أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)














المزيد.....

الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 18:11
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في زحمة الذكريات الوطنية التي تنبض بالصدق والعذاب، يطلّ علينا وجه عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) كإشراقة تمردٍ لا يخبو، وكسطرٍ عنيدٍ في سفر العراق النضالي، سطرٍ كُتب بالحبر تارة، وبالدم في معظم الأحيان.
ولد في البصرة، تلك المدينة التي تشبه قصيدة تكتبها الأنهار وترددها النخيل. في "محلة المشراق" عام 1920، فتح عبد الجبار عينيه على عالم يتقاذفه الظلم والاستعمار، وعلى أفق من الكتب والحلم والتحدي. كان منذ صباه طاليًا متفوقًا، رُشّح لبعثة دراسية إلى إنكلترا، لكن رياح الحرب العالمية الثانية عصفت بذلك الحلم، فشقّ طريقه بنفسه إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، ليغرس قدميه في أرض الفلسفة والفيزياء. من هناك، كان سقراط جليسه والذرة دربه، وكأن روحه اختارت التوازن بين ما يُضيء العالم وما يُضيء الضمير.
عاد إلى العراق عام 1943 لا كعائدٍ من الغربة، بل كمن عاد يحمل جمرة لا تخبو، ليشعل بها عتمة بلاده. درّس الفيزياء في بعقوبة ثم في كلية الملك فيصل، لكنه كان يرى أن التعليم وحده لا يكفي لتنوير بلد مُكبّل، فدخل معترك السياسة من بوابة حزب الشعب أولًا، ثم عبر بوابة الحزب الشيوعي التي انفتح لها قلبه وعقله منذ عام 1948، وأقسم أن لا يغلقها إلا حين تنكسر قيوده أو ينكسر جسده.
كان من أوائل من نذروا قلمهم لقضية السلم العالمي، حين وقّع على نداء "ستوكهولم" إلى جانب الجواهري والسياب والعاني وبحر العلوم، مسجّلًا اسمه في سجل الحالمين بعالمٍ خالٍ من الحروب. كتب، وتظاهر، وسُجن، ونُفي، لكنه لم يتراجع. حمل كتبه وطفليه، وترك زوجته المناضلة "نظيمة وهبي" وراء القضبان، ليواصل السير على درب الخطر لا النعيم. خرج من الوطن ليعود إليه أقوى، وأشد ارتباطًا بجذوره، متسلّحًا بالموقف لا بالنجاة.
بعد ثورة 14 تموز 1958، تنفّس العراق فجرًا كان يحسبه قريبًا، وكان عبد الجبار أول العائدين من المنافي. لم يبحث عن منصب أو مجد، بل عن صحيفة تُنشر فيها كلماته كمن يبعث رسالة يومية إلى الشعب. وكان عموده الشهير "كلمة اليوم" في صحيفة "اتحاد الشعب" نبضًا يوميًا للناس، سكينًا في خاصرة الاستبداد، وجرسًا يوقظ الضمائر النائمة. كلماته، بأسلوبها الشعبي الساخر اللاذع، كانت تُطرب الفقراء وتُقلق الحكّام، حتى قال عنه الزعيم عبد الكريم قاسم: "رصاص رأس القرية ولا كتابات عبد الجبار وهبي". وكان هذا القول شهادة لا في خطر قلمه فحسب، بل في صدقه، إذ لم يهادن، ولم يساوم، ولم يكتب إلا ما يُشبه قلبه.
وحين حاولت أجهزة السلطة تكميم صوته، زُجّ به في المعتقل، بلا تهمة واضحة، سوى أنه كان يشكّل خطرًا على أمن من لا أمن له. خرج من السجن بعناد أشد، ليواصل فضح العابثين بالثورة وأحلام الفقراء، كمن يدري أن السيف سيأتيه من الخلف، لكنه لا ينحني.
وجاء يوم الغدر، 8 شباط 1963، فانقلبت الجمهورية على نفسها، وفتح البعثيون أبواب الجحيم على كل ما هو حر ونبيل. في الأيام السوداء تلك، حين كانت سجون العراق تضيق بأبنائه الأوفياء، كان عبد الجبار وهبي، مع رفاقه الحيدري والعبلي، يحاول إعادة النَفَس للحزب، وإحياء ما أُريد له أن يموت. لم يختبئ، بل وقف في قلب العاصفة، حتى اعتقل في تموز 1963. لم يُحاكم، لم يُدافع عن نفسه، لم يُسعف، بل قُدّم قربانًا جديدًا على مذبح الحرية.
أُعلن عن إعدامه يوم 19 تموز 1963، وغيّب الجلادون جسده، لكنهم ما استطاعوا أن يغيّبوا صوته، فما زالت كلماته تتردد، وما زال عموده "سارق الأكفان" يفضح لصوص الحاضر كما فضح لصوص الأمس، وما زال صوته حاضرًا في ضمير هذا الوطن، كصرخة لا تموت، كقصيدة لا تنتهي.
عبد الجبار وهبي، كان أكبر من صحفي، وأعمق من كاتب، كان سيرةً ناصعة في زمنٍ مُعتم، وكان شاهدًا وشهيدًا في آنٍ معًا. ترك لنا أوراقه، وخطّ بدمه وصيته: "اكتبوا ما لا يُكتب، وقولوا ما لا يُقال، فالسكوت موت، والكلمة مقاومة".
وهكذا بقي معنا، لم يمت. فمن يكتب بالدم لا يغيب، بل يخلد في ذاكرة الوطن، كاسمٍ لا يُمحى، وكقنديلٍ لا ينطفئ.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة


المزيد.....




- العفو الدولية تطالب نيجيريا بمحاسبة قتلة المتظاهرين
- ماذا تعرف عن الاشتراكي الأخير في بكين الذي يحارب الديمقراطية ...
- العدد 615 من جريدة النهج الديمقراطي
- تـحـيـة وتـهـنـئـة حزب الشعب الفلسطيني في الذكرى الـ 90 لا ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين بتل أبيب
- بيان مشترك.. لفصائل المقاومة الفلسطينية
- كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي في تأبين الر ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28يوليوز 2025
- -الشيوخ- الأمريكي يحبط محاولة بيرني ساندرز لمنع بيع الأسلحة ...
- بلاغ الكتابة التنفيذية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)