أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - محمد مبارك بين الفلسفة والنقد الأدبي














المزيد.....

محمد مبارك بين الفلسفة والنقد الأدبي


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 13:01
المحور: سيرة ذاتية
    


في سماء النقد الأدبي العربي، يسطع نجم محمد مبارك بوصفه واحدًا من أبرز الأصوات التي حفرت لها أثرًا لا يُمحى في ذاكرة الثقافة المعاصرة. كان ناقدًا فذًا، متسلحًا بمنهجٍ رصين، ووعيٍ عميقٍ بالأدب، استطاع من خلاله أن يجمع بين أصالة التراث وحيوية الحداثة، مقدّمًا قراءات متأنية وابتكارية للنصوص الأدبية، جعلت من اسمه عَلَمًا على سعة الرؤية وتنوع المنهج.
ولد محمد مهدي مبارك عام 1939 في مدينة الحلة بمحافظة بابل، في بيئة ثقافية غنية غذّت شغفه المبكر بالأدب والشعر. وما أن أنهى دراسته الأساسية والثانوية في العراق حتى اتّجه إلى جامعة بغداد، حيث حصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ثم نال لاحقًا شهادة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي، وهو ما أتاح له أن ينهل من معين الثقافتين العربية والغربية في آنٍ معًا.
امتدت اهتماماته لتشمل الإعلام والسينما والمسرح، إذ تقلّد عدة مناصب إعلامية، وشُهد له بالخبرة في مجالات الثقافة العراقية. وكان اختياره النقد الشعري وليد انسجام داخلي عميق؛ فقد وجد فيه مساحة تعبير أقرب إلى ذاته، بحسب ما يراه متابعوه.
بدأ مبارك مسيرته النقدية عام 1960، فكتب في قضايا الشعر وعلم الجمال، وتوغّل في ميدان الفلسفة، لا سيما الفلسفة العربية والإسلامية، مشاركًا في تأسيس اتحاد الأدباء العراقيين عام 1959، وناشطًا في المؤتمرات الأدبية على صعيد الوطن العربي. تنقّل بين مواقع وظيفية مؤثرة، فترأس فرع المسرح، وعمل محررًا في صحيفة "الزمان" الأردنية قبل عام 2003، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة "الأقلام" بعد التغيير، وأسهم في إذاعة وتلفزيون العراق ببرامج ومساهمات ثقافية بارزة.
ترك محمد مبارك خلفه نتاجًا فكريًا غنيًا، من أبرز مؤلفاته:
1. الكندي فيلسوف العقل، كتاب الجماهير، العدد السادس، 1966.
2. مواقف في اللغة والأدب والفكر، دار بيروت، 1974، طُبع أيضًا في دار الفارابي بيروت ومكتبة النهضة ببغداد.
3. دراسات نقدية في النظرية والتطبيق، منشورات وزارة الإعلام، الجمهورية العراقية.
4. نظرات في الفكر العربي-الإسلامي الوسيط، 1986.
5. الوعي الشعري ومسار حركة المجتمعات العربية المعاصرة، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2004.
6. مقاربات في العقل والثقافة، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2004.
7. مقالات في الفلسفة العربية الإسلامية، وزارة الثقافة، العراق، ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، 2013.
8. محاولة في فهم شخصية الفرد العراقي، دار ميزوبوتاميا، بغداد، الطبعة الثانية، 2010.
كما كتب ثلاث مسرحيات: الإنسان والقضية، الشاعر والصعلوك، الاختيار الصعب، وفيها جسّد رؤاه الفكرية ضمن نصوص درامية ذات طابع فلسفي وإنساني.
لم يكن مبارك ناقدًا فحسب، بل موسوعيّ المعرفة، غاص في أعماق الأدب، والفكر، والتاريخ، والسياسة، والاجتماع، والفلسفة القديمة والحديثة، وعلم النفس، وقد وظّف كل ذلك في مشروعه الثقافي، فكان التاريخ يحضر في مسرحه، والفلسفة في نقده، والفكر التقدمي في مجمل أعماله. وقد اختار في أواخر أيامه أن يغوص أكثر في القضايا الفلسفية، ملتزمًا بمبادئه الفكرية، ومُعبّرًا عنها بأسلوبه المميز.
تميّز أسلوب محمد مبارك النقدي بجمعه بين العمق والوضوح، فكانت كتاباته تُقرأ بذات الشغف من قِبل القارئ العادي والمتخصص معًا. آمن بأن النقد ليس فعلاً أكاديميًا جافًا، بل حوار حيّ مع النصوص والمجتمعات، يجسّد ما يختلج في وجدان الأمة من قضايا وهموم.
في منهجه، كان يمزج بين التراث النقدي العربي والمناهج الغربية الحديثة، مستلهمًا من البنيوية، والتاريخية، والنفسية، ليقدّم تأويلات جديدة للنصوص العربية. وكان يرى أن التراث الأدبي العربي لا يُفهم إلا باستحضار السياق الاجتماعي والثقافي الذي أنتجه، لذلك كان اهتمامه ينصب على كشف الأبعاد الإنسانية والفكرية الكامنة خلف النص.
سعى مبارك إلى تجديد النظرة للأدب العربي القديم، فجاوز التلقين والحفظ، واتجه إلى كشف جماليات الشعر العربي بلغة تحليلية معاصرة، عارضًا أساليبه التعبيرية، ومصورًا فنياته بدقّة، فكان من أبرز من درس العلاقة بين الأدب والمجتمع، مبرزًا دور الكاتب في التعبير عن تطلعات الناس وآلامهم.
ولعل أحد أبرز إنجازاته أنه ساهم في إدخال المناهج النقدية الغربية إلى السياق العربي، ولكن من دون نسخٍ أعمى، بل مع تكييف ذكي يراعي خصوصية الثقافة العربية. فالنقد عنده أداة لاختراق النص وتفكيكه، لا مجرد زينة أكاديمية.
ترك محمد مبارك أثرًا بالغًا في الحياة الثقافية العراقية والعربية، إذ شكّلت كتبه ومقالاته مرجعًا لا غنى عنه للدارسين والنقاد، وأسهمت في تشكيل وعي نقدي جديد أكثر انفتاحًا وجرأة. وكان قلمًا فاعلًا في الصحافة الثقافية، يناقش قضايا الأدب والمجتمع في آن، مؤمنًا بدور الكلمة في تهذيب الذائقة وبناء الإنسان.
رحل محمد مبارك عام 2007، لكنه خلّف وراءه ميراثًا فكريًا زاهرًا، ما زال حيًّا في مكتبات الباحثين وضمائر القرّاء، وما زالت رؤاه النقدية تنبض في أعمال من تتلمذوا على خطاه أو اقتفوا أثره في دروب الأدب والنقد.

المصادر
عوض، عبد الرضا (2010م) ، أدباء وكتاب بابل المعاصرون، ج1 ط2 دار الفرات للطباعة والنشر.
المرزوك، صباح نوري، تكملة أدباء الحلة،@@@



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناجح المعموري رحالة الأسطورة والفكر في فضاء الثقافة العراقية ...
- مضر النجار الموسوي شاعر الضفتين، ولسان الحرف المتأمل
- وئام كريم الموسوي حين تتفتّح القصيدة بأنوثة الجنوب وروح بابل
- زهير عبد الرزاق محيي الدين العالمُ الذي حملَ العراقَ في قلبه ...
- عبد الجبار عباس: قامة نقديّة باسقة
- فوزي الطائي شاعر القصيدة المتأملة وباحث النصوص العميقة
- حسام آل زوين.. بين جمر التجربة ولهيب الكتابة
- سلام كاظم فرج القاص والناقد الذي كتب بضمير الوطن
- فلاح الرهيمي حارس الفكرة وناقل الشعلة
- الشاعر أكرم بخيت حين يُزهرُ الحزنُ على ضفاف الفرات
- ولاء الصواف حين تصير الأرض شعرًا والقصيدة خريطة للروح
- عدنان سماكة نبض الحلة الثقافي وسادن التراث
- عبد الله كوران الشاعر الذي أعاد ترتيب أنفاس الجبال
- عدنان البراك... مسيرة النور والوفاء
- صلاح حسن شاعر الطفولة والغربة وصوت العبور إلى ضفاف جديدة
- كوكب حمزة مُلحِّن النَّغَم الثائر ورفيق المنفى الطويل
- صادق الطريحي الشاعر الذي مشى إلى اللغة بأجنحة من رؤيا
- عادل حبه: شاهد قرنٍ مضرجٍ بالخيبات والأمل
- في عيد الصحافة الشيوعية... حين تُقاتل الكلمة
- الخطيب الثائر محمد الشبيبي


المزيد.....




- قمة الصين الأمنية: هل تشهد ولادة تحالف جديد ضد النفوذ الأمري ...
- خارجية بريطانيا تتحدث عن إغلاق مؤقت لمبنى سفارتها في مصر
- في الضفة.. كيف -تعاقب- إسرائيل الدول التي ستعترف بفلسطين؟
- الولايات المتحدة تعلق تأشيرات حاملي جوازات السفر الفلسطينية ...
- فيديو.. انفجار كبير بمخزن أسلحة في مدينة مصراتة الليبية
- القضاء الأميركي يعاند ترامب في -أزمة الـ600 طفل-
- زلزال يهز أفغانستان وباكستان.. ومخاوف من احتمال وفاة المئات ...
- بعد أبو عبيدة.. إسرائيل تتوعد قادة حماس في الخارج
- بعشرات الآلاف.. خطط أوروبية لإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا ...
- بري يطرح الحوار تحت سقف استراتيجية الامن الوطنية


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - محمد مبارك بين الفلسفة والنقد الأدبي