أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ناضل حسنين - الحضارة بين الإنتاج والحضانة














المزيد.....

الحضارة بين الإنتاج والحضانة


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 07:28
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


الحضارة ليست أبراجًا شاهقة ولا متاحف مترفة، بل قدرة عقل جماعي على أن يولّد فكرًا جديدًا، أن يضع حجرًا أصيلًا في بناء الإنسانية بدل الاكتفاء بتلميع حجارة الآخرين. بين "الحضانة" و"الإنتاج" يكمن الفرق الحاسم: أن تكون مجرد مستودع يستقبل ما يُنتَج هناك، أو أن تتحوّل إلى ورشة أولى في التاريخ لإبداع لم يسبق.
مدن مثل بغداد العباسية وقرطبة الأندلسية ارتقت إلى مقام حواضن للمعرفة. لم تكن بالضرورة مخترعة للعلوم من الجذر، لكنها احتضنت إرث الفرس والهنود واليونان، صقلته، ووزعته على العالم. هذا الدور لم يكن ضئيلًا، بل كان جسرًا بين أزمنة وحضارات، محطة استقبال وصهر ونقل. لكنه ليس الدور الذي يمنح الأمة حق الريادة المطلقة، بل يجعلها وصيّة على ميراث الآخرين.
اليوم تتكرر الصورة بشكل أكثر صخبًا ولمعانًا. أبراج دبي الشاهقة، متاحف أبو ظبي التي تعرض روائع العالم، جامعات تستورد خبراء من أقاصي الأرض... كلها شواهد على قدرة الاستضافة. لكنها تكشف عجزًا عن إنتاج داخلي، عن ولادة إبداع محلي يسير من القاعدة إلى القمة.
إن حاضن الحضارة يستثمر المال ليشتري مجدًا مُعلّبًا، بينما منتج الحضارة يستثمر العقل ليبتكر من جديد. الأولى تعكس وفرة مالية وقدرة على الاستقدام، والثانية تنبع من مشروع طويل الأمد في العقول والتعليم والبحث.
الحضانة شكل من أشكال "الاستهلاك المترف": تجميع، استيراد، تعديل، تكييف. أما الإنتاج فهو القدرة على إخراج شيء لم يكن هنا من قبل. العقل المنتج يضيف إلى السجل الإنساني ما هو جديد: نظرية، قانون علمي، عمل فني أصيل، تقنية تغيّر شكل الحياة. وهذه الفوارق تحدد ما إذا كانت الأمة صانعة للمستقبل أو مجرد عارضة لمعارض الآخرين.
اليابان بعد حرب مدمّرة لم تكتفِ باستيراد التكنولوجيا، بل جعلت الجودة والبحث العلمي بوصلة، فتحولت إلى قوة كبرى. كوريا الجنوبية خرجت من عباءة التقليد إلى موقع مصدّر لأفكار وتكنولوجيا غزت العالم. الصين بدورها انتقلت – رغم بدايتها كمصنع للآخر – إلى مختبر يهدد مركزية الغرب. التحولات الكبرى جاءت من الاستثمار في الإنسان، من بناء مدرسة تربي مفكرين لا مستوردين، من إطلاق الحرية التي تجعل النقد والابتكار ممكنين.
في المقابل، تبقى مجتمعات كثيرة ــ ومنها العالم العربي ــ أسيرة لدور الحاضن. تمتلك المال والصروح، لكنها لا تملك القاعدة: لا جهازًا تعليميًا يحرّض على السؤال، ولا بيئة بحثية تحتضن التجربة الحرة غير المؤطرة، ولا سياسة ترى في الإنسان أعظم استثمار. حضارتنا الحديثة تُبنى من القمة للأسفل: برج عالمي، معرض دولي، لكنها تفتقد الأساس الذي هو حرية الفكر وتحفيز الخيال.
الريادة ليست في اقتناء نسخة من اللوفر، بل في إنجاب فن يستحق أن يُعرض في اللوفر. ليست في تشييد أطول ناطحة سحاب، بل في تطوير تقنية بناء تصبح معيارًا عالميًا. ليست في استضافة أذكى العقول من الخارج، بل في خلق بيئة تجعل العقل المحلي يولّد ما لم يُحلم به بعد.
بين الحضانة والإنتاج مسافة فاصلة بين الاستعراض والجوهر. الحضانة مهمة، لأنها تحفظ وتنقل، لكنها ليست خاتمة المطاف. أمة تُبنى مستقبلها على الاستهلاك ستظل في الظل مهما بلغت ناطحات سحابها. وحدها الأمة التي تستثمر في العقول، في حرية السؤال، في مختبرات الحقيقية، هي التي تتحول إلى شريك كامل في كتابة سيرة الإنسانية.
الحقيقة الصادمة أن الكثير مما نراه من المباني والفعاليات اليوم هو صورة في المرآة، براقة وساحرة لكنها انعكاس لإنجاز غيرنا. السؤال الذي يواجهنا بلا رحمة: متى نملك القدرة على أن نصير مرآة للآخرين، لا مجرد حاضنين لما أنجزوه؟



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير
- نربي القاتل ونبكي القتيل..
- مآذن الصمت العربي


المزيد.....




- عالم الزومبي في انتظارك.. خيال يتحوّل إلى واقع في قلب أبوظبي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد بـ-إعصار هائل- سيضرب مدينة غزة ا ...
- عاجل: عملية إطلاق نار في القدس ونجمة داوود الحمراء تبلغ عن إ ...
- -طريق طويل وتحديات-..ماكرون يعين فرانسوا بايرو رئيسا للوزراء ...
- فرنسا ـ الإعلان عن تشكيل رابع حكومة خلال عام واحد
- الاتحاد الأوروبي ـ تراجع طلبات اللجوء بعد سقوط نظام الأسد
- فرنسا - تصويت حاسم في الجمعية الوطنية يهدد بانهيار حكومة باي ...
- بيديْن مبتورتين.. فتاة يمنية تتحدى الإعاقة بالتفوّق الأكاديم ...
- مسيّرة إسرائيلية تبتر أطراف طفل داخل غرفته في غزة
- رحلة نهرية إلى صرح العظماء في قلب بافاريا


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ناضل حسنين - الحضارة بين الإنتاج والحضانة