أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم














المزيد.....

إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 16:48
المحور: سيرة ذاتية
    


في مشهد الشعر العراقي، حيثُ تتقاطعُ الريحُ بترابِ المدنِ المنسية، وتتهادى الكلماتُ على ضفافِ الحروبِ والحنين، يطلُّ الشاعرُ إبراهيم داود كاظم الجنابي، كصوتٍ يحملُ نبرةَ المدن الصغيرة، ووجعَ البلادِ كلها، شاعراً وناقداً وساردًا ومسرحيًا، نسجَ حكايتَهُ الخاصةَ بخيوطٍ من توهجٍ ومعاناة، وكأنه أحد أولئك الحالمين الذين يشعلون قناديلَهم في ليلِ الأدب العراقي، لئلا ينطفئ المعنى في زمن العتمة.
ولد الجنابي في بغداد سنة 1958، لكنه ما لبث أن حملَ جغرافيا الروحِ إلى ناحية الإسكندرية، التي ظلت حجرَ الزاويةِ في مشروعه الثقافي، وفيها غرسَ كلمتَه وشرعَ في بناء ما يشبهُ المنبر الثقافي البديل، حين ساهم في تأسيس منتدى الأدباء والكتاب هناك وترأسه لدورتين، وفي زمن الجفاف الأدبي، أطلق مع رفاقه مجلة الإشراق، في محاولةٍ لأن يكون الحرفُ بيتًا، والصفحةُ وطنًا.
لم يكن الجنابي شاعرًا فحسب، بل حمل تعدديةَ النصّ في دمه؛ كتب القصة والمسرحية والنقد، ونشر الكثير من نصوصه في الصحف والمجلات، مشاركًا فعّالًا في المهرجانات الثقافية من المربد إلى الجواهري، ومن المتنبي إلى الكميت، وكأنه كان يؤمن أن الشعرَ ليس عزلةً، بل فعلُ حضور.
في مجموعته الشعرية "أخاديد" (1999) بدا الجنابي ممسكًا بعصب اللغة، حافرًا في الذاكرة الشعبية والوجدانية، ليكشف عن نبرةٍ شعريةٍ تمتزجُ فيها الجرأة بالتأمل، والجرحُ بالحكمة. أما في "أجدفُ بأقصى ما تبقى من يدي" (2015)، فقد قدّم صوتًا أكثر نضجًا، وقلقًا أكثر صفاء، تتراءى فيه الذاتُ العراقيةُ وسطَ ركام الزمن، حائرةً في فضاءٍ يعجُّ بالفقد، لكنه لا يخلو من رجاءٍ داخلي.
ولأن اللونَ عند الجنابي ليس مجرد بعدٍ بصري، بل أداةُ تعبيرٍ ومجازٍ وجودي، فقد أصدر كتابًا نقديًا بعنوان أثر اللون في المشهد الإبداعي المعاصر (2018)، وضع فيه خبرتهُ النقدية في تفكيكِ العلاقة بين التشكيل والأدب، فكان كما يقول بعض النقاد: ناقدًا يقرأ بعين الشاعر، وشاعرًا يتأمل بعين الناقد.
نقده الأدبي، كما لاحظه المهتمون، لا يركن إلى تقنيات جامدة، بل يستند إلى شعورٍ حيّ بالنص، وإلى خبرة ميدانية في تلمّس خصوصية الأجيال الشعرية الجديدة. ولعل مشاركاته في لجان التحكيم، وظهوره كمعد برامج تلفزيونية، تؤكد تعدد وجوهه الإبداعية، وقدرته على المزج بين العمق الفني والممارسة الثقافية اليومية.
رأى فيه النقاد شاعرًا لا ينحاز للحداثة المفتعلة، ولا يتكئ على التقليد الساكن، بل يمضي في دربٍ خاص، يُفعِّل فيه الصورة، ويُحضِرُ فيه الغائب من رموز الطفولة والهوية والذاكرة الجمعية. وهو في هذا يتقاطع مع التجارب التي تؤمن بأن الشعر لا يكتمل إلا حين يكون صدىً لما لا يُقال، وأن الجمال لا يُولد إلا من رحم المعاناة.
لم تذهب مسرحية "ثكنات ثلجية"، التي حازت المركز الثاني في مسابقة "عالم سبيط النيلي"، بعيدًا عن هذا المنحى، بل أكدت نزوعه نحو المسرح كمرآة فلسفية، وصراع داخلي تتصارع فيه الفكرة والرمز والواقع. أما نصه "أركيلة الصبر"، الفائز بجائزة مركز النور، فقد كشف عن مفارقة لغوية وسردية عالية، وعن شاعرٍ لا يتوقف عن التجريب.
وإذ ترأس تحرير صحيفة "الإسكندرية 21"، التي توقفت لاحقًا لغياب التمويل، فقد سجّل الجنابي تجربةً نادرة في الجمع بين الإبداع والعمل الثقافي المؤسسي، مؤكدًا أن الشاعر الحقيقي لا يكتفي بكتابة القصيدة، بل يسهم في بناء بيئةٍ حاضنة لها.
لقد استطاع إبراهيم الجنابي أن يظلَّ، على الرغم من كثرة التحولات وتبدّل الأمزجة الثقافية، صوته الخاص الذي لا يشبه غيره. كتب بنبرةٍ تخلو من الادعاء، وبشغفٍ يسيل على الورق مثل نهرٍ يعرف مجراه. ولذلك، فإن من يقرأه، لا يبحث فقط عن قصيدة، بل عن حياةٍ كاملةٍ تختبئُ بين الكلمات.
من شعره قصيدة (في السابع من صمتي) التي تنتمي إلى نمط الشعر الحر وتستبطن مشاعر الانكسار والخذلان والاغتراب النفسي، بلغة رمزية عالية التكثيف. تبدأ بإشارة زمنية غامضة: "في السابع من صمتي"، لتدل على مرحلة زمنية شخصية لا تقويمية، توحي بالاحتباس الداخلي أو النضج الوجداني بعد سلسلة صمت مؤلم.
تتمحور القصيدة حول خيبة أمل عميقة، ومحاولة الشاعر التماهي مع الفقد والنهاية، عبر خطاب داخلي موجه إلى الذات أو إلى "الآخر العاق"، الذي قد يكون رمزًا لخذلان شخصي أو جمعي. وتغلب عليها الرمزية والتجريد، فـ"رتاج أغنيتي"، و"قافلة بلا رتوش"، و"أوراقي الثملة"، و"قميص بلا أزرار"، كلها صور شعرية مشحونة بالإيحاءات النفسية والوجودية، وتُظهر الشاعر في حالة من التعرّي العاطفي والمكاشفة الحزينة. وهناك ميل نحو العبثية واليأس من إمكانية "الرتق" أو الترميم، إذ يقول: "وأعانق الوجود على لائحة الانتهاء"، وكأن الشاعر يختار النهاية عناقًا بدل المقاومة. كذلك تُبرز القصيدة مفارقة بارعة بين الرغبة في التجاوز ("كن... وانفخ... وارزم") وبين التسليم للنهاية والضياع ("تلك مقبرة النسيان"، "ولا يومك بلا انتهاء").
ويمتزج السرد الذاتي بالتوجّه إلى "الآخر" في ثنائية "أنا/هو" تعكس صراعًا داخليًا ومرارة من خذلان متكرر. وباختصار، القصيدة مرآة لذات منكوبة، تحاول أن تكتب عن ألمها بلغة تتوسل الجمال رغم القبح، والإيقاع رغم الفوضى.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل


المزيد.....




- التعرّق في المطارات قد يُطلق أجهزة الإنذار الأمنية.. تعرّف إ ...
- -مملة للغاية-.. شاهد رد فعل ترامب حول سبب اهتمام الناس بقضية ...
- ترامب يعلن عن استثمارات ضخمة لدعم الذكاء الاصطناعي والطاقة ف ...
- ما صواريخ جاسم؟ وهل سيرسلها ترامب إلى أوكرانيا؟
- بعد تصريحات ترامب والسيسي.. هل يشهد ملف -سد النهضة- انفراجة؟ ...
- القناة 13 الإسرائيلية تكشف -مسودة اتفاق غزة- الجديد والمؤقت ...
- رئيس إنفيديا: الذكاء الاصطناعي الصيني -محفز للتقدم العالمي- ...
- روسيا تدمر 8 مسيرات أوكرانية وتقصف مدنا أوكرانية بالمسيرات
- إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية بسبب تهريب مليوني لتر من الوقود ...
- سوريا.. تعبير السعودية عن -ارتياحها- وتعليق وئام وهاب يثير ت ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم