أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الخطيب الثائر محمد الشبيبي














المزيد.....

الخطيب الثائر محمد الشبيبي


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 11:41
المحور: سيرة ذاتية
    


لا أظن أني أضيف جديدًا حين أكتب عن الخطيب الحسيني الأكبر، الشيخ محمد الشبيبي، نصير السلم، ووالد الشهيد حسين الشبيبي (صارم). غير أن هذا الشيخ الجليل ظُلِم في حياته وبعد مماته؛ إذ أغفلته القوى الوطنية التي مهد لها الطريق، وتجاهلته المنابر التي كان من روادها.
ولد الشيخ محمد الشبيبي عام 1873م في النجف، المدينة التي احتضنت دراسته وتكوينه الديني والفكري. التحق بالحوزة العلمية وتخرج على يد كبار علمائها، لكنه لم يكن مجرد طالب علم، بل خطيب بليغ استخدم المنبر الحسيني لنقل رسائل الإصلاح والتوعية الوطنية والدينية، فجمع في خطبه بين البلاغة والفكر، داعيًا إلى نبذ الطائفية والوحدة الوطنية، ما أكسبه احترام الجميع.
امتدت علاقات الشيخ لتشمل العديد من الشخصيات التقدمية والوطنية. لم يتردد في الجلوس في مقهى "عبد ننه" الشهيرة، التي كانت ملتقى للمثقفين، متجاوزًا الاعتبارات الشكلية المرتبطة بزيه الديني، مجالسًا عبد الغني وجعفر الخليلي، محمد صالح بحر العلوم، أحمد الرضي الموسوي (والد الشهيد سلام عادل)، محسن عوينة، داوود الملا سلمان، وغيرهم.
كانت مواقفه صريحة في مواجهة الاحتلال البريطاني والدعوة للاستقلال. تعرّض بسبب نشاطه للاضطهاد، ما اضطره إلى مغادرة النجف إلى الناصرية، حيث واصل مقاومته، ثم عاد إلى النجف عام 1920. ومع تحولات الأربعينيات، ازداد حماسه بعد انخراط أبنائه في الحزب الشيوعي، فأخذ يستفيد من قراءاتهم السياسية في تطوير خطابه. لم يتردد في فضح الاستعمار وأعوانه، وكانت خطاباته تستقطب الجماهير، خاصة في المدن الجنوبية والطبقات الكادحة.
في حزيران 1947، حُكم على ابنه حسين (صارم)، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، بالسجن ست سنوات، ثم ما لبث أن أُعيدت محاكمته مع يوسف سلمان يوسف (فهد) وزكي بسيم (حازم)، وصدر حكم الإعدام عليهم. نُفذ الحكم بفهد وحازم في 14 شباط 1949، وأُعدم حسين في اليوم التالي، في واحدة من أكثر لحظات القمع السياسي قسوة. دُفنوا سرًا في النجف، ومنعت السلطة إقامة مجالس العزاء، ما ترك أثرًا بالغًا في حياة الشيخ، وأشعل ناره ضد النظام.
كان يردد في خطبه كلمات الإمام علي (ع): "ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع"، و"من ظلم عباد الله كان الله خصمه". واستشهد بكلمات أبي ذر الغفاري: "عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه؟".

في انتخابات 1954، رشّح الشيخ نفسه عن الحزب الشيوعي ضمن قائمة "الجبهة الوطنية" بدعم جماهيري واسع، حتى أن الناس قدموا تبرعات لتغطية رسوم الترشيح. غير أن السلطة زجته في السجن وهو في الحادية والثمانين، وأقصت المعارضة بالتزوير والمضايقات.
لم يكن نشاطه محصورًا في المنبر والسياسة فقط، بل ساهم أيضًا في تأسيس جمعيات ثقافية وخيرية، ودعا إلى نشر التعليم ومكافحة الجهل. وكان عضوًا في حركة "أنصار السلام"، التي هدفت إلى تعزيز السلم والعدالة. شارك في مؤتمرها المنعقد في تموز 1954 في بغداد، إلى جانب شخصيات وطنية مرموقة، كما حضر مؤتمرًا آخر في الكوفة، وأصبح عضوًا في لجنتها العراقية.
في خطاباته آنذاك، كان يستند إلى الآيات القرآنية وأحاديث النبي (ص) الداعية إلى السلم والتآخي، مؤمنًا بأن السلام الحقيقي لا يعني غياب الحرب فقط، بل تحقيق العدالة والمساواة.
إعدام حسين كان من أعظم المحن التي واجهها، وسعت السلطات إلى استغلاله للنيل منه، حتى اتهموه أن صرخته "يا حسين" في المجالس كانت موجهة إلى ابنه لا إلى الإمام الحسين (ع)! فرد قائلًا إنه اعتلى المنبر وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وسمّى ابنه تيمّنًا بالحسين، وإنه يفتخر بأن يكون ابنه شهيدًا. وقال في أحد المجالس:
وإن الألى بالطف من آل هاشم تأسّوا فسنّوا للكرام التآسيا
واجه الشيخ بعد ذلك المقاطعة والتهديدات، وتُرك وحيدًا إلا من قلة. مُنع من مورد رزقه، وتكررت الاستدعاءات الأمنية، لكنهم كانوا يخشون من غضب النجف، فكانوا يأتونه ليلًا. وكان الشباب يحيطون بسيارته عند ذهابه إلى المجالس، يحرسونه بدراجاتهم النارية ومسدساتهم.
أثناء العدوان الثلاثي على مصر، خُصص له شرطي لمراقبته، وكان يرسل ذلك الشرطي نفسه لقضاء حوائجه من السوق! وظل الشيخ على موقفه رغم كل ما تعرض له.
عند اندلاع ثورة 14 تموز 1958، كان في أوج مرضه، لكن عندما سمع بزغاريد النصر، سالت دموعه، وطلب أن يُعان على الجلوس، قائلاً: "الحمد لله، قبل أن أموت أشهد نهايتهم." خرج إلى الشارع، رغم مرضه، يهتف مع الجموع، وقال لابنه علي: "الثورة منحتني كامل الصحة!" وفي اليوم العاشر، صعد المنبر مخاطبًا الناس: "كما وعدتكم، لن أفارقكم حتى أقع صريعًا جوار المنبر."

لكن حالته الصحية تدهورت في أيلول، ونُقل إلى مستشفى بغداد الكبير بعد برقية خاصة من وزير الصحة بأمر الزعيم عبد الكريم قاسم. رافقه نجله علي، والشاعر محمد صالح بحر العلوم، والدكتور خليل جميل. دخل الغرفة مستندًا إلى علي، وتوفي في السادس من أيلول 1958، الموافق 21 صفر.
شُيّع الشيخ في موكب مهيب طاف شوارع النجف، ورددت المواكب الحسينية:
صاح المشيّع صاح... والد حسين الراح
قـــاهر الاستعمار... ومحرر الأفكار
سلم وعدالة يريد... والد حسين الراح
امتدت الفاتحة لأربعين يومًا، وشهدت حضور وفود من مختلف أنحاء العراق، أُلقيت خلالها عشرات القصائد والكلمات التأبينية.
لقد جسّد الشيخ محمد الشبيبي نموذج رجل الدين المثقف والمناضل، الذي لم يساوم على مبادئه، وبقي وفيًّا لقيم الحق والعدالة حتى آخر رمق. وسيظل اسمه رمزًا للصلابة والإيمان بالحرية، ومصدر إلهام لكل من ينشد الكرامة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر


المزيد.....




- يوميات اللبنانيين مع المسيّرات الإسرائيلية بين التعود والإنك ...
- هل بدأت إسرائيل علنا تقسيم -الأقصى- مكانيا؟ وكيف يمكن ردعها؟ ...
- إدارة ترامب توقف خطط تطوير مشاريع طاقة الرياح البحرية
- تفاصيل لعبة واشنطن وإسرائيل مع حزب الله
- عاجل | وزيرة الخارجية الأسترالية: يجب أن تنتهي معاناة المدني ...
- شاهد.. وثائق مزورة تغير مصير عشرات الآلاف من أطفال كوريا الج ...
- مصرع أكثر من 50 مهاجرا وفقدان العشرات في غرق مركب قبالة سواح ...
- مسؤول إسرائيلي: نتنياهو يريد تحرير الرهائن في غزة عبر -هزيمة ...
- بلدة -عقربا- الفلسطينية تودّع معين أصفر بعد مقتله على يد مست ...
- في ظل التوتر المتصاعد مع إسرائيل.. إيران ترفع جاهزيتها العسك ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الخطيب الثائر محمد الشبيبي