أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة














المزيد.....

صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 12:05
المحور: سيرة ذاتية
    


من مدينة الحلة، حيث تُولَد المفردة العراقية مشبعة بعطر التاريخ ورنين الموروث، خرج صلاح حسن سنة 1960 حاملًا هواجس طفلٍ قرأ الحياة مبكرًا، وتأمّل في سرِّ الوجود من نافذة الشعر والمسرح. درس الفن المسرحي في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وتخرّج فيها عام 1982، لكنه سرعان ما تجاوز إطار الخشبة إلى رحابة النص الشعري والسردي، كاتبًا بلغة لا تهدأ، مُحمّلة بالأسى والحلم، باللغة الأم وباللغات التي قادته إليها المنافي.
شاعر الطفولة والقلق الوجودي
يكتب صلاح حسن قصيدة الطفل كما يكتب قصيدة المنفى، وكأنهما وجهان لمعاناة واحدة: الطفولة المجهضة في أرضٍ لا ترحم، والمنفى الذي يربّي ذاكرة لا تشيخ. في نصوصه الموجّهة للأطفال مثل "أنا صديقكم"، و"كونكو وتوتو في الروضة"، و"خمائل"، يطلّ شاعر كبير من نافذة صغيرة، لا ليدلّ الطفل على الطريق فحسب، بل ليعيد إليه الحكاية التي سُرِقت منه.
أما في شعره للكبار، فإننا نواجه شاعرًا لا يستسلم لبلاغة العزاء، بل يقيم في قلب المفارقة: "أنا مجنون لسبب وأنت عاقل بلا سبب"، "بيت الحلزون"، و"رأس في كيس" — كلها عناوين تنبض بعطب الإنسان، وتلتقط ارتجافته في عالم مقلوب، حيث الأمل يطلّ بخفر من فجوات الألم.
شاعر العبور وترجمة الأرواح
لم يكن صلاح حسن مجرد كاتب نُفي، بل كان عابرًا حقيقيًا بين لغات وثقافات، عابرًا بأناه الشعرية من العراق إلى هولندا، ومن العربية إلى الهولندية، ومنها إلى الإسبانية والفرنسية والفارسية والإنكليزية. ترجم كما تُترجم الأرواح، لا الكلمات فحسب، وأنتج نصوصًا تفيض عذوبة ورقة، مثل "النوم في اللغة الأجنبية"، التي صدرت بلغتين، في توأمة تؤرخ للقلق والهجرة والحنين.
عمله في الترجمة، ككتابه "أغنيات حب" عن الشاعرة الهولندية يوديت هرزبيرخ، أو ترجماته من الشعر الهولندي، لم يكن جهدًا لغويًا بقدر ما هو سعيٌ لنسج جسور بين الأرواح، وتحقيق نوع من العدالة الجمالية التي تجعل الغريب مألوفًا، والأصيل عالميًا.
مسرحيّ يعيش في القصيدة

بقدر ما كان شاعرًا، كان صلاح حسن كاتبًا مسرحيًا يرى الحياة مشهدًا دائم التحول. كتب نصوصًا مسرحية بالعربية والهولندية وقدّمت في بلجيكا، عمان، البحرين، موسكو، وهولندا، مثل "حب في أوروك"، "الراقص"، "أوهام"، "الصفعة"، "الشيطان والأيام السبعة"، و"عبث" التي اختيرت ضمن أفضل عشر مسرحيات في هولندا عام 2003. لقد عرَض فيها وجوه الإنسان المنفي والضائع والمتشظي، وأعطى المسرح العربي في أوروبا بُعدًا تأمليًا وسرديًا نادرًا.
شهادات النقاد في كتابته
رأى فيه بعض النقاد شاعرًا حداثيًا بامتياز، يتقن لعبة اللغة كما يتقن الحفر في المعنى، بينما وصفه آخرون بأنه "شاعر التحولات"، لما بين أعماله من تنقّلات في الشكل والمضمون، لكنه دائمًا يحتفظ بجذوة السؤال، ومرارة التجربة. كتب عنه الناقد عبد الله إبراهيم أنه "واحد من الأصوات التي تمكّنت من إعادة تشكيل الشعرية العراقية خارج حدود الجغرافيا"، فيما أشار الناقد فاضل ثامر إلى "قدرته على جعل التجربة الشخصية نافذة لتأملات كونية، حتى في قصائد تتناول تفاصيل يومية أو حكايات من الطفولة".
أما بعض النقاد فقد نظروا إلى نصوصه بوصفها "نموذجًا للتداخل الثقافي المثمر"، حيث يحضر الشرق لا بوصفه متحفًا، بل بوصفه كائنًا حيًا، يتنفس في القصيدة والمسرح معًا.
الغربة وطنٌ يُكتب
منذ مغادرته العراق عام 1992 واستقراره في هولندا، لم تكن الغربة في شعر صلاح حسن "مكانًا" بل حالة شعرية. لم تكن هولندا محطة عبور فقط، بل مختبرًا لإعادة تشكيل الذات. أسّس جمعية "أور" الثقافية، ليواصل منها دوره التنويري والتواصلي، رابطًا بين المثقفين العرب والغرب، ومبرهنًا أن الشعر، وإن وُلد في وطن، يمكن أن يعيش في جميع الأوطان.
الجوائز والمكانة
نال صلاح حسن جوائز متعددة داخل العراق وخارجه، منها جائزة الأقلام، وجائزة دنيا الهولندية للشعر، وجائزة الإبداع عن "بيت الحلزون"، وجائزة هارلم الثقافية، لكنه ظل يكتب كمن لم يُكافأ بعد، وكأن الجائزة الأهم عنده هي النص القادم، أو قارئ مجهول في زاوية بعيدة من العالم.
إن تجربة صلاح حسن ليست مجرد سيرة أدبية باذخة، بل هي مثال نادر على كيف يصنع المنفى شاعرًا كونيًا، وعلى كيف تُحوّل الطفولة والمسرح والتعدّد اللغوي الشاعرَ إلى كائن يرى العالم بأكثر من عين، ويكتبه بأكثر من لسان، لكنه في نهاية المطاف، يظل شاعرًا عراقيًا بامتياز، يحمل بابل في روحه، وإن كتبها بكل لغات العالم.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
- الخطيب الثائر محمد الشبيبي
- الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر


المزيد.....




- السعودية.. تركي آل الشيخ يرد على حملة ضده بعد تدوينة -الاعتم ...
- مدى قدرة جيش إسرائيل على بسط سيطرة كاملة في غزة؟.. محلل إسرا ...
- إعلام رسمي إيراني: المعدوم بتهمة التخابر مع إسرائيل كان عالم ...
- إشادة فرنسية أمريكية.. حكومة لبنان تتجه لنزع سلاح حزب الله
- المجلس الأمني الإسرائيلي يقر خطة نتانياهو -للسيطرة على مدينة ...
- دبي .. روبوت في اجتماع رسمي
- حراك شعبي في هولندا دعما لغزة وتنديدا بالمجازر الإسرائيلية
- تحقيق يكشف فظاعات وجرائم ارتكبت بمخيم زمزم للنازحين في دارفو ...
- خمسة مبادئ وانقسام حاد.. تفاصيل قرار -الكابينت- لاحتلال غزة ...
- مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة