أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - قيس الجنابي الناقد الذي حرّك سواكن النص، وفتّش في ضمير التراث














المزيد.....

قيس الجنابي الناقد الذي حرّك سواكن النص، وفتّش في ضمير التراث


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 14:04
المحور: سيرة ذاتية
    


في المشهد الثقافي العراقي والعربي، ثمة أسماء لا تمرّ مرورًا عابرًا، بل تقف مثل منارات فكرية تضيء للسالكين طريق المعنى، وتدلل على مخبوءات الذاكرة، وتستخرج كنوز النصوص من طبقاتها السحيقة. ومن هذه القامات الناقد والباحث الدكتور قيس كاظم الجنابي، الذي وهب عمره للتنقيب في التراث، وقراءة التحولات، واستبطان المعاني الخفيّة في الشعر والسرد والتاريخ والأنثروبولوجيا.
وُلد قيس الجنابي في الأول من تموز عام 1951 في ناحية جرف الصخر، قرب مدينة المسيب، شمال محافظة بابل. وكأن التربة التي أنجبته، بما فيها من إرث حضاري ممتد من بابل إلى أور، قد أورثته شغف الكشف، وقلق السؤال، ونهم المعرفة. من المدرسة الابتدائية في جرف الصخر، التي حملت لاحقًا اسم "مدرسة الكرامة"، بدأ وعيه يتفتّح، وتكوّنت أولى بُذور الحلم بالمعرفة. وواصل تعليمه في ثانوية المسيب، ومنها إلى كلية الآداب بجامعة البصرة، حيث نال شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، واضعًا بذلك قدميه على عتبة الطريق الذي سيقطعه لاحقًا بعزيمة لا تلين.
لم يكن قيس الجنابي أسير التخصص الضيق، بل واصل دراسته العليا في اتجاهات فكرية متداخلة، فحاز على الماجستير في الوثائق والمخطوطات، ثم نال شهادة الدكتوراه في التراث الفكري، حيث درس في أطروحته أثر الشعر في تدوين الأحداث التاريخية خلال العصر الأموي، مسجلاً بذلك انفتاحًا مبكرًا على التداخل العميق بين الأدب والتاريخ.
لكن ما يميز الجنابي، ليس فقط هذا التكوين الأكاديمي المتين، بل شغفه الثقافي الذي تجاوز الحدود الجامعية ليصير مشروع حياة. انشغل بتفكيك البنى الثقافية، وقراءة المعاني الراسبة في النصوص، وتعقب تحولات الوعي العربي من عصور ما قبل الإسلام حتى اللحظة الراهنة. وتجلّى هذا الشغف في مؤلفات تجاوزت الخمسين عنوانًا، غطّت مجالات شتى: من النقد الأدبي إلى التاريخ الثقافي، ومن التراث الشعبي إلى أنثروبولوجيا الطعام والجسد، ومن السرديات والمقامات إلى التصوف، بل حتى التجسس في التراث العربي لم يغب عن عدسته النقدية المتوهجة.
إن كتبه ليست مجرد أعمال نقدية، بل مشاريع بحثية متكاملة، ذات نفس موسوعي، مثل: "الحكاية التراثية"، "الصعلكة وتجليات ما بعد الحداثة"، "شعرية المفارقة"، "المطبخ العربي"، "الرحلات الاستشراقية إلى العراق"، و"الرواية العراقية بعد الاحتلال الأميركي"، وغيرها كثير. وفي كل عمل من هذه الأعمال، كان قيس الجنابي لا يكتفي بالقراءة من الخارج، بل يتوغل في طبقات النص، باحثًا عن جدله الداخلي، عن علاقته بالمجتمع، عن أثر السلطة والذاكرة فيه، وعن جذور البنية الجمالية والفكرية.
لقد تنقل بين الصحافة الثقافية، والمهرجانات، والجامعات، وندوات النقد، وملتقيات الفكر، فجمع بين صوت المثقف العمومي، ودقة المحقق، وبصيرة المؤرخ، وحسّ الناقد الفني. كتب في "الزمان"، و"المشرق"، و"السيادة"، كما شغل موقعًا فاعلًا في جريدة الأديب الثقافية، وكان عضوًا مؤسسًا في ملتقى الإسكندرية الأدبي، وعضوًا في المجلس المركزي لاتحاد الأدباء في العراق.
لكن ما رأي النقاد فيه؟
إن تجربة قيس الجنابي النقدية أثارت إعجاب كثير من دارسي الأدب العربي المعاصر، لما فيها من تنوع، وجرأة، وعمق. كتب عنه نقاد عراقيون وعرب بوصفه أحد أبرز الأصوات النقدية التي لم تستسلم لمزاج السوق الثقافي، ولم تُغرها بريق الموجات العارضة. قال عنه أحد النقاد: "هو الناقد الذي يعيد قراءة النص بعيون ثلاث: عين التاريخ، وعين اللغة، وعين المخيال الثقافي، فلا يضيّع تفصيلة، ولا يتورط في قراءة عجلى".
وعدّه آخر من القلائل الذين يملكون ما يُسمى بـ"الذاكرة النقدية الطويلة"، تلك التي لا تنبهر بالجديد لمجرد جدته، بل تمتحن كل نص على محك التجربة والمعنى. وآخرون وصفوه بأنه "عابر للتخصصات"، لا لأنه يهيم في العموميات، بل لأنه يقتحم الحقول المعرفية ويعيد ربطها بجذرها الثقافي العربي، كما في أعماله عن الجسد، والطعام، والتصوف، واليهود في التاريخ العربي، وهي موضوعات عادة ما تُترك لغير المتخصصين في الأدب، لكنه خاضها بلغة الناقد الرصين وبمنهج الباحث المتقصي.
أما في مضمار الشعر، فقد وقف الجنابي ناقدًا يُحسن الإنصات إلى "جمرة الشعر في موقد الحزن"، كما عنوَن أحد كتبه، وغاص في شعر الستينيين، وحلل خطاب حميد سعيد، وأضاء المفارقة، والصورة، والرمز، والشذرة، فكان قارئًا لأعماق الشعر لا لسطوحه.
**
إن قيس الجنابي، في جوهره، ليس مجرد ناقد ولا مجرد باحث. إنه "مثقف موسوعي النزعة، له قلب شاعر، وذهن مؤرخ، ولسان ناقد". يتنقل بين العصور كما لو أنه معاصر لها جميعًا، يقرأ التراث كما يُقرأ الحاضر، ويستحضر الأساطير لا ليمجّدها، بل ليستنطقها. وحين يكتب عن الصعلكة أو الجنون أو الرحلة أو المرأة أو الجسد أو المقامة أو الحرب أو السجون أو المطبخ أو الحكاية الشعبية، فإنه لا يفعل ذلك بوصفه موضوعًا أدبيًا فقط، بل بوصفه مفتاحًا لفهم الثقافة العربية نفسها، بأسرارها وتجلياتها ونواقصها أيضًا.
لهذا كله، لا يمكن أن يُذكر المشهد النقدي في العراق الحديث دون أن يُخصّص فصلٌ طويلٌ لهذا الرجل، الذي علّمنا كيف يكون النقد موقفًا، لا مهنة. وكيف تكون الكتابة، في جوهرها، مشروعًا لفهم الذات قبل أن تكون وصفًا للآخر.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد مبارك بين الفلسفة والنقد الأدبي
- ناجح المعموري رحالة الأسطورة والفكر في فضاء الثقافة العراقية ...
- مضر النجار الموسوي شاعر الضفتين، ولسان الحرف المتأمل
- وئام كريم الموسوي حين تتفتّح القصيدة بأنوثة الجنوب وروح بابل
- زهير عبد الرزاق محيي الدين العالمُ الذي حملَ العراقَ في قلبه ...
- عبد الجبار عباس: قامة نقديّة باسقة
- فوزي الطائي شاعر القصيدة المتأملة وباحث النصوص العميقة
- حسام آل زوين.. بين جمر التجربة ولهيب الكتابة
- سلام كاظم فرج القاص والناقد الذي كتب بضمير الوطن
- فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة
- الشاعر أكرم بخيت حين يُزهرُ الحزنُ على ضفاف الفرات
- ولاء الصواف حين تصير الأرض شعرًا والقصيدة خريطة للروح
- عدنان سماكة نبض الحلة الثقافي وسادن التراث
- عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال
- عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء
- صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة
- كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة


المزيد.....




- 3 مسؤولين إسرائيليين لـCNN: إسرائيل تدرس ضم أجزاء من الضفة ا ...
- -القصة هنا هي فلسطين-.. ناشطون يبحرون نحو غزة في أكبر محاولة ...
- السعودية..أسماء 8 مواطنين ومغربي كرمهم الملك سلمان بميدالية ...
- المملكة المتحدة تغلق سفارتها في القاهرة بعد إزالة الحواجز ال ...
- الحوثيون يشيّعون رئيس حكومتهم ومسؤولين قتلوا في ضربة إسرائيل ...
- بن غفير يمنح سكان 5 بلدات إسرائيلية رخصًا لحمل الأسلحة النار ...
- قطيع أبقار يقتل رجلا نمساويا ويصيب زوجته في هجوم -غير متعمد- ...
- فورمولا 1: الفرنسي الجزائري إسحاق حجار.. انطلاقته الواعدة قص ...
- -أغالب مجرى النهر-: رواية تحمل في طياتها تاريخ الجزائر الحدي ...
- زيلينسكي يتوعد بالرد على هجمات روسيا وفون دير لاين تؤكد وجود ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - قيس الجنابي الناقد الذي حرّك سواكن النص، وفتّش في ضمير التراث