أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي انكسر بصمت














المزيد.....

المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي انكسر بصمت


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 13:01
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في مدينة الحلة، حيث ينبت الورد على ضفاف الفرات وتفوح من الأزقة رائحة الطيبة والنخوة، وُلد الشهيد المقدم إبراهيم كاظم الموسوي سنة 1924، في بيتٍ عريق النسب، متواضع الحال، مشبع بالقيم والوفاء. لم تكن ولادته حدثًا عابرًا، بل انبثاق نواةٍ لضميرٍ حيٍّ سيحمل على كتفيه همّ وطنه، وينذر حياته من أجل شعبه.
أكمل دراسته الأولى في مدينته، ثم انطلق نحو الكلية العسكرية، حيث التحق بالدورة (24) بتاريخ 12 أيلول 1945، فاختار صنف الدروع، وكأن القدر كان يُهيئه ليكون درعًا حقيقيًا في وجه الطغيان. وبعد تخرجه برتبة ملازم، كان من أوائل المشاركين في حرب فلسطين عام 1948، مقاتلاً لا يُهادن، ومؤمنًا بعدالة القضية.
نبوغه العسكري وكفاءته اللافتة في صنف الدروع، فتحا له أبواب المشاركة الدولية، فاختير ضمن الوفد العراقي بقيادة العقيد داود الجنابي للإسهام في تأسيس وتدريب الجيش الليبي في زمن الملك السنوسي. وفي ليبيا، بين عامي 1955 و1956، لم يكن مجرد مدرب عسكري، بل كان ملهمًا ومؤسسًا، غرس في قلوب الليبيين روح الانضباط وحب الوطن، حتى أن الحكومة الليبية قلّدته وسام الدرجة الأولى، وحيّته بكتب شكر تقديرًا لمساهمته اللافتة في تأسيس صنفها المدرع.
لكنّ درب النضال عند إبراهيم لم يكن محصورًا بالميدان العسكري، فقد انتمى، أثناء دراسته الثانوية، إلى اتحاد الطلبة العام، وبدأت تتبلور لديه ملامح الوعي السياسي، وسرعان ما انخرط في التنظيمات العسكرية للحزب الشيوعي، عاملًا بصمت وجهد ووفاء لا يشوبه تردّد.
وحين أخذ الغليان يعلو في صفوف الضباط الساخطين على فساد العهد الملكي، كان إبراهيم في طليعة الضباط الأحرار. انضم إلى خلاياهم منذ عام 1954، وأدى دورًا محوريًا في ثورة 14 تموز 1958، إذ كان من بين القوات التي زحفت على بغداد فجرًا، وتمركزت قرب دار الإذاعة، ثم أوكلت إليه مهمة محاصرة قصر الرحاب لمنع وصول أي دعم قد يجهض ولادة الثورة.
بعد النجاح، خدم إبراهيم في مكتب الزعيم عبد الكريم قاسم، ثم نُسب في 16 كانون الأول 1959 عضوًا في هيئة السيطرة بالمحكمة العسكرية العليا الخاصة، لما عُرف به من خلقٍ رفيع، وضبطٍ صارم، وسيرة نزيهة تشهد بها صدور زملائه.
ولم تكتفِ روحه الحرة بثورة واحدة، فحين اشتعلت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، لبّى النداء متطوعًا، وكان في طليعة المقاتلين الذين ساهموا في دحر المحتل وإعلاء راية الجزائر المستقلة، متجاوزًا الحدود الجغرافية ليؤكد وحدة الدم العربي في معارك الحرية.
وفي صباح 8 شباط 1963، ذلك اليوم الذي أسدل فيه ليل الانقلاب الأسود ستائره على العراق، سمع إبراهيم البيان الأول، فلم يهرب أو يتوارَ، بل توجّه فورًا إلى وحدته العسكرية ليدافع عن الثورة التي ساهم في بنائها. هناك، عند بوابة وزارة الدفاع، حيث كان الزعيم يعتصم مع رفاقه، اعتُقل إبراهيم وأودع سجن معسكر الرشيد.
لم تُمنح له محاكمة، ولم يُسمح له بكلمة وداع، بل صدر عليه حكم الإعدام فورًا، ونُفذ فيه بتاريخ 11 شباط 1963 في مقر اللواء التاسع عشر، إلى جانب العقيد حسين خضر الدوري، والزعيم داود الجنابي، في مشهد قيل إنّ عبد السلام عارف، رئيس الجمهورية الانقلابية، هو من أمر به، مدفوعًا بحقد قديم على كل من بقي وفيًا لعبد الكريم قاسم.
لكن الحلة لم تنس ابنها. يروي الدكتور عدنان الظاهر ملامح شخصية إبراهيم، فيقول: "كان شابًا شهمًا، خفيض الصوت، وفيًّا لأهله وأصدقائه، كثير التواضع، يختلط بالناس في المقاهي، ويشارك شباب مدينته في رياضة الزورخانة". ويذكر كيف كان يراه، وهو ملازم ثانٍ، يمارس السباحة في شط الحلة، أو يجلس في مقهى أبو سراج على ضفة الفرات، قريبًا من الجسر القديم.
تزوّج من الست وفيقة، كريمة رئيس محاكم الحلة مصلح الدين الدراجـي، وأنجب منها ابنهما البكر حيدر. وعلى الرغم من مسؤولياته العائلية والعسكرية، لم يقطع صلته بالحلة، بل بقي يعود إليها بشوق التلميذ لمدرسته الأولى.
ولعلّ أكثر المشاهد تأثيرًا ما رواه الدكتور عدنان عن زيارته لمكتبة قرطاسية في طرابلس عام 1978، حيث سأله صاحب المكتبة، وهو ضابط ليبي سابق:
ــ "من أين أنت؟"
ــ "من العراق".
ــ "ومن أي مدينة؟"
ــ "من الحلة".
فصمت الرجل، نكّس رأسه، وقال بحزنٍ مفاجئ:
ــ "هل تعرف الضابط إبراهيم الموسوي؟"
فردّ الدكتور متأثرًا: "كيف لا أعرفه؟ إنه صديقي وقريب بعض أقاربي."
فأجاب الليبي: "كان معلّمي... وقد بلغني أنه استُشهد في انقلاب 1963، فهل هذا صحيح؟"
قال: "نعم، للأسف الشديد."
وغصّت الكلمات في الحلق، فذاك الضابط الليبي، الذي أصبح بائعًا للقرطاسية بعد تقاعده المبكر بسبب ميوله اليسارية، ظل وفيًا لذكرى من علّمه أولى دروس العسكرية والشرف.
رحل إبراهيم كاظم الموسوي كما يرحل الكبار، صامتًا، شجاعًا، مرفوع الرأس، لم يساوم، ولم يغيّر جلده، ظل حتى اللحظة الأخيرة وفيًا للحلم الذي رآه مع رفاقه فجر 14 تموز.
ولئن لم يحمل جسده النبيل وسامًا عند رحيله، فقد حملته ذاكرة المدن، ورفوف المكتبات، وقلوب الرجال، نسرًا من الحلة، ودرعًا من العراق، وسيرةً لا تموت.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...


المزيد.....




- حزب التقدم والاشتراكية ينعى المناضل التقدمي الكبير حميد المُ ...
- م.م.ن.ص// لا نقبل التشتيت.. ولا تراجع عن مواجهة الهدم!
- المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي ينعي الرفيق أحم ...
- حزب العمال: العصابة الصّهيونية تعربد من جديد وتعتدي على سفين ...
- الرفيق عزوز الصنهاجي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتر ...
- أحمد العبادي عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب ضيف بو ...
- تيسير خالد : تفوقوا على النازيين الهتلريين في - كرمهم الانسا ...
- تركيا تفرج عن أحد  مساعدي عبدالله أوجلان بعد 31 عاما في السج ...
- الولايات المتحدة تنتقد إفراج فرنسا عن المناضل جورج عبد الله ...
- الجبهة الشعبية تدين بأشد العبارات القرصنة الصهيونية على سفين ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي انكسر بصمت