محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 11:14
المحور:
سيرة ذاتية
في الزمان الذي خفقت فيه رايات الحرب وتكسّرت على أعتابه أحلام الشعراء، كان فوزي الطائي يشقّ دربه بهدوء العارف وصبر العالم، شاعراً لا تلهيه رتابة المألوف، وباحثاً لا تغويه زينة القول إلا بما يخدم فكرة أو يضيء معنى. تنوّعت مجالاته كما تتنوّع الأزمنة في العراق، وتآلفت في شخصه الخبرة العسكرية والمعرفة الأكاديمية، والموهبة الأدبية مع البصيرة النقدية. إننا أمام شخصية متعددة الأبعاد، تتواشج فيها الرواية بالشعر، والدراسات القرآنية بالتنظير الإداري، في نسيجٍ قلّ أن تجتمع خيوطه في يد واحدة.
ولد فوزي علاوي الطائي في بابل عام 1955، تلك الأرض التي كانت وما تزال تولد الشعراء كما تولد نخيلها. درس العلوم العسكرية أولًا، وكأنما أراد أن يفهم صلابة الواقع، ثم ما لبث أن انحاز إلى رقّة اللغة العربية، ومنها إلى إدارة الأعمال، فحاز على شهادات ثلاث في البكالوريوس، أعقبتها درجات عليا حتى الدكتوراه في الإدارة العامة، ليؤسس بذلك قاعدة معرفية ثرية جعلت من قلمه مرآة لعقله، ومن نصوصه حصيلةً لخزين روحي ومعرفي متعدد المنابع.
في شعره، يظهر التوتر الخلاق بين الحنين والرفض، بين البكاء على ما تبقى، والاحتجاج على ما لن يجيء. ديوانه الأول خطوة أخرى صدر عام 1988، لكن هذه الخطوة لم تكن يتيمة، بل أعقبتها خطوات كثيرة في الشعر والرواية والنقد. ومن بين مجموعاته الشعرية، ما بكى يوسف لكن الذئب بكى عنوان يكشف حساسيته العالية في التعامل مع الرموز الكبرى، وتوظيفها في سياقات حديثة دون أن تبهت دلالتها. ومجموعاته ما تبقى لن يجيء، وما قد سبق، مآربٌ أخرى، في قصائده رائحة الألم النبيل، وثقافةٌ لا تستعرض نفسها، بل تشتغل في العمق، وفيها صدى لمعاناة العراقي الفرد والجماعة، بوجهٍ لا يخلو من سخرية لاذعة أو حكمةٍ صامتة.
وفي الرواية، برع الطائي في الإمساك بخيوط السرد العاطفي والسياسي والوجودي، كما في عفواً أيتها الشمس وكان لي قلب ومصرع الزعيم، لا نبكي غداَ، و وكان أمراً مقضياً، روايات تُحاور الذاكرة وتستنطق المسكوت عنه، وتعيد تركيب المشهد العراقي على ضوء التجربة الفردية، بوصفها مرآة للمحنة الوطنية. أما في النقد، فقدّم أعمالًا تجمع بين التحليل والتأمل، كما في كتابه أثر القرآن الكريم في الشعر العراقي الذي مثل محورًا لعدة أطروحات أكاديمية، ما يدل على عمق الرؤية ومتانة البناء الفكري، وله اصدارات أخرى تناولت جوانب مختلفة منها: سور القرآن الكريم: أسباب التسمية، قراءات في الأدب والحياة، أنى يكون لي وطن، نظم التخطيط الإداري للنبي يوسف في ضوء سورة يوسف، انوار الرحمن في آيات القرآن ، حقوق الإنسان في القرآن والسنة النبوية، القيادة التنظيمية - في ضوء مفاهيم قصص سورة الكهف، الصديقة الأولى / أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، أحمد الصافي النجفي / حكيماً و زاهداً .
إن الطائي لا يكتب من برجٍ عاجي، بل من ساحة يتداخل فيها السياسي بالثقافي، والديني باليومي، وقد كان لهذا التنوع أثره في إغناء تجربته الأدبية والعلمية، مما جعله موضوعًا خصبًا للعديد من الرسائل والأطاريح الجامعية التي درست شعره ورواياته من زوايا متعددة، بدءًا من البنية الأسلوبية إلى الفضاء الروائي، ومن دلالات التكرار إلى تجليات الهوية.
ولا يُمكن الحديث عن فوزي الطائي دون الإشارة إلى حضوره الفاعل في الإعلام والثقافة، إذ عمل في إذاعة بابل محررًا ومصححًا، ثم مديرًا لإذاعة الغد، ومسؤولًا لتحرير عدد من المجلات والصحف، ما يدل على انخراطه العميق في صناعة الكلمة وتوجيهها، كما أنه عضو في اتحادات أدبية وصحفية مرموقة داخل العراق وخارجه، فهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين ، عضو نقابة الصحافيين العراقيين، عضو جمعية الرواد الثقافية المستقلة، عضو اتحاد الأدباء العالمي.
- يعمل حالياً تدريسياً في جامعة المستقبل، ويواصل عمله الأكاديمي في جامعة المستقبل، ليبقى على تماسٍ حيّ مع الأجيال الجديدة.
يرى النقاد في فوزي الطائي صوتًا متفردًا داخل المشهد العراقي، شاعراً لا يتورط في الزخرف المجاني، وباحثًا يحفر في المعاني دون ادّعاء. يقول عنه بعضهم إنه «كاتبٌ يملك مفاتيح النص المتعدد، يتنقل من القصيدة إلى الرواية كما يتنقل المتأمل بين مشاهد الطبيعة، لا تفقد لغته وهجها، ولا يفقد صوته تميّزه». ويرى آخرون أن تجربته مثال على التوازن بين العقل والوجدان، وبين الالتزام الجمالي والهمّ الثقافي.
تناولت نتاجه الأدبي البحوث العلمية والرسائل والاطاريح الجامعية الآتية داخل وخارج العراق.
*بنية التكرار ودلالاتها الفنية في شعر فوزي الطائي / بحث علمي منشور
*المكان في رواية (كان لي قلب ) لفوزي الطائي / بحث علمي منشور
*بواعث المقاومة في شعر فوزي الطائي / بحث علمي منشور
*البنى الاسلوبية ودلالاتها البلاغية في روايات فوزي الطائي / رسالة ماجستير
*اثر القرآن الكريم في الشعر العراقي المعاصر / فوزي الطائي أنموذجاً / رسالة ماجستير مشتركة
*صور الجهاد والمقاومة في رواية ( عفواً ايتها الشمس ) لفوزي الطائي / رسالة ماجستير
*العناصر السردية في رواية (عفواً ايتها الشمس) / رسالة ماجستير
*الفضاء الروائي في رواية ( وكان امراً مقضياً) لفوزي الطائي / رسالة ماجستير
*ثنائية a في رواية (كان لي قلب ) لفوزي الطائي / رسالة ماجستير
*القصص القرآنية واثرها في السرد الروائي عند فوزي الطائي / اطروحة دكتوراه
*تجليات الهوية في روايات فوزي الطائي / رسالة ماجستير 2024
لقد اختار فوزي الطائي أن يكون مؤرخًا بالكلمات، لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يعيد قراءتها بنبرة الشعر وبصيرة الباحث. شاعرٌ لا يفر من واقعه بل يغامر في تعريته، كاتبٌ يوقن أن الكلمة حين تتأصل تصبح فعلًا، وأن الفكرة حين تتجذر تُنبت وطنًا من المعنى. وبين الشعر والنقد والرواية، يبقى الطائي صوتًا لا يُشبه سواه، وأثرًا لا يُمحى من ذاكرة الأدب العراقي المعاصر.
له شعر كثير سواء ما نشر في دواوينه أو في الصحف والمجلات العراقية والعربية ومن شعره قصيدته (مـآربٌ أُخـرى) وهذه القصيدة تستحضر تجربة وجدانية عميقة، يتداخل فيها الحنين، والتأمل في الزمن، والإشادة بالجمال، في نسيج شعري يمتزج فيه العاطفي بالرمزي، والرومانسي بالتأملي، بلغة جزلة وإيقاع واثق. وفيما يلي تحليل موجز لأبرز ملامحها:
1. الثيمة العامة:
القصيدة تدور حول فلسفة الزمن والحب، وسير الإنسان في دروب الحياة، حيث يمتزج الحنين إلى الماضي بالأمل في العودة والانبعاث، ويصير الجمال الأنثوي رمزًا للوطن، أو للروح، أو لحالة وجدانية متعالية.
2. الزمن والرحيل:
"حياةٌ بها الإنسانُ آتٍ وراحلُ خُطاهُ عـلى كـرِّ الزمانِ منازلُ"
يفتتح الشاعر قصيدته بالتأمل في دورة الحياة، حيث يصبح الإنسان كائنًا عابرًا، تترسم خطاه في تقلبات الزمن، في توظيف رصين للفكرة الصوفية في العبور والتحول، وكأن كل منزل في العمر هو مرحلة من الإدراك أو الحنين.
3. العينان كرمز جمالي وكشاهد زمني:
وعـينيكِ .. والأعـوامُ تبقى شواهداً عَدولاً عَنِ الأحرارِ دوماً تُجادلُ"
العينان هنا ليستا فقط موضع الفتنة، بل هما أيضًا شاهدتان على الزمان والتغير والموقف من القيم. وفي مواضع أخرى تصبحان مصدر إشراق وأمل، وفجراً تهفو إليه الخمائل.
4. الحب والزمن والتحدي:
"كتبنا عـلى تلكَ الغـصونِ قـصائداً عـبرنا ليالي الهمِّ ، والهمُّ قاتلُ"
يمتزج الحب بالألم، والكتابة بالشهادة على تجربة مرة، وفي ذلك استحضار لمفارقات الشعراء العشاق، الذين كتبوا الحب تحت قسوة الليل، في تأكيد على أن الشعر يُكتب غالبًا من الوجع.
5. الرفض للمثبطين والتطلع إلى المجد:
"سنمضي .. ورودُ الروض تنثرُ عـبقها وما راعــنا في الدربِ قـيلٌ وقائلُ"
في نبرة فيها اعتداد وثقة، يعلن الشاعر عزمه على مواصلة السير رغم كل ما يقال، في توظيف بلاغي يعكس الإرادة والتجاوز، يتكرر لاحقًا بصيغة أشد عزماً:
"نعـودُ .. بعـونِ اللهِ .. والعَـودُ أحْمَدُ ويشقى هُناكَ الشامتونَ العواذلُ"
6. التقابل بين الحسي والروحي: في البيت التالي:
"وكُلُّ نساءِ الأرضِ باتتْ بحيرةٍ جمالُكِ مِنْ أيِّ الكواكبِ نازلُ ؟"
يتجاوز الشاعر وصف الجمال المادي ليصل إلى منطقة الحيرة الوجودية، حيث يصير الجمال فوق أرضي، سماوي الأصل، ويعجز عن إدراكه مقياس المقارنة الأرضي.
7. اللغة والإيقاع: القصيدة مكتوبة بلغة فخمة، مشبعة بالمجاز والرمز، وفيها معجم شعري كلاسيكي: (الشموس، الخمائل، المجد، الغصون، الهم، العواذل، المحافل...). وتستند إلى تفعيلة البحر الكامل (متفاعلن) التي تمنح النص تدفقًا ومرونة تجمع بين الجرس الموسيقي والانسيابية الوجدانية.
خلاصة التحليل: والقصيدة نشيد وجداني طويل النفس، تستبطن رؤية فلسفية للحياة والحب والمجد، وتستدعي نماذج الجمال الأنثوي لترسم ملامح سمو متعالٍ على الواقع. تتناوب فيها نغمة الشوق والإصرار، والحنين والاعتزاز، وينسج الشاعر من التفاصيل الخاصة تجربة إنسانية عامة، تتجه من الذات إلى المطلق.
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟