أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال














المزيد.....

عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 20:13
المحور: سيرة ذاتية
    


في مهبّ الريح العاتية التي كانت تعصف بجبال كردستان، ووسط ضجيج الحروب التي لا تهدأ، وقف شاعر نحيل الجسد، عظيم الروح، يدعى عبد الله كوران، كأنه صدى قديم لطفلٍ حلم بأن يجعل من القصيدة خندقاً ومن الحرف سلاحاً، ومن الجمال عقيدة تقف بوجه العدم. عبد الله كوران لم يكن مجرد شاعرٍ عابر في سجل الأدب الكردي، بل كان انقلابًا هادئًا على التقاليد، نبوءة نطقت بها الجبال ودوّنتها القصائد.
وُلد في حلبجة عام 1904، المدينة التي ستبكيه مرتين: مرة حين خسر طفولته بموت الأب واغتيال الأخ، ومرة أخرى حين ودّع الحياة وهو يحمل على جسده المريض آثار التعب والنضال والكتابة. تعلم كوران القرآن على يد والده، ولم تكن دراسته لكتاب الله سوى أول مسار نحو فهم الذات الكبرى – ذات الإنسان، والطبيعة، والحق. لكن القدر انتزعه من مقاعد العلم، وألقى به في شقاء المعلمين الريفيين، يوزع الحروف على الصغار بينما يخبّئ بين كتبه قصائد تتشكل في رحم الألم.
إنه واحد من أولئك الذين لا تصنعهم الصدفة، بل تصنعهم المعاناة. غادر المدرسة ليعول أمه، ثم غادر مقاعد التعليم ليعلّم الشعراء كيف يولد الشعر الحقيقي. كانت خطواته الأولى في نظم الشعر مشبعة بسحر الجمال الطبيعي والأنثوي، لكنه لم ينعزل في برج رومانسية مفرغ من الصراع. لقد كان شاعر المرأة والطبيعة، نعم، لكنه كان أيضًا شاعر السجن والمعتقل والثائر.
يقول جمعة الجباري: "شرعت الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية تتعاظم في الأدب الكردي، وكان كوران أحد من فجّرها بقصائده، فأسس مدرسة شعرية باسمه، تُذكر بعد أن تُذكر أسماء الرواد الكبار في الشعر الكردي الكلاسيكي." لقد انتقل كوران من الكلاسيكية إلى الرومانسية، ومن ثم إلى الواقعية النضالية، في رحلة شعرية تشبه ارتحال مقاتل يغيّر سلاحه دون أن يغيّر إيمانه.
لم تكن القصيدة عند كوران تأملًا لغويًا في بهاء المفردة، بل كانت مزيجًا من الحلم والجراح. ففي قصائده ترى الطبيعة بوصفها روحاً لا مجرد ديكور، والمرأة رمزًا لا غرضًا، والحب خندقًا لا ترفًا. كتب عن الجمال ليحرّض على القبح، وكتب عن الورد ليحرض على نزع الأشواك من صدر الإنسان.
ولم يكتفِ كوران بالشعر؛ لقد مارس الصحافة، والإذاعة، والتعليم، والعمل الوظيفي، وحتى السجن. تنقّل بين يافا وبغداد والسليمانية، وكان اسمه يرتفع كلما أُسقط في زنزانة. لقد دخل السجن شاعرًا، وخرج منه أسطورة. وكانت "أنشودة الصامد" ليست فقط قصيدة بل شهادة ميلاد لأدب يقف عند خط النار ويغني.
أما الناقد حواس محمود، فيقول عن كوران: "كان الجبل الشامخ في الشعر الكردي المعاصر، نبذ التقليد، وغنّى للجمال، لكنه في الوقت ذاته كان مناضلًا نثر الدم في كل بيت شعري كتبه." ويضيف: "إنه الرومانسي الذي عشق المرأة، لكنه لم يغفل عن الطاغية. كتب عن كاوا الحداد كما كتب عن العاشقة، وبذلك كان شاعر النقيضين: الحلم والرصاصة."
في بغداد، وفي منتصف القرن العشرين، كتب كوران شعره الأخير، وأشرف على مجلة "شفق"، ثم أُلقي في زنازين عدة: من الكوت إلى بعقوبة إلى سجن نقرة السلمان. كانت قصيدته “قصة الأخوة” تجسيدًا لحلمه القديم، حلم الأخوة الكردية العربية، وهو حلم لم تقتله الزنازين، بل صقلته.
رحل كوران في تشرين الثاني 1962 بعد صراعٍ مريرٍ مع السرطان، لكن روحه ظلت تسكن في قصائده، التي نُشرت كاملة في الثمانينات، لتصبح بمثابة تراتيل جبلية لشاعرٍ علّمنا أن نقرأ الشعر كما تُقرأ الشهادة. دفن في السليمانية، في مقبرة سيوان، لكن صوته لا يزال يُسمع في مقاهي الشعراء ودفاتر المحبين، وقمم الجبال التي أحبها وغنّى لها.
عبد الله كوران، لم يكن شاعرًا عاديًا، بل لحظة في الوجدان الكردي يصعب نسيانها، وشعلة أوقدت جيلًا من المجددين والثوار، وحين يُقال عنه إنه رائد الشعر الكردي الحديث، لا يعني هذا مجرد سبق زمني، بل سبق وجداني، سبقه إلى أن يجعل من الشعر بيتًا يسكنه شعب بأكمله.
رحل كوران، وبقيت القصيدة تصرخ باسمه، تُشبهه كما تُشبه حلبجة التي ولد فيها: جميلة، حزينة، ومقاومة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء
- صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة
- كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
- الخطيب الثائر محمد الشبيبي
- الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع


المزيد.....




- تداول فيديو لـ-تمايل ناطحة سحاب- خلال زلزال تركيا.. ما حقيقت ...
- ذكرى أول اعتداء عنصري في ألمانيا الشرقية.. شهود جزائريون يرو ...
- ماذا قال رموز الصحافة عن استشهاد صحفيي الجزيرة في غزة؟
- دعوات بإندونيسيا لحشد المواقف ضد إسرائيل
- -أسطول الصمود- يبحر نحو غزة وغريتا ثونبرغ في المقدمة
- القسام تعلن عن 3 عمليات ضد الاحتلال في غزة
- مشهد الوداع الأخير.. صوت شهداء الجزيرة خفت لكن -التغطية مستم ...
- المجتمع الأفريقي.. اغتيال أنس الشريف ورفاقه جريمة وتقويض للص ...
- -عيون الحقيقة تُطفأ-.. اغتيال صحفيي الجزيرة يشعل الغضب بوسائ ...
- خزنة ذهب ودولارات تثير جدلا واسعا بالعراق.. ما قصتها الحقيقي ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال