أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها














المزيد.....

الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 11:00
المحور: سيرة ذاتية
    


لم يكن الدكتور صباح نوري المرزوك مجرد باحث أكاديمي، بل كان شجرةً ضاربة الجذور في تراب الحلة، مورقةً على صفحات تاريخها وأدبها، تنبض أوراقها بسِيَر أعلامها، وتفوح أغصانها بعبير الحرف المشرَب بحب الأرض والناس واللغة.
وُلد في منطقة جبران وسط مدينة الحلة، في الثامن والعشرين من حزيران عام 1951، وعيناه تتفتحان على بيئة تنضح بالتاريخ والجمال. بدأ مسيرته التعليمية في الكتاتيب، ليشق بعدها طريقه في المدارس النظامية بين الفيحاء ومتوسطة بابل وإعدادية الحلة، حتى حط رحاله في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية ببغداد عام 1968.
منذ أيامه الأولى، بدا أن هذا الفتى لا ينتمي لعصره وحده، بل يحمل توقًا دفينًا لاستنطاق الماضي والكتابة عنه. فغادر الوطن إلى القاهرة لينال الماجستير من جامعة عين شمس، ثم ارتحل إلى أنقرة، حيث أحرز شهادة الدكتوراه سنة 1989، في رحلة علمية تشبه رحلات الروّاد الباحثين عن كنوز المعرفة في المناجم القديمة.
عاد إلى وطنه محمّلًا بعطش العلم، فدرّس في جامعات العراق، ثم أعير للتدريس في ليبيا لعام دراسي، قبل أن يعود ويكمل مسيرته في جامعة بابل، متقلدًا منصب مدير "مركز وثائق ودراسات الحلة" بين عامي 2001 و2003. وهناك، كان أشبه بالمؤرخ الشاهد، والراوي الحيي، يلتقط تفاصيل المدينة وأصواتها من الأزقة والمجالس والكتب المنسية.
نال الأستاذية في عام 2006، ولم يغادر محراب العلم حتى لحظة رحيله. وفي العام الدراسي 2009–2010 أتيح له أن يعود إلى أنقرة أستاذًا زائرًا، كأنما عاد إلى أرض تاريخه العلمي ليجدد العهد بالقلم والبحث.
كان المرزوك ذا نفسٍ رحبة، لا يعرف التكلّف ولا الغرور، شديد الوفاء للحرف وأهله، حاضرًا في مؤتمرات العراق الثقافية الكبرى، من المربد إلى مهرجانات السياب والمتنبي وجواهريون. تجاوزت مشاركاته المئة ندوة ومؤتمر، محاضرًا ومناقشًا وراصدًا، يشهد له بذلك زملاؤه وطلابه ومحبوه. وقد أشرف وناقش عشرات الرسائل والأطاريح، وقيّم البحوث، وأجازها للنشر، وقوّمها لغويًا، فكان مدرسة تمشي على قدمين، تحمل في قلبها همّ العراق، وفي يدها مشعل الذاكرة.
أما مؤلفاته، فهي شواهد لا تكذب، بل تشهد له بأنه من أعظم من أرّخوا للأدب الحلي والذاكرة العراقية، إذ تجاوزت كتبه الخمسين، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
"تاريخ الحركة الأدبية في الحلة 1900–1973"، و"مؤلفات الحليين المخطوطة"، و"تاريخ الصحافة الحلية"، وهي أعمال تؤرّخ لوجدان مدينة بأكملها.
"معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970–2000" (ج1–9)، عمل موسوعي قل نظيره في التوثيق.
سلسلة "أعلام حليون" التي وصلت إلى اثني عشر جزءًا، تناول فيها سِيَرًا مشرقة منسية.
أعمال أدبية ونقدية متنوعة مثل: "نازك الملائكة في المصادر"، و"جميل بن معمر"، و"خليل مطران"، و"النجف في الشعر العربي"، و"الأدب الأموي"، و"أصدقاء في الذاكرة"، وغيرها كثير.
كتب في الفولكلور واللغة والبيئة الثقافية الحلية مثل: "معجم الأمثال الحلية"، و"معجم الأقوال والتعابير"، و"حليّات"، و"ما قاله الشعراء في الحلة الفيحاء".
ترك خلفه مخطوطات كثيرة ما زالت تنتظر النشر، منها دراسات عن "فنانو العراق المعاصرون"، و"تاريخ كرة القدم في الحلة"، و"مؤلفات المعلمين العراقيين"، و"دليل المؤلفين الحليين"، و"المستدرك على معجم المؤلفين"، وغيرها.
كان عضوًا في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين والعرب، وعضوًا في جمعية الرواد الثقافية المستقلة، وشارك في النشاطات الثقافية والفكرية بمختلف أشكالها، من البيت الثقافي البابلي، إلى الجامعات، إلى المجالس الشعبية، حاضرًا لا يغيب، ومتواضعًا لا يعلو صوته على صوت المعرفة.
لكن الرحيل كان مباغتًا. ففي مساء الأربعاء 15 كانون الثاني 2014، وبين الحلة وبغداد، بعد مناقشة رسالة ماجستير بكلية اللغات، اصطدمت الأيام بعمره المتعب، وسقط الجسد، فيما ظل العقل يكتب فصوله الأخيرة. وفي صباح الجمعة، رحل، وشيعته الحلة في موكب مهيب، إلى وادي السلام في النجف الأشرف.
ولم ينطفئ الضوء برحيله، بل استحال إلى شُعلة استذكار، فأقامت له المؤسسات الثقافية العشرات من الفعاليات التأبينية، امتدت شهورًا وسنوات، من بابل إلى كربلاء، ومن اتحاد الأدباء إلى البيت الثقافي، ومن جمعية الرواد إلى جامعة بابل، حتى سُميت دورات انتخابية كاملة باسمه تخليدًا لعطائه.
إنّ الدكتور صباح نوري المرزوك ليس اسمًا يُذكر في قائمة الأكاديميين، بل فصلٌ قائم بذاته في كتاب العراق الثقافي، فصل كُتب بالحبر والعرق والدمع، وارتقى بالحلة إلى مراتب المدن التي تفتخر بأبنائها لا لأنهم عاشوا فيها، بل لأنهم كتبوها كما لم يفعل أحد.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...


المزيد.....




- أخذ -منعطفًا خاطئًا-.. سيارة رجل مسن تعلق على السلالم الإسبا ...
- الموقف من -اغتيال خامنئي وقلب نظام إيران-.. الكرملين يعلق بر ...
- طاقم CNN يرصد نشاطًا جويًا متزايدًا في سماء طهران.. شاهد ما ...
- عشرات القتلى في غزة جراء الغارات الإسرائيلية الأخيرة
- تحديث مباشر.. نتائج ضربة إيران بإسرائيل وتصريح جديد لنتنياهو ...
- أثناء استعراض مراسل CNN لأضرار هجوم إيراني على الهواء.. سقوط ...
- ما هو الدور المحتمل لبريطانيا إذا انخرطت واشنطن في الصراع ال ...
- موقف ألمانيا من نزاع إسرائيل وإيران في ضوء القانون الدولي!
- بيسكوف: الحديث عن اغتيال خامنئي أمر غير مقبول
- نهاية العالم بين -أم الحروب وأم أمهات القنابل-!


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها