أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة














المزيد.....

علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 11:23
المحور: سيرة ذاتية
    


حين يذكر النقادُ الكبارُ الذين وهبوا أعمارهم للنقد الأدبي، يتقدّم اسم الدكتور علي جواد الطاهر شامخًا، كقامة علمية وأدبية ظلت تمشي على خيط الدقة المتوهج بين الماضي المجلل بالمآثر، والحاضر المكتظ بالأسئلة. لم يكن الطاهر مجرد ناقدٍ، بل كان قارئًا استثنائيًا يُنصت للنصوص كما يُنصت العارف إلى الوحي؛ يضع يده على نبض الكلمة، وينبش في أعماقها حتى يكشف عن أسرارها المضمَرة.
وُلد هذا العلامة في مدينة الحلة سنة 1919، في بيتٍ تنفست جدرانه عبق الأدب، وسرى في أوصاله صوت الشعر والنثر، فشبّ عليًّا بين دفاتر الحكايا وأصداء المجالس الأدبية. ومنذ نعومة أظفاره، راح يلتهم الكتب بنهم العاشق، كأنّ الحروف كانت توقظ فيه شيئًا غائرًا في الأعماق، وتعده لرحلة علمية طويلة لن تنتهي إلّا بترك أثره في ذاكرة النقد العربي.
تابع دراسته في بغداد، ثم مضى إلى باريس، حاملاً شغفه باللغة وهمّه النقدي، ليعود بشهادة دكتوراه من السوربون، ومعها نَفَسٌ جديد في قراءة الأدب العربي من زاوية لم تكن مألوفة آنذاك. تأثر بالمدارس الغربية، لكنه لم يكن تابعًا لها، بل عاد ليمزج تلك الرؤى الحديثة بتراث عربيّ عريق، فخرج بمنهج نقدي خاص به، متينٍ كالبنيان، واضحٍ كالضوء.
في جامعة بغداد، حيث مارس التدريس، لم يكن علي جواد الطاهر محاضرًا فحسب، بل كان مرشدًا ومفكرًا ومربّيًا. كان يؤمن أن النقد لا يزدهر إلا في بيئة تعشق الأسئلة وتخاف الجواب السهل. أشرف على العديد من الرسائل الجامعية، وغرس في طلابه احترام النص، لا تقديسه، وتقدير الكاتب، لا التغاضي عن عثراته. وكان في حديثه مع طلابه حازمًا في المبدأ، لينًا في الحوار، واسع الاطلاع، سريع البديهة.
منهجه النقدي متوازن، لا يجور على القديم، ولا يُفتن بكل جديد. كان يقرأ النص بوصفه وثيقة ثقافية واجتماعية وتاريخية، لا مجرد تمرين لغوي. في مؤلفاته مثل "دراسات نقدية"، نرى عالِمًا يحلّل بمنطق، وأديبًا يتذوّق بجمال. تناول الشعر الجاهلي، وانفتح على الأدب العباسي، وغاص في بحور الأدب الحديث، مستخرجًا لآلئه، كاشفًا علله ومحاسنه، دون تكلّف أو تهويل.
كان قلمه في المقالات أشبه بمِبضع الجراح، لا يخشى أن يُشير إلى مواطن الضعف، ولا يتردد في الإشادة حيثما وجد الإبداع. نقده لم يكن خصومة، بل حوارًا مع النص، وكان يرى أن الأديب الكبير لا يخاف النقد، بل يحتاجه لينمو ويتطور.
كتب كثيرًا، ترجم، وحقّق، وجمع دواوين، وترك لنا مكتبةً أدبية زاخرة، تبدأ بـ "الشعر العربي في العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقي"، ولا تنتهي عند "من يفرك الصدأ" أو "الباب الضيق". في كل عمل، نلمح شخصية مثقفة ذات ذائقة عالية، وحرص أكاديمي صارم، وأسلوب فني لا يخلو من الأناقة.
آراء النقاد فيه جاءت معبّرة عن مكانته الرفيعة؛ وصفه كثيرون بأنه حجر الزاوية في النقد الأدبي العراقي الحديث، وأنه جسّد مرحلة الانتقال من النقد الانطباعي إلى النقد المنهجي الواعي. وقد أجمعت شهادات تلامذته وزملائه على أنه كان موسوعي الثقافة، شديد التواضع، لا يغريه المنصب، ولا يتكئ على الشهرة.
بعد وفاته عام 1996، لم يُطوَ اسمه بين صفحات التاريخ، بل ظلّ حيًا في عقول الباحثين، وعلى ألسنة الأدباء، وفي مناهج الجامعات. وما تزال كتبه تُقرأ، وتُناقش، وتُلهم، وتدفع بأجيال جديدة نحو عمق الفكر وجمال التحليل.
إن الحديث عن الدكتور علي جواد الطاهر لا يمكن اختزاله في سطور، فهو واحد من أولئك القلائل الذين ساروا بين الكلمات كما يسير العارف بين مقامات العارفين. جمع بين فضيلة التأصيل وجرأة التجديد، فكان ناقدًا لا ينتمي إلى زمن واحد، بل هو شاهد حي على أطوار التحول في الأدب العربي، ومعلّم لا ينتهي درسه.
في النهاية، نقف أمام إرثه لا لنرثيه، بل لنستمد منه ضياءً يُعيننا على قراءة الأدب بعيون لا تغفل، وبعقل لا يفرّ من التأمل، وبقلب يؤمن أن الكلمة الحق لا تموت.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى


المزيد.....




- واشنطن بوست: الاستخبارات اخترقت اتصالات بين مسؤولين إيرانيين ...
- مخاوف دولية حول مصير السجناء الأجانب.. إيران تعترف بمقتل 71 ...
- القضاء التركي على موعد مع قرار حاسم: هل يطيح بزعيم المعارضة؟ ...
- نتنياهو: -النصر- على إيران يوفر -فرصا- للإفراج عن الرهائن في ...
- من أجل سوسيولوجيا معادية للصهوينة
- مستشار كوفي أنان: إدارة ترامب تفكك الحكومة الفدرالية وتقوض ا ...
- رئيس صربيا يرفض الرضوخ لمظاهرات المعارضة
- غسان سلامة: الشعوب العربية تخاذلت عن نصرة غزة
- التحقيق بتحطم الطائرة الهندية يطرح جميع الفرضيات
- تسريب جديد يقلل من أضرار البرنامج النووي الإيراني


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة