أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء














المزيد.....

عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 18:00
المحور: سيرة ذاتية
    


في تموز من عام 1935، حين صدرت أول صحيفة شيوعية في العراق، "كفاح الشعب"، بزغ مع الحروف الأولى عهدٌ جديد من الوعي والكفاح. ومن تلك الكوكبة التي سخّرت أقلامها في سبيل الحرية والعدالة، لمع نجم الشهيد عدنان عبد الله البراك، الذي لم يكن مجرد كاتب أو مثقف، بل مناضلًا آمن بأن الكلمة سلاح لا يقل مضاءً عن البندقية، وأن الصحافة هي درب من دروب الفداء.
ولد عدنان البراك عام 1930 في محلة الست نفيسة بالكرخ، بغداد. وما لبثت أسرته أن انتقلت إلى الحلة، حيث نشأ وترعرع بين ضفتي الفرات ونفحات التنوير. منذ صغره، اتجه نحو الأدب والفكر، فقرأ وهو في الابتدائية مؤلفات طه حسين ونجيب محفوظ، متشربًا بذور الحداثة والانفتاح، مما قرّبه إلى التيارات اليسارية والوعي الماركسي الناشئ.
كان قارئًا نهمًا، ومثقفًا شابًا ألقى أولى محاضراته عن الماركسية وهو في المرحلة الثانوية. عُرف في الحلة بذكائه وتفوقه، حتى أصبح يُدرّس أبناء الأسر المثقفة في بيوتهم، ويشغل موقعًا متميزًا بين شبابها. وبعد إكماله الثانوية بتفوق، التحق بكلية الطب في بغداد عام 1948، بالتزامن مع الوثبة الوطنية ضد معاهدة بورتسموث، التي شارك فيها بشجاعة.
في أجواء المد الطلابي اليساري، برز اسمه بين مؤسسي اتحاد الطلبة العراقي العام، وكان من أوائل من تولوا تنظيم العمل الحزبي بين كليات بغداد، وضم إلى الحزب أسماء بارزة لاحقًا في الفكر والقانون والاقتصاد. كما بدأ الكتابة في الصحف العلنية بأسماء مستعارة، وسرعان ما تحوّل إلى قلم حاد وواعي في "الأساس" و"الهادي"، محذرًا من القمع ومبشّرًا بالعدالة.
لكن السلطة لم تحتمل هذا الصوت. وبعد كشف أحد البيوت الحزبية، اعتُقل عدنان، وأصدرت عليه محكمة النعساني حكماً بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة. عُذّب، قُيّد بالسلاسل، لكنه لم يتراجع. رفض إغراءات نوري السعيد بالعفو والدراسة في بريطانيا مقابل التوقيع على توبة سياسية. أجاب خاله الذي توسّط له: "اخترت طريقي، ولن أخون رفاقي مقابل حريتي."
في سجن نقرة السلمان، برز دوره الفكري والتنظيمي، فحوّل الزنزانة إلى منبر للتثقيف والمقاومة، يختصر الأخبار من إذاعة مهربة، ويحرر المقالات والبيانات بخط يده على ورق خفيف يُهرّب داخل لفافات السجائر. وصفه رفاقه بأنه دماغ صحفي، حاد الفكرة، حسن الصياغة، ورصين العبارة.
بعد إطلاق سراحه إثر ثورة 14 تموز 1958، لم يفكر بالعودة إلى كلية الطب، بل كرّس نفسه للعمل الصحفي، فكان من أبرز المحررين والمعلقين السياسيين في جريدة اتحاد الشعب. كتب بصوته ولم يطلب مجدًا، حرّر افتتاحيات وتعليقات تُذاع بعد النشرة الإخبارية بصوت المذيع حافظ القباني، وكان صوته المؤثر يصل إلى كل بيت عراقي.
شارك في مؤتمرات دولية في الصين واليابان ممثلًا للطلبة العراقيين، ولم يكن مجرد مندوب بل حاملًا لهوية العراق التقدمي الحر. أشرف على تحرير مجلات وصحف عدة، وعمل مع قامات الصحافة أمثال الجواهري، وعبد الجبار وهبي، وسعدي يوسف، ورحيم شريف، وكان يُنظر إليه بوصفه دينامو التحرير، لا يغيب عن أي اجتماع، ولا يتأخر عن أي مهمة.
في شهادات رفاقه، يظهر عدنان البراك كما لو كان ناسكًا في محراب الكلمة. قليل الكلام، كثير الفعل. لا يُدخّن، لا يشرب، لا يلهو. زاهدٌ صلب، يرى في الصحافة مسؤولية وطنية لا وظيفة. كان مرجعية لعائلته، وملاذًا لإخوته، ومصدر ثقة حزبية لا غنى عنه.
لكن الظلام عاد في انقلاب 8 شباط 1963، وحلّت المجازر. اعتُقل عدنان من جديد، وتعرض لتعذيب وحشي، ومع ذلك لم يعترف بشيء. قال لجلاديه: "أنا رجل فكر، لا أملك ما يُخيفكم." وفي يوم أسود، اقتيد مع 36 رفيقًا إلى قبر جماعي في الحصوة، وقيل إنه دُفن حيًا على يد الحرس القومي.
قال عنه أحد رفاقه: "كان يسير إلى الموت واثق الخطوة، صامتًا، مبتسمًا، كأنه يعلم أن اسمه سيُكتب بدمه، لا بحبر مقالاته فقط."
وهكذا انطفأ جسده، لكن روحه ظلّت مشتعلة في ذاكرة الحزب، وفي ضمير كل من عرفه. بقي عدنان البراك شهيد الكلمة التي لا تموت، وحبرًا نقيًّا لم يمحُه التراب، ولا التجاهل، ولا تقلبات السياسة. إنه درسٌ خالد في أن الصحافة لا تكون حرّة إلا حين تُكتب بكرامة أصحابها، لا بإملاءات السلطة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة
- كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
- الخطيب الثائر محمد الشبيبي
- الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
- عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح ...
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي


المزيد.....




- تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي -لا ترضي أحد ...
- لندن تستضيف اجتماعاً أمنياً دولياً لبحث مبادرة ترامب للسلام ...
- حاخام إسرائيلي يهدد إيمانويل ماكرون بالقتل والنيابة العامة ا ...
- تركيا تواصل مكافحة الحرائق وتسجل أكثر شهور يوليو حرا منذ 55 ...
- كيف تحولت الأرض إلى كرة ثلج قبل 700 مليون سنة؟
- رئيس الوزراء العراقي: لا مبرر لوجود أي سلاح خارج المؤسسات
- لقاء أميركي قطري وأنباء عن مقترح جديد لوقف حرب غزة
- موسكو تحذر من -جهود جبارة- لعرقلة لقاء بوتين وترامب
- السيسي وفيدان يرفضان قرار إسرائيل احتلال غزة وتهجير الفلسطين ...
- الهند تعلن إسقاط 6 طائرات باكستانية خلال الحرب


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء