شخصية، بل يراه بوصفه "عتبة ثانية" لا تقل أهمية عن العنوان، بل قد تفتح مغاليق النص، أو تلمّح إلى مكنونات الذات الكاتبة. ولعل تأملاته في إهداء الشاعر عباس مزهر السلامي:
وحين يعرض إهداء فلاح رحيم لصديقه الشهيد كامل شياع:
"إلى الصديق كامل شياع / الذي عاد من المنفى لأنه قرر ألا يموت"، يمنح الحيدري الكلمات حياة أخرى، فيراها "تجليًا" ينتشل الاسم من النسيان، ويحوّله إلى نبض جديد لا يموت، لأن الكاتب أراد له البقاء.
في هذا المسار، تبدو كتابات الحيدري النقدية أقرب إلى العزف المنفرد، لا لأنّها نشاز، بل لأنها تبحث في الهامش عن متن، وفي الغفلة عن البصيرة. يلتقط إشارات صامتة، ويحوّلها إلى ضجيج فكر، يتناول التفاصيل كما يتناول الشاعر قصيدته الأولى، بوله ورهبة معًا.
ولئن كان بعض النقاد يتتبع النصوص في بنيتها الظاهرة، فإن الحيدري يلجها من فجواتها الخفية، يربط الشكل بالمضمون، ويضيء "المسكوت عنه" في ثنايا العبارات. وربما يمكننا القول إن الحيدري في نقده كقاصه: لا يركن إلى السرد الخطي، بل يفضل الانزياح والتكثيف، حيث الكلمة تستبطن فكرة، والفكرة تلمّح إلى نصوص أخرى، في حوار طويل لا مع القارئ فحسب، بل مع الأدب نفسه.
يبقى صبري الحيدري قاصًا لم تغوِه الأضواء، وناقدًا لم يستسلم لسلطة المعايير، بل صنع له ضوءًا من حبره، ومجهرًا من تأمله، يقرأ الإهداء كما لو كان رواية، والعنوان كما لو كان مرآة نصّ خفي. وفي زمن يركض فيه كثيرون خلف اللحظة العابرة، اختار الحيدري أن يمشي على مهل، أن يكتب بهدوء، وأن يقول كلمته، لا بوصفه شاهدًا على الأدب، بل صانعًا في صمته لما هو أبقى من الضجيج.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...


المزيد.....




- متى أصدر ترامب أمره النهائي بضرب إيران؟ مسؤول بالبيت الأبيض ...
- -عدوان همجي-.. بيان لحزب الله بعد ضربات أمريكا على حليفته إي ...
- رئيس إسرائيل لـCNN: لم نجر أمريكا إلى الحرب.. بل اختارتها لم ...
- فيديو متداول للقصف الأمريكي على منشآت إيران النووية.. هذه حق ...
- بعد الضربة الأمريكية.. علي شمخاني مسشار مرشد إيران: -اللعبة ...
- لقطات قبل وبعد.. صور أقمار صناعية تظهر دمار منشآت إيران النو ...
- في ظل أزمات الرئاسة والمحاكمات.. البرازيل تشتعل بسبب دمى -ال ...
- عشرات الضحايا في تفجير انتحاري نسب لـ-داعش- داخل كنيسة في دم ...
- سيناريوهات تدخل حزب الله بعد الضربة الأميركية على إيران
- دول عربية تعرب عن قلقها بعد الضربات الأميركية على إيران


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص