أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين














المزيد.....

شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 10:41
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بمناسبة عيد الصحافة الشيوعية

ليس من السهل أن تتحدث عن شمران الياسري، أو "أبو كاطع"، دون أن ترتجف نبرتك بين حنينٍ وألم، أو أن ينعقد قلبك بين ضحكةٍ ساخرة ودمعةٍ مختنقة. فهذا الرجل، القادم من بلدة "محيرجة" جنوب الكوت، لم يكن مجرد قاص أو صحافي، بل كان ظاهرة ثقافية وسياسية، تمشي على قدمين وتُسمع صداها في الريف والمدن، في الأزقة والمقاهي، وفي سطور الصحف وصفحات التاريخ القريب.
ولد عام 1926، ولم تكن حياته منذ الطفولة سوى تمهيدٍ لحكاية فلاحٍ قرر أن يسرد ما رأى وما سمع وما اكتوى به. حمل قلمه كما يحمل الفلاح منجله، لا ليحصد السنابل، بل ليحصد الزيف والادّعاء، وليغرس بذور الحقيقة في أرضٍ مغمورةٍ بالطين والدم.
اشتهر أبو كاطع برباعيته الروائية: الزناد، بلابوش دنيا، غنم الشيوخ، وفلوس حميد، التي كتبها في سراديب التخفي، وهو يطارد الحلم من قريةٍ إلى أخرى، متنكرًا باسم "حسن"، لكن اسمه الحقيقي ظل يتردد على ألسنة الناس كأنه طيفٌ لا يُقيد. تلك الروايات لم تكن مجرد سردٍ لأحداث الريف العراقي، بل كانت مرآةً كاشفة لتناقضات مجتمعٍ يتحرك ببطء بين إقطاعٍ غاشم ووعدٍ بالتحرر لم يكتمل. كانت الرواية عنده وسيلة مقاومة، كما كانت الصحافة عنده فعل فضح ومواجهة.
ولعل أشهر ما تركه للناس هو صوته الإذاعي في برنامجه الخالد: احچيها بصراحة يا أبو كاطع. ما إن تبدأ نبرته حتى تتدفق الحياة من مذياع قديم في بيت طيني أو تحت شجرة في ساحة قرية نائية. كان يلقي كلماته بحسٍّ عميقٍ من المرارة والتهكم، وقدرةٍ فريدةٍ على تحويل المعاناة إلى حكاية، والسخرية إلى سلاح. كان صوته صدى لصوت الفلاح، وهمّه همّ الفقير، وضحكته المختنقة صرخةً في وجه الظلم.
لم يكن أبو كاطع مجرد كاتب ساخر، بل كان كاتبًا حزينا، كما وصفه أحد الكتاب: كان حزنه نابعا من وعيٍ حاد، وإدراكٍ عميق بأن التغيير الذي ناضل من أجله قد انحرف عن مساره، وأن الثورة التي حلم بها أُفرغت من مضمونها، وأن الفلاح الذي كتب عنه قد استُبدل حلمه بكوابيس لم تنتهِ.
من صحيفة صوت الفلاح السرية، التي أصدرها عام 1953 مع أربعة فلاحين ومهندس زراعي، إلى طريق الشعب والتآخي والثقافة الجديدة، ظل أبو كاطع وفياً لقضيته: الدفاع عن الإنسان البسيط، عن الريف المهمّش، عن الوطن الذي سُرق من فقرائه باسم التحرير والتقدم.
كان عموده الصحفي بصراحة أبو كاطع مشهدًا أسبوعيًا يتوق إليه القرّاء، ليس لحكاياته الساخرة فحسب، بل لصدقه العاري، ولأنهم كانوا يرون فيه ما لا يستطيعون قوله. لم يكن يكتب للترف أو للمديح، بل كان يكتب ليُحذّر، ليُعري، ليتحدى. وكان خصومه في السلطة يقرؤونه لا حبًّا، بل خوفًا، ليقيسوا درجة الغليان في الشارع، ومواضع الخلل في خطبهم المنمقة.
ولعل الشخصية التي التصقت به حتى كادت تكون جزءاً من اسمه، هي خلف الدواح، الفلاح الطيب الذي يتحول في رواياته إلى مرآة للواقع، ومقلاع يُقذف به الإقطاع والفساد في آنٍ معًا. لم يكن خلف مجرد بطل روائي، بل هو ظل أبو كاطع، هو روحه الممتدة، لسانه الآخر، وحنينه الأبدي إلى الطين والماء والحصاد.
لم يهدأ أبو كاطع، ولم يتعب من الحلم، حتى حين نُفي إلى الخارج عام 1977. أخذ معه مشاريعَ مؤجلة، من بينها قضية حمزة الخلف، التي نُشرت بعد وفاته، ومشروع القاموس الريفي الذي لم يكتمل، لكنه ظل شاهداً على رغبته العارمة في توثيق تراث الناس، لا تراث الملوك.
وفي السابع عشر من آب عام 1981، انتهت الرحلة فجأة، بحادث سير غادر، وهو في طريقه إلى كردستان العراق، ماراً بهنغاريا. مات وهو يسعى لإطلاق صوته من جديد عبر إذاعة المعارضة العراقية، لكن موته لم يكن النهاية، بل بداية فصلٍ آخر من الأسطورة.
عاد اسمه يتردد في المحافل، وبين أروقة شارع المتنبي، وفي كتب أبنائه وتلامذته ومحبيه. كتب عنه نجله إحسان النهر الرابع في العراق، وكأن العراق لم يكن يكتفي بفراته ودجلته وشط العرب، فكان أبو كاطع هو النهر الرابع: نهر السخرية، نهر الحكايات، نهر الحقيقة المغسولة بالوجع والضحكة المرّة.
لقد جمع شمران الياسري بين نبوءة القاص، وحكمة الفلاح، ودهاء الصحفي، وجرأة المناضل. لم يكن محض شاهدٍ على زمنه، بل كان أحد صُنّاعه، الذين كتبوا بدم القلب والضمير. وفي حضرة أبو كاطع، لا يُسأل المرء: هل تضحك أم تبكي؟ بل يُسأل: هل لديك الجرأة أن تحكي الحقيقة كما هي؟ احچيها بصراحة يا بو كاطع... لقد صدحت بها، فخلّدك الصوت.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...


المزيد.....




- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- ترکيا.. ماذا بعد إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح؟
- إسبانيا: قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة ...
- كلميم: وقفة احتجاجية انذارية أمام مقر المكتب الوطني الإستشار ...
- العفو الدولية تنتقد دعوة رئيس كينيا لإطلاق النار على المتظاه ...
- ايران وإسرائيل، ماذا بعد الحرب؟
- بصدد الموقف تجاه الحرب والهدنة في حرب إسرائيل وأمريكا على ا ...
- تضامنا مع الشعوب المناضلة ضد الحرب والاستعمار والديكتاتورية! ...
- بناء حركة عالمية ضد الإبادة الجماعية في فلسطين
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تجدد إدانتنا الق ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين