أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع الحياة














المزيد.....

سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع الحياة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 11:39
المحور: سيرة ذاتية
    


في هذا الوطن الذي لا يُنصت إلّا لنبض الغياب، ويرى المبدعين أوضح ما يكون بعد رحيلهم، تتكرّر الحكاية ذاتها، وتُكتب بخط اليد المرتجفة ذاتها: لا تذكروا الأحياء إلا حين يغدو صمتهم قبرًا. وكأنما أرواحهم لا تستحق أن تُحتفى بها إلا إذا صارت خبرًا في شريط عاجل أو صفحة رثاء.
رحل سعود الناصري، فاستيقظت الأقلام، وتدافعت المراثي، واشتعلت ذاكرة الصحف والمواقع بخيوط من السيرة والنضال. ولكنه، كما قال الشاعر العربي القديم:
"لأن أموتَ فبعد الموت تندبني... وفي حياتي ما زوّدتني زادي."
نعم، عاش سعود الناصري غريبًا في وطنه، مهمشًا في ذاكرة الإعلام، ومنسيًا في دهاليز المؤسسات الثقافية. لكنه لم يشكُ، لم ينكفئ، لم يهادن، بل راح يمضي بثبات على طريق الموقف، موقنًا أن القلم أشرف من الخضوع، وأن الكلمة أشد فتكًا من الرصاص حين تكون على حق.
ولد سعود في خمسينات العراق المتخم بالتناقضات، وراوده الفن صغيرًا، فانتسب إلى معهد الفنون الجميلة، وراح يصوغ ذائقته الجمالية على أنغام الريشة والصورة والمشهد المسرحي، لكنه وجد في الصحافة منبرًا أكثر قدرة على البوح، فاتجه مبكرًا إلى بلاطها، فكتب في صحيفة الرأي العام التي أصدرها الجواهري الكبير، وصحيفة البلاد التي أسسها الرائد روفائيل بطي، وتعلّم من أعمدتها أن الصحافة ليست مهنة، بل مسؤولية وطنية.
كتب، واشتغل، وتقدّم الصفوف، فكان من أبرز من صاغوا الكلمة الوطنية في إذاعة بغداد، قبل أن يغادر إلى موسكو مطلع الستينيات، ليغترف من ينابيع الفكر والفلسفة. هناك، حاز على دبلوم العلوم الفلسفية سنة 1965، ثم ماجستير في الصحافة، ليعود إلى العراق مشبعًا بروح التنوير، ويعمل في صحيفة الجمهورية حتى سنة 1978، حين بدأت آلة القمع تطحن الوطنيين، ويُضيّق الخناق على الأحرار.
اختار المنفى، ولم يختر السقوط. غادر إلى موسكو، ثم إلى لندن سنة 1992، حيث أعاد تنظيم صفوفه، وعاد إلى النضال من منفاه، لا كلاجئ منكسر، بل كمقاتل بالكلمة، سلاحه القلم، ودرعه الضمير، ينخر بصوته جدران الطغيان، ويزرع الرعب في قلوب المستبدين.
مارس العمل السياسي مبكرًا، فانتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي، وانخرط في اتحاد الطلبة العام، ثم تولّى مسؤولية الإعلام والنشر، وأشرف على إصدار صوت الطلبة عام 1960، وانتُخب رئيسًا لرابطة الطلبة العراقيين في موسكو، ثم رئيسًا لاتحاد منظمات طلبة البلدان العربية. وكان عضوًا مؤسسًا في رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين، وشارك في مؤتمرها التأسيسي عام 1980، وأطلق صحيفة "الأبيض" الإلكترونية التي كانت شاهدة على حيوية قلمه ووضوح موقفه، وعمل في هيئة تحرير مجلة "رسالة العراق." التي كانت تصدر عن الحزب الشيوعي العراقي.
لم تكن المنافي تضعف صوته، بل كانت تغذّيه. ولم تكن الأمراض ترهق روحه، بل تجعله أكثر إصرارًا. حتى حين تكالبت عليه الآلام، وجثا المرض على جسده، أجرى عملية جراحية في سوريا، وهناك أسلم الروح، لكنه أسلمها وشفاهه تهمس: "بعين الله يا عراق... لا بد أن ينبلج الصبح."
دفن في مقبرة الغرباء في دمشق، تلك التي لا تليق باسمها، فهي، كما قال محبوه، مقبرة الشهداء، لأنها تضم رموزًا من وزن الجواهري، ومصطفى جمال الدين، وهادي العلوي... وكأنما كل من أحبّ العراق بصدق، لا يحق له أن يُدفن في ترابه.
وقد أجمع محبوه على أنّ سعود لم يكن مجرد صحفي، بل ضميرًا وطنيًا حيًا، وصوتًا لا يعرف المساومة، ولا يلبس الأقنعة. قال أحدهم:"كان يكتب وكأنه ينزف، وكل سطر في مقالاته كان رصاصة في قلب الظلم."
وقال آخر:"في زمن تكدّست فيه الأقلام المرتزقة، كان سعود يكتب بدم قلبه."
وقال ثالث:"رحل سعود كما عاش، نقيًا، شجاعًا، لا يتلوّن، ولا ينكسر."
و بعد أن طوى جسده الثرى، لا زالت روحه ترفرف في سماء العراق، وتهيم في أزقة بغداد، وساحات النضال، تهمس في آذان الجيل الجديد: "اكتبوا… قاوموا… لا تصمتوا."
سعود الناصري لم يمت، لأن الذين يختارون المنفى على المذلة، والكتابة على التزلف، والحلم على الانكسار، لا يموتون. إنهم فقط يرحلون قليلًا… ثم يعودون في كل فجر حرّ جديد.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح


المزيد.....




- كاميرا توثق لحظات درامية لإنقاذ نزلاء فندق تلتهمه النيران في ...
- زين قطامي تنشر صورًا برفقة والدها من زفافها على سيليو صعب
- وفد سعودي يصل دمشق تمهيدًا لصفقات متوقعة بقيمة 4 مليارات دول ...
- وسط جدل واسع.. الأزهر يرجع حذف بيانه عن غزة لهذا السبب
- -يوم بدأت مصر رحلة السقوط-.. ساويرس يثير جدلًا بتعليق عن -23 ...
- مهرجان طعام وآخر فني يثيران الجدل في الأردن لتزامنهما مع -ال ...
- ألمانيا تفرج عن واحدة من أكبر صفقات التسليح لتركيا
- -أوقفوا الإبادة الجماعية-..محتجون يمنعون نزول سياح إسرائيليي ...
- هل تسلم قوات سوريا الديمقراطية سلاحها لسلطات دمشق؟
- دراسة تثير الفزع.. شباب أوروبا يميلون نحو الحكم المستبد


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع الحياة