أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات














المزيد.....

الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 22:14
المحور: سيرة ذاتية
    


في سِفر الزمان، حيث تلتقي الشواهد بالحروف، واللقى بالأفكار، يبرز اسم الدكتور سامي سعيد الأحمد كواحد من أولئك الذين نذروا العمر ليُنطقوا الحجر، ويبعثوا من رماد العصور شمس حضاراتٍ أبت أن تندثر. هو ابن الحلة، مدينة الفرات والظل الوارف، المولود سنة 1930، من ماءها الطيب نهل، ومن ترابها الطيني تشكلت ملامح شغفه الأول، حين كانت أروقة المدارس تهمس له بحكايات سومر وأكد وبابل وآشور.
لم يكن التاريخ لديه سردًا ماضويًا جامدًا، بل كان كائنًا حيًّا، يتنفس بين سطور الرقم الطينية، ويحكي للناس سرّ نشأتهم، وأصل حكايتهم. ومنذ خطوته الأولى في دار المعلمين العالية ببغداد، لاح منه ضياء اجتذب أساتذته، وكان طه باقر، شيخ الآثاريين العراقيين، من أوائل من أدركوا هذا النبوغ، فأشار بابتعاثه إلى أمريكا، وهناك، في جامعات شيكاغو وميشيغان، تشكّلت ملامح العالِم، واشتدت عُروقه الفكرية، وانفتحت أمامه أبواب العالم الأكاديمي الرحب.
لم تكن الغربة حاجزًا، بل كانت مِرقاةً لصوت عراقي أصيل، راح يدوّي بلغات العالم، يحكي عن وطن كان مهد الكتابة والمدينة والقانون. نشر في الدوريات العالمية، وكتب في مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، وأوصاه المؤرخ الكبير أرنولد توينبي بأن يكتب عن الشبك والإيزيدية، فكان في كلماته ضوء على الهامش المنسي، وتوثيق لما خفي على أنظار المؤرخين الكبار.
حين عاد إلى بغداد سنة 1967، لم يعد كما خرج، بل عاد وهو يحمل بين كتفيه مكتبة كاملة من المعارف، فانبرى في قسم التاريخ بجامعة بغداد، لا يُدرّس فحسب، بل يُنير، لا يُلقي محاضرة، بل يفتح بوابة على زمن ضائع، ويشعل في النفوس توقًا لمعرفة الذات عبر مرايا الزمن الغابر.
عشرات المؤلفات، بل المجلدات، أودعها في المكتبة العربية والعالمية، تنوعت بين موسوعات ومداخل وكتب تحليلية في حضارات العراق والشرق الأدنى القديم، اليهودية، المعتقدات، الأساطير، قوانين العراق القديم، اللغة، الأدب، وحتى الأحلام التي راودت الأوائل. ترجم، وحرر، وشارك، وبحث، حتى بدا كأنه يحمل خريطة الزمن في عقله، ومفتاح التاريخ في قلمه.
كانت رؤيته للتاريخ رؤية شاملة، لا تفصل بين النص والأسطورة، بين الطين والفكر، بين الدين والقانون. لم يكن يهوى التأريخ المجرد، بل يفتش في الدلالات، ويفكك الرموز، ويُعيد قراءة الوقائع في ضوء العقل النقدي والوجدان المعرفي.

في أبحاثه، لا تجد استعراضًا للأحداث بقدر ما تجد تأملاً عميقًا في منطقها، ونبشًا حاذقًا في خلفياتها، وكأنّه لا يكتفي بأن يعرف ما حدث، بل يسأل: لماذا؟ وكيف؟ وما الذي تركه لنا من أثرٍ في حاضرنا؟
كان يؤمن أن ماضينا ليس حطامًا جميلاً نتغنّى به، بل هو نواة فهمنا لذاتنا. لذا، كانت مؤلفاته تضرب في عمق الهوية، وتنتصر للعراق كحضارة لا كجغرافيا، وكإنسان لا كسلطة. وبين أروقة الجامعات، وصمت المخطوطات، وضجيج المؤتمرات الدولية، ظل الدكتور سامي سعيد الأحمد صوتًا عراقيًا نقيًا، يُذّكر العالم بأن على هذه الأرض، وفي باطنها، ما يستحق أن يُروى للعالمين.
رحل، لكن أثره باقٍ، في طلبته، وفي كتبه، وفي كل باحث يفتح سفر التاريخ القديم ليجد توقيعه هناك، ثابتًا كالنقش السومري، وعميقًا كنداء الآشوريين، وأبديًا كالعراق الذي أحبه حد التفاني.
هكذا كان سامي سعيد الأحمد: رجلٌ إذا قرأته، شعرت أن العراق ينظر إليك من عينيه، ويتحدث بلسانه، ويمتد بجذوره في كل سطر من سطور المعرفة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية


المزيد.....




- ترامب يعلن شن غارات جوية على 3 مواقع نووية في إيران
- إيكونوميست: لحظة انفجار الحقيقة لإيران وإسرائيل
- إسرائيل تقتل ظل نصر الله بإيران: تصفية رمزية أم بداية مرحلة؟ ...
- سر المهلة والقنبلة الخارقة.. لماذا أجل ترامب قرار ضرب إيران؟ ...
- ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا
- خبير عسكري: تحصينات ديمونة قديمة واستهدافه سيطول هذه المناطق ...
- عاجل| وسائل إعلام إيرانية: دوي انفجارات في شرق #طهران ومدينة ...
- ملك البحرين يتلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري
- تعود للقرن الرابع قبل الميلاد.. اكتشاف بقايا -إيمت- المصرية ...
- إسرائيل تعلن إحباط هجوم إيراني على رعاياها في قبرص


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات