|
زهير عبد الرزاق محيي الدين العالمُ الذي حملَ العراقَ في قلبه... ومضى
محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 11:30
المحور:
سيرة ذاتية
في زوايا الزمن المنسي، تنبثقُ من ذاكرة الوطن أسماءٌ لم يُنصفها الضوء، لكنها ظلّت مشاعلَ منيرة في ممرات الظلمة، منها يطلّ وجه الدكتور زهير عبد الرزاق محيي الدين، بملامح العالم الأصيل، الذي لم يُغره بريق السلطة ولا ارتضى أن يكون شاهد زور في زمن الارتباك والادعاء. وُلد زهير عام 1939في عائلة عراقية عرفت قيم العلم والنزاهة، وكان أبوه، الدكتور عبد الرزاق محيي الدين، علَمًا في ميدان الثقافة والسياسة، استاذا في جامعة بغداد وعميداً لكلية التربية ونائباً لرئيس الجامعة ورئيساً للمجمع العلمي العراقي لأكثر من عقد من السنين، وعضوًا في مجامع اللغة العربية ووزيرًا في عهد الرئيسين عبد السلام محمد عارف وشقيقه عبد الرحمن محمد عارف ، ومنه ورث زهير نُبل الموقف وصرامة المبدأ. البدايات العلمية ووهج التكوين منذ فتوته الأولى، كان مشبعاً بروح القومية والوحدة، لكنه ما لبث أن انسحب من العمل السياسي بعد انقلاب 8 شباط 1963، ليدرك أن العقل أرفع من أن يُستثمر في الصراعات. كان البعثيون يكنّون له العداء لأنه لم يُوالهم، فدفع ثمن الصدق والاعتدال، وقد كتب في مطلع شبابه بعض المقالات الأدبية في صحيفة "الحرية" وغيرها، ثم انصرف عنها إلى العلم، لكن نزعة الأدب ظلت تسري في لغته وكلماته وتعليقه على الحياة. وكان زهير مشدودًا إلى عالمٍ من الأسئلة، عالم الكيمياء، ذلك الميدان الذي لا يحتمل الزيف ولا يقبل أنصاف الحقائق. حصل على بكالوريوس في الصيدلة من كلية الصيدلة بجامعة بغداد عام 1962، في زمنٍ كانت فيه بغداد تشهد زخمًا معرفيًا قلّ نظيره. ثم بعثته الحكومة العراقية بزمالة لأنه الأول على دفعته ليحصل ماجستير كيمياء صيدلانية - جامعة كولورادو - بولدر - الولايات المتحدة الأمريكية ١٩٦٥، ثم دكتوراه كيمياء صيدلانية - جامعة أوهايو الرسمية - كولومبس - أوهايو - الولايات المتحدة الأمريكية ۱۹۷۰، و باحث مشارك بمنحة من جامعة أوهايو. وهو إنجاز علمي آنذاك لم يكن سهل المنال. ولم تكن الرحلة الأكاديمية مجرّد مسار وظيفي بالنسبة له، بل كانت خيارًا وجوديًا، يخوضه كما يخوض المتصوف طريقه نحو الحقيقة، بإخلاص وإيمان، لا طلبًا للوجاهة بل توقًا للمعرفة. بين العلم والوطن: أستاذ الصيدلة في محنة السياسة لكن العودة إلى الوطن لم تكن يسيرة. فحين هبطت الطائرة في مطار بغداد عام 1969، غاب زهير في غياهب الأمن العام، كما لو أن البحث عن الحقيقة أصبح جريمة. ولولا وساطات كبرى، على رأسها تدخل صديق والده وخدينه الدكتور أحمد عبد الستار الجواري الذي توسط لدى الرئيس أحمد حسن البكر، لبقي الرجل في طيّ النسيان. خرج من الزنزانة بجسد منهك وروح مشتعلة بالأسئلة. ولم يكن في حسبانه أن وطنه سيغدر بعلمائه، فقد ظنّ أن الشهادة التي يحملها ستكون جواز عبور لخدمة بلاده، غير أن الدكتاتورية لا تُطيق استقلال العقل. أما الوظائف واللجان التي شارك فيها فهي: مدرس كلية الصيدلة - جامعة بغداد ۹۱ - ۱۹۷۰، مدير معهد البحوث النووية وعضو لجنة الطاقة الذرية ثم رئيساً لها ۱۹۷۳ ، أستاذ مساعد - كلية الصيدلة - جامعة بغداد. أستاذ - كلية الصيدلة - جامعة بغداد . رئيس قسم الصيدلة السريرية - كلية الصيدلة - جامعة بغداد، رئيس قسم الكيمياء الصيدلانية - كلية الصيدلة - جامعة بغداد. عضو مجلس الجامعة - جامعة البتراء، خبير في المجمع العلمي العراقي، عضو لجنة البحث العلمي - جامعة البتراء، عضو لجنه الدراسات العليا - جامعة البتراء، عضو تحرير مجلة البصائر - جامعة البتراء، أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الصيدلانية والعقاقير - جامعة البتراء، ونال مرتبة الأستاذية (بروفسور) عام 1986، شغل الدكتور زهير عدّة مواقع علمية مرموقة، منها: رئيس قسم علوم الحياة – كلية العلوم – جامعة بغداد. مدير مركز بحوث السوق وحماية المستهلك. عضو اللجنة العلمية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. عضوية لجنة صدام للعلوم (الدولية) (1988-۱۹۹۰). - شارك في عضوية لجان علمية مشكلة من رئاسة ديوان الجمهورية الدائرة العلمية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، وزارة الصحة. - شارك كرئيس أو عضو في العديد من اللجان على مستوى كلية الصيدلة أو الجامعة. - شارك في لجان شكلت في المجمع العلمي العراقي بوصفه خبيرا في العلوم الدوائية. مؤلفاته وبحوثه العلمية: ترك الدكتور زهير عبد الرزاق محيي الدين أثرًا علميًا لا يُمحى في مجال اختصاصه، ومن أبرز مؤلفاته: ومن أبرز مؤلفاته العلمية بالإنجليزية: 1- Essentials of Medicinal Chemistry 2- Essentials of Medicinal Chemistry Updated (1069 صفحة، عام 2005). 3- Patents Registration (1264 صفحة، عام 2008). ومن أهم بحوثه: فسيولوجيا الخلية (مرجع جامعي معتمد في عدد من الجامعات العراقية والعربية). أساسيات الحياة الخلوية (دراسة تحليلية موسعة عن النشاط الحيوي في الخلايا). الوظائف الحيوية الدقيقة – بين العلم والطب (كتاب تبسيطي موجه لطلبة الطب والعلوم). التغيرات الفسلجية في الخلية نتيجة العوامل البيئية – بحث منشور في مجلة العلوم البيولوجية العراقية. التأثير التبادلي بين الأدوية والأنزيمات الخلوية – بحث مشترك مع باحثين من ألمانيا، نُشر في مجلة دولية محكمة. وفي ميدان الإشراف الأكاديمي، خرّج العشرات من طلبة الماجستير والدكتوراه، وشارك في لجان مناقشة علمية في العراق وخارجه، وحرص على ترسيخ القيم العلمية الرصينة. مشاركاته العلمية: شارك في أكثر من 20 مؤتمرًا علميًا، داخل العراق وخارجه، منها المشاركة في العديد من المؤتمرات الصيدلانية والكيميائية والدوائية على مستوى القطر والوطن العربي وأوربا وأمريكا واليابان متمثلاً في بغداد القاهرة، تونس، عمان، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، النمسا، سويسرا، قبرص، ليماسول، فرنسا مونت كارلو ، طوكيو، لبنان، الإمارات العربية. حاضر في عدد من الجامعات العربية والجامعات الأجنبية كأستاذ زائر، منها: جامعة أوهايوا في امريكا الجامعة الأردنية، جامعة اليرموك، وجامعة دمشق. وهو عضو مؤسس في الجمعية العراقية لعلوم الحياة. وعضو في الجمعية البريطانية لعلوم الخلية. وحصل على براءة الاختراع في مجال معالجة مرض الشلل الخاص وبراءة اختراع لتخليق مركبات جديدة في الجهات العلمية التي طلبت الأبحاث وتم طلب العديد من المركبات المخلقة من قبل معهد بحوث السرطان الأمريكي شركة بولين كاربيد الأمريكية ومعهد بارن البريطاني للبحوث. لكن خلف هذه الإنجازات، كان هناك إنسان... صامت، هادئ، متواضع، يبتعد عن الأضواء. كتب عنه الدكتور حميد مجيد هدو واصفاً إياه بـ"رجل العلم الصامت". أدار مجلس والده الثقافي الأسبوعي بعد رحيله، فكان حلقة وصل بين الفكر والتراث، وحين فرض الحصار على العراق في تسعينيات القرن الماضي، ضاق الحال حتى على العلماء. قرر زهير أن يبحث عن رزق يليق بكرامته، فسافر ليُدرّس في الخارج، ورفض أن يكون واحداً ممن انحرفوا عن جادة العلم تحت ضغط الحاجة.فاضطر الى مغادر العراق إلى عمّان. العراق في القلب.. والأردن مأوى الوجع استقر الدكتور زهير في الأردن، البلد الذي ضمّه بعد أن ضاقت به أرض النهرين، فدرّس في جامعاتها، وواصل رسالته بهدوء وصبر. لم يبع علمه، ولم يهادن في مواقفه، عاش كما عاش أحرار الفكر، بسيطًا، معتزًا بكبريائه، حزينًا على وطنٍ أدار ظهره لصفوته. ورغم الغربة والخذلان، لم ينقطع عن فعل الخير ولا عن مواصلة دوره كأكاديمي ملتزم، فكان مرجعًا علميًا في تخصّصه، ونموذجًا للطلبة في الخُلُق والعلم. والذين عرفوه عن قرب أدركوا أن زهير لم يكن مجرد أستاذ كيمياء، بل كان حاملًا لرسالة التنوير، يقاوم بها التخلف والتجهيل. تابع عطاءه البحثي بعد 2008، فاشتغل على تخليق مشتقات جديدة كمضادات للسرطان، ومركبات للتقليل من أضرار الجذور الحرة، ومثبطات سايكلو أوكسجيناز ((COX ومضادات الأكسدة المرتبطة بأمراض الدهون في الدم. وقد نالت أبحاثه دعم مؤسسات علمية منها أكديما. رجل العلم الذي لم يُهادن الذين التمسوا طريقًا إلى الدكتور زهير وجدوا فيه ذلك النموذج المتواري عن الأضواء، الذي لا يبحث عن مجدٍ زائف ولا شهرة عارضة، بل عن صدقٍ داخلي ينسجم فيه القول مع الفعل. لم يكن خطيبًا ولا صاحب حضور إعلامي، لكنه ترك أثرًا أعمق في النفوس، أثر العالم النزيه، الذي خسر في ميزان السياسة لكنه ربح في ميزان الضمير. في كل منعرج من حياته، ظل زهير عبد الرزاق محيي الدين وفيًا لإرثه المعرفي والأخلاقي، رافضًا أن يساوم على كرامته أو علمه، وحين طوّحت به الغربة، لم يكن في قلبه سوى خيبة العارف، لا نقمة الجاهل. كلمة أخيرة في حقه ليس من السهل أن تُنصف رجلًا مثل الدكتور زهير في كلمات، فهؤلاء الذين نذروا أنفسهم للعلم ولم ينحنوا أمام البطش، مكانهم الحقيقي ليس في صفحات الكتب، بل في ضمير الوطن، وفي ذاكرة الأجيال التي ينبغي أن تتعلّم كيف يُحترم العقل، ويُكرَّم العالِم، لا يُزجُّ به في المعتقل. كان واحدًا من أولئك الذين يجمعون بين وهج الفكر وحرارة الانتماء، بين رصانة المختبرات ولهيب القضايا. ليس عالمًا فحسب، بل حاملُ همٍّ، ومشتغلٌ على ضوء الحقيقة في زمنٍ كثر فيهُ الزيفُ وغاب فيه الاعتبار لأهل العلم. زهير عبد الرزاق محيي الدين، رجلٌ عبر بصمت، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى، بين دفاتر الكيمياء وصفحات النكبة العراقية، ظلّ وفيًا لنفسه، لوطنه الذي لم يفِ له، ولمهنةٍ باتت في زماننا هذا أقرب إلى الجهاد: مهنة الأستاذ الحقيقي. وأخيراً وافاه الأجل بعد صراع مرير اثر مرض عضال عصر يوم الجمعة ١٦ - ٥ - ٢٠٢٥ في عمان- المملكة الأردنية الهاشمية ونقل جثمانه الى مدينة النجف الاشرف ليدفن في مقبرة الاسرة الخاصة بوادي السلام بناء على وصيته.
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الجبار عباس: قامة نقديّة باسقة
-
فوزي الطائي شاعر القصيدة المتأملة وباحث النصوص العميقة
-
حسام آل زوين.. بين جمر التجربة ولهيب الكتابة
-
سلام كاظم فرج القاص والناقد الذي كتب بضمير الوطن
-
فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة
-
الشاعر أكرم بخيت حين يُزهرُ الحزنُ على ضفاف الفرات
-
ولاء الصواف حين تصير الأرض شعرًا والقصيدة خريطة للروح
-
عدنان سماكة نبض الحلة الثقافي وسادن التراث
-
عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال
-
عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء
-
صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة
-
كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
-
صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
-
عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
-
في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
-
الخطيب الثائر محمد الشبيبي
-
الشهيد الذي كتب بالحبر والدم: عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)
-
عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضح
...
-
قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
-
عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
المزيد.....
-
تمامًا مثل النبيذ.. مطعم يقدم قائمة خاصة للمياه لاستكشاف نكه
...
-
-لا شرير ولا حاجة-.. نجيب ساويرس يثير تفاعلا بتدوينة عن الإج
...
-
مشهد بديع.. -نوافير من الحمم البركانية- بارتفاع 30 مترا مع ث
...
-
الصحة النفسية: كيف يمكن أن يقودنا التهويل والتفكير السلبي إل
...
-
السودان.. النازحون يعودون إلى الخرطوم بحثاً عن حياة جديدة وس
...
-
بولتون لـDW: ترامب يشعر بالغيرة من كبار العالم كبينغ وبوتين
...
-
انتقام رئاسي ـ تحقيقات ومداهمات بالجملة ضد خصوم ترامب
-
هآرتس: الجيش يحذر من تداعيات احتلال مدينة غزة
-
صور خاصة للجزيرة تظهر حجم الدمار في حي الصبرة جنوبي مدينة غز
...
-
حماس ارتكبت كل شيء.. كيف صنعت إسرائيل سردية وجودية لتبرير حر
...
المزيد.....
-
أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة
/ تاج السر عثمان
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
المزيد.....
|