أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة














المزيد.....

حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 18:16
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة النجف، حيث تتعانق المآذن بالحبر، وتتحاور العمائم مع وهج الفكرة، وُلد حسن محسن عوينة سنة 1931، لا ليكون مجرد رقم في دفتر الولادات، بل ليتحول لاحقًا إلى جمرٍ ثائر، وشاعرٍ شهيد، ومناضلٍ لا يخون ظلّه. وُلد بين حارات الفقر، وفي زمن مضغت فيه الأنظمة آهات الناس، لكنه قرر أن لا يعيش باهتًا، ولا يموت مطمئنًا… بل أن يشتعل.
منذ فجر وعيه، لم يكتفِ حسن بالدروس المدرسية بين جدران مدرسة النجف الابتدائية وثانوية النجف للبنين، بل قرأ العالم كمن يقرأ كتابًا مكتوبًا بالدم والخذلان، فراح يغذّي روحه بما تيسّر من ثقافة، ويدقّ أبواب النضال على مهل، حتى دخلها من أوسع وجعها.
عاش شابًا متواضعًا يعمل في مغسلة أو محل صغير، لكنه كان يخفي خلف ابتسامته خريطة وطن جريح. كتب، وحرّر، وقاد. ترأّس تحرير جريدة صوت الفرات في الحلة، وأغلقت الجريدة سريعًا. كانت الكلمة سلاحه، والمقالة قنبلته، حتى فُصل من نقابة الصحفيين باعتباره "صحفيًا طارئًا"، فحوّل هذا النعت إلى نكتة سوداء، يسخر بها من جورٍ لا يرحم، وسلطة لا تخجل.
كان حسن، كما وصفه رفاقه، ضميرًا حيًا داخل الحزب، لا يخشى التصويب ولا يتردد في النقد، رجلًا لم يكن مسؤولًا أول، لكنه قاد من الخلف كمن يمسك مقود سفينة وسط العاصفة. في النجف، حيث تتخندق الطوائف والانتماءات، مارس دوره بوعي حاسم، رافضًا أن يُسحب الحزب إلى معارك صغيرة. لقد كان الفرامل حين اندفع الآخرون، وكان البوصلة حين ضاع الاتجاه.
أما شعره؟ فلم يكن ترفًا ولا هواية. كان صرخةً مكتوبة، ودمعةً مؤجلة، ولهيبًا على الورق. كتب "أمي والسلام" حين أقنع والدته بتوقيع نداء ضد الحروب. هذه الأم، البسيطة والمُثقفة بالفطرة، قالت له: "هات النداء لأوقع عليه بكل أصابعي". فكتب قصيدته، لا ليتغزل، بل ليصرخ باسم الأمهات اللواتي لا يلدن أولادًا للحرب.
كتب أيضًا "ابنة الشعب"، وفيها مدّ خيطًا من الحلم باتجاه المساواة، راسمًا فيها ملامح الوطن كما تحلم به فتاة منسية في زقاق الفقر. وفي قصيدته عن وثبة كانون 1948، بدا متمردًا صداميًا، يعلن صوته بوجه الموت.
نضاله لم يكن مؤجلًا، بل قدّمه على كل شيء، حتى على رغبة والده في أن يحيا حياة هادئة. وحين كتب له والده يحذره من المصير، رد عليه قائلًا: "إذا أنا لا أحترق، وأنت لا تحترق، فمن الذي يحترق لينير لنا السبيل؟"
وحين قرأ الوالد هذه الكلمات، قال مستسلمًا بإيمان الأب الحزين: "انتهى الأمر، فلندعه وشأنه، وليحفظه الله."
لكن الله لم يكن وحده من يرقب حسن… كانت هناك أنظمة ترتعد من فكرة، وتخشى قصيدة، وتُعدم شبحًا يمرّ في الظلال.
في بغداد، في مطلع آذار 1963، أعلنوا إعدامه. لم يكن وحيدًا، بل في رفقة سلام عادل ومحمد حسين أبو العيس، كوكبة من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي، الذين تحولوا إلى نجوم على جبهة الوطن، بعد أن سحقهم البعث تحت تبرير الثورة المزعومة.
أدانت المنظمات العالمية هذا الإعدام الوحشي، ونعته بيانات شتى من أنحاء الأرض، لكن حسن لم يكن ينتظر نعيًا ولا وسامًا… كان ينتظر وطنًا لا يشنق أبناءه لأنهم أرادوا الخبز والكرامة.
قالوا عنه رفاقه:
– "كان أشجع من أن يخاف، وأنبل من أن يكره."
– "كان الشاعر الذي يعيش الشعر لا يكتبه، يحترق ليضيء لنا المعنى."
– "هو الرائي الذي لم ينخدع بزيف النصر، ولم يهادن من أجل الحياة."
ومات حسن…
لكن من قال إن الشهداء يموتون؟
إنهم فقط يخلعون الجسد، ويواصلون الكتابة في ضمير الشعب.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة


المزيد.....




- مهاجر مغربي ينجو من الموت بأعجوبة قبالة السواحل الإسبانية
- لماذا لم تُوقّع تركيا على -خطة لاهاي- ضد إسرائيل؟ وكيف ردّت ...
- بعد تصاعد العنف المرتبط بالمخدرات.. مدن فرنسية تفرض حظر تجول ...
- تحقيقات إبستين تُفتح مجددًا.. غيسلين ماكسويل قد تدلي بشهادته ...
- مفوض أممي: على إسرائيل أن تسمح بدخول المساعدات لغزة فورا ودو ...
- سرايا القدس تعلن فقدان الاتصال بمجموعة تأمين جندي إسرائيلي أ ...
- لجان في مجلس النواب الأميركي تبحث تعديل قانون -قيصر- دون إلغ ...
- ما -منطقة الموت- التي يعبرها الغزيون من أجل الطحين؟
- حماس تدعو الدول العربية لإنقاذ غزة من الجوع
- مسؤول أمني إسرائيلي سابق: جيشنا عاجز عن النصر في غزة


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة