أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل














المزيد.....

كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 11:09
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة القاسم، تلك المدينة الصغيرة الواقعة جنوب محافظة بابل، وُلد كوكب حمزة الأحمد عام 1944. ولم يكن اسمه مجازًا فنيًا أو استعارة شعرية، بل كان مصادفة قدرية كأنما اختارته الموسيقى من بين الأطفال ليكون لها صوتًا وضميرًا. اسمه كان كوكبًا، ومسيرته فعلُ إشراقٍ طويل، شقَّ غيم السياسة، والمنفى، والخذلان، ليبقى حاضرًا في ذاكرة الأغنية العراقية كواحدٍ من ألمع من أنجبهم هذا الفن الملتزم.
عرفته في مدينتي القاسم، وكنّا من أبناء زقاق واحد، أبناء بيئة واحدة وحلمٍ يساريٍ مشترك، يربطنا بأسرته ودّ لا يشوبه غبار السياسة أو تغيرات الأزمنة. لم تكن بيننا مساواة في العمر، فقد كان يكبرني بست سنوات، لكن قربه من أخي الأكبر جعلني أراه كما يرى الصغار أوتادهم العالية. كان نقيًا، عطوفًا، يضفي على الجلسة سكينة، وعلى الصمت دفئًا.
أكمل كوكب دراسته الابتدائية في القاسم، ثم انتقل إلى الحلة ليواصل المتوسطة والثانوية، قبل أن يشدّ الرحال إلى بغداد، مدينة التحولات الكبرى، حيث درس في معهد الفنون الجميلة ثم في معهد الدراسات الموسيقية، ليصقل موهبة كانت تغلي منذ صباه، ويتخذ من الموسيقى قدرًا لا فكاك منه.
في البصرة، المدينة التي تنام على الماء وتستيقظ على المواويل، بدأ معلمًا للفنية في مدرسة المربد، وهناك، وسط زخم الشعراء والمغنين الشعبيين، شعر أن الأغنية العراقية بحاجة إلى روح جديدة. كان يراقب تطور الأغنية العربية، لا سيما المصرية، ويشعر بأن ما لدينا كان ما يزال مكبلاً بالمقام والموال والبستة، فقرر أن يغامر، أن يخرج من العباءة الثقيلة ليبتكر صوتًا حديثًا، يحمل تراثه على كتفيه، لكنه لا يتوقف عنده.
جاءت أغنيته الأولى "مر بيّه" ولم تُوفّق، لكنه لم يتراجع، فكانت "يا نجمة" – بصوت حسين نعمة – حدثًا موسيقيًا مفصليًا، مزج فيها بين الفولكلور العراقي والموشح الأندلسي، وبين الحنين الجنوبي والغناء الحضاري. ثم تتابعت الأعمال: "القنطرة بعيدة"، "أفيش"، "بساتين البنفسج"، "محطات"، "يا هوى الناس"، وكلها تحوّلت إلى علامات في ذاكرة الذائقة العراقية، وأيقونات تُتداول حتى بعد أن مُنعت رسميًا.
في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، أصبح كوكب حمزة من أبرز الملحنين الشباب الذين شكّلوا ما عُرف بموجة "الأغنية العراقية الحديثة". وكان إلى جانب أصوات جديدة آنذاك مثل سعدون جابر، فاضل عواد، حسين نعمة، وغيرهم، فاختلطت أسماء الشعراء بالشعراء، والأنغام بالحناجر، والأحلام بأوجاع السياسة.
ولأنه اختار الوطن في ضميره، لا في شعارات السلطة، اصطدم بالنظام مبكرًا. رفض تلحين قصائد تمجّد حزب البعث، فتعرّض للتهميش والإقصاء، ونُقل من أستاذ جامعي إلى موظف إداري. ثم تلقّى نصيحة صديق مقرّب بالخروج الفوري من العراق. فكانت محطته التالية المنفى الطويل.
في 21 تموز 1974 غادر العراق، عبر زمالة دراسية إلى تشيكوسلوفاكيا، ومنها إلى الاتحاد السوفيتي، قبل أن يستقر في الدنمارك عام 1989، مرورًا بكردستان والشام، حيث التقى نخبة من الشعراء الذين سيشكّلون معًا وجدان جيل منفي. كان من بينهم مظفر النواب، أحمد فؤاد نجم، ممدوح عدوان، رياض النعماني، بندر عبد الحميد، محمد مظلوم، ، وغيرهم ممن اجتمعوا في حواضر المنفى، وكانوا يتداولون الوطن شعرًا ونغمًا ومقاومة.
في أوروبا، لم يصمت كوكب حمزة، بل ظل صوته حاضرًا. لحّن "وداعًا بابل" عام 1992، و"الجراد يغزو بابل"، وعشرات الأغنيات التي بقيت تتداول في الجلسات الخاصة وذاكرة الشتات، في حين كان النظام يعدّ مجرد حيازة أحد أشرطته تهمة. وفي المغرب، حيث ذهب لاحقًا للدراسة، اكتشف المطربة أسماء لمنور ولحن لها "دموع إيزيس" بمناسبة تكريم الشاعر أحمد فؤاد نجم في القاهرة.
كان بحق "مكتشف الأصوات"، إذ قدّم أهم الأصوات العراقية في السبعينيات والثمانينيات، وامتدت تجربته حتى وصلت إلى أصالة نصري في بداياتها، وعبد الله الرويشد، وآخرين من أرجاء الوطن العربي.
لم يكن الملحن في كوكب حمزة منفصلاً عن المناضل. ففي مطلع الثمانينيات، ترك الدراسة، والتحق بقوات الأنصار في كردستان، حاملاً بندقيته ضد الديكتاتورية، وصوته في سبيل الحرية. ثم عاش متنقلاً بين العواصم، تسبقه أغانيه وتلاحقه المنافي.
عاد إلى العراق بعد سقوط النظام، في زيارات قصيرة، التقيته في الحلة وبغداد، كما التقينا في دمشق، وكان في كل مرة الإنسان ذاته الذي عرفته صغيرًا: بسيطًا، نبيلًا، صادقًا، يزن العلاقات بميزان المحبة.
في الثاني من نيسان عام 2024، أغمض كوكب حمزة عينيه إلى الأبد في كوبنهاغن، بعد صراع طويل مع المرض، مخلفًا وراءه رصيدًا من الألحان التي ستبقى شاهدة على زمنٍ كان فيه الفن موقفًا، لا مهنة. رحل عن ثمانين عامًا، لكنه بقي بيننا، حيًا في كل وتر، وفي كل ذاكرة ما زالت تتأرجح بين "يا طيور الطايرة" و"شوق الحمام".
لقد كان كوكب حمزة صوتًا موازيًا لتاريخ العراق الحديث، تنقّل بين الأمكنة، لكنه لم يغادر الوطن الذي نحمله جميعًا كحلم، وكغصة… في القلب.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
- الخطيب الثائر محمد الشبيبي
- الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...


المزيد.....




- الرئيس التنفيذي لشركة أبل يهدي ترامب لوحًا تذكاريًا مصنوع من ...
- ماذا نعلم عن الرقيب الذي أطلق النار على خمسة جنود في قاعدة ف ...
- ترامب محق.. أرقام صادمة تدخل خزينة أمريكا بسبب الرسوم الجمرك ...
- بعد قرار لبنان تجريده من سلاحه قبل نهاية العام... ما الذي بق ...
- دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!
- السودان يعلن تدمير طائرة إماراتية ومقتل عشرات المرتزقة الكول ...
- رسوم ترامب المرتفعة تدخل حيز التنفيذ .. هل ينقلب السحر على ا ...
- هل تؤثر التغيرات المناخية في تسارع دوران الأرض؟
- بلا طعام ولا أهل.. حازم البردويل يروي حكاية البقاء في غزة
- تقرير يكشف تطوير دول رؤوس نووية جديدة.. ما عليك معرفته


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل