ناضل حسنين
الكاتب الصحفي
(Nadel Hasanain)
الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 12:54
المحور:
المجتمع المدني
يُعد المشهد الانتخابي العربي في إسرائيل لوحةً معقدةً تتشابك فيها خيوط الولاءات والانقسامات، وتتداخل فيها الدوافع الدينية والقومية والبراغماتية. ففي كل جولة انتخابية للكنيست الاسرائيلي، تبرز تساؤلات جوهرية حول سلوك الناخب العربي: ما الذي يحركه نحو صناديق الاقتراع؟ وما هي الاعتبارات التي تشكل خياراته السياسية؟
بعيدًا عن الأرقام الجافة لنتائج المقاعد في الكنيست (120 مقعدا)، يكمن جوهر الفهم في الغوص عميقًا في دوافع هذا الناخب، وتحليل التشكيلات السياسية الأربعة الرئيسية التي تتنافس على صوته: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، القائمة العربية الموحدة، التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير.
هنا سأسعى إلى تفكيك هذه التعقيدات، وتقديم تحليل للولاءات المتعددة التي تحكم قرار الناخب العربي الفلسطيني في إسرائيل او ما يعرفون بـ "عرب الداخل"، مستعرضًا الأبعاد الدينية والقومية والبراغماتية التي تشكل نسيج هذا السلوك الانتخابي الفريد.
ثقل ديني ومرجعية روحية
تُعد القائمة العربية الموحدة (التيار الإسلامي) لاعبًا رئيسيًا وثابتًا في المشهد الانتخابي العربي في إسرائيل. يرتكز ثقلها الانتخابي بشكل كبير على قاعدة جماهيرية من المتدينين والمحافظين، وغالبًا ما يكونون من الفئات العمرية الأكبر سنًا. بالنسبة لهؤلاء الناخبين، يتجاوز الانتماء الديني مجرد كونه جزءًا من الهوية الشخصية ليصبح مرجعية سياسية عليا، تتقدم على أي اعتبارات قومية أو مدنية أخرى. الثقة بقادة الموحدة لا تنبع فقط من برامجهم السياسية، بل تتجذر في اعتبارهم مرشدين روحيين، على غرار الثقة التي يوليها المصلون لمرشدهم في المسجد. هذا الولاء العميق يفسر صمود قاعدة الموحدة، حتى في ظل غياب نوابها أحيانًا عن النقاشات السياسية اليومية في الكنيست، أو تباين أدائهم البرلماني.
تُشكل المساجد، الحلقات الدينية، والفعاليات الاجتماعية المرتبطة بالدين شبكة دعم قوية للقائمة الموحدة، تعمل على تعزيز هذا الولاء وتأصيله في الوعي الجمعي. هذه الشبكة لا تقتصر على الجانب الروحي فحسب، بل تمتد لتشمل تقديم الخدمات الاجتماعية والمساعدات، مما يخلق رابطًا عضويًا بين القائمة وناخبيها. هذا الارتباط يجعل قاعدة الموحدة صلبة نسبيًا، ويصعب اختراقها من قبل التشكيلات السياسية الأخرى التي قد تركز على قضايا قومية أو مدنية بحتة. إن فهم هذا البعد الديني والاجتماعي هو مفتاح تحليل سلوك التصويت لهذه الشريحة الكبيرة من الناخبين العرب، التي ترى في الموحدة تجسيدًا لقيمها ومبادئها الدينية في الساحة السياسية.
البحث عن التمثيل القومي والمدني
على النقيض من القائمة العربية الموحدة، تبرز الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير كقوى سياسية تركز على الانتماء القومي والفكر السياسي العلماني كأولوية قصوى. يجذب أنصار هذه التشكيلات عادةً شرائح مجتمعية مختلفة، تشمل الشباب، والمثقفين، والطبقة المتوسطة، الذين يتطلعون إلى تمثيل سياسي يدافع عن الحقوق المدنية، ويطالب بالعدالة الاجتماعية والمساواة الكاملة للمواطنين العرب داخل إسرائيل.
تُعنى هذه الفئات من الناخبين بالمواقف الفعلية للنواب، وتُقيّم أداءهم البرلماني بناءً على مدى التزامهم بالقضايا الوطنية والاجتماعية. هم ليسوا مجرد ناخبين سلبيين، بل يشاركون بفاعلية في النشاطات الثقافية والسياسية، ويتابعون الأخبار والمناقشات البرلمانية عن كثب. هذا الاهتمام العميق بالشأن العام يعكس وعيًا سياسيًا متزايدًا ورغبة في التأثير على مسار الأحداث، بعكس من يركزون على الولاء الديني كمعيار وحيد للتصويت.
تُقدم الجبهة نفسها كحزب يساري يتبنى قضايا السلام والتعايش والعدالة الاجتماعية، بينما يشدد التجمع على الهوية الفلسطينية وحقوق الأقلية القومية في إسرائيل. أما الحركة العربية للتغيير، فتتبنى نهجًا براغماتيًا يركز على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين العرب من خلال العمل البرلماني. هذا التنوع في التوجهات يعكس تعددية في الرؤى داخل المجتمع العربي، حيث يسعى كل تيار لتحقيق أهدافه من خلال مسارات سياسية مختلفة، لكنها جميعًا تلتقي في نقطة المطالبة بالمساواة والعدالة للمواطنين العرب في إسرائيل.
الناخبون العرب والأحزاب اليهودية
لا تكتمل الصورة المعقدة لسلوك التصويت العربي في إسرائيل دون الإشارة إلى فئة، وإن كانت أقل عددًا، إلا أنها مؤثرة في المشهد الانتخابي: المواطنون العرب الذين يختارون التصويت لأحزاب يهودية، سواء كانت يسارية أو يمينية. هذه الفئة تمثل استثناءً لافتًا يوضح أن الولاء السياسي لدى بعض العرب يمكن أن يكون قائمًا على اعتبارات براغماتية ومصالح عملية، بعيدًا عن الانتماء الديني أو القومي الصرف.
غالبًا ما يكون هؤلاء الناخبون أفرادًا يربطون خياراتهم السياسية بمصالحهم المباشرة، أو يرون في الأحزاب اليهودية وسيلة أكثر فاعلية للحصول على نفوذ سياسي، أو لتأمين مشاريع اجتماعية واقتصادية لمجتمعاتهم. قد يكون دافعهم هو السعي لتحقيق مكاسب ملموسة، أو إيجاد حلول لمشاكل يومية، أو حتى الرغبة في الاندماج بشكل أكبر في النسيج السياسي والاقتصادي للدولة. هذا السلوك يعكس نظرة واقعية للسياسة، حيث يُنظر إلى الانتخابات كأداة لتحقيق الأهداف، وليس بالضرورة تعبيرًا عن هوية أيديولوجية صارمة.
إن وجود هذه الفئة من الناخبين يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى فهم السلوك الانتخابي العربي في اسرائيل، ويؤكد على أن التنوع داخل المجتمع العربي يتجاوز الانقسامات التقليدية بين التيار الديني والقومي. إنه يبرز وجود تيار ثالث، وإن كان صغيرًا، يتبنى نهجًا نفعيًا، حيث تكون المصلحة هي المحرك الأساسي للقرار الانتخابي، مما يفتح الباب أمام تحالفات غير متوقعة وتغيرات في الخريطة السياسية.
الخلاصة: تنوع الولاءات وتعقيد المشهد
في الختام، يتضح أن سلوك التصويت للناخب العربي في إسرائيل ليس ظاهرة أحادية البعد، ولا يمكن اختزاله في معادلة بسيطة من الوحدة الوطنية أو الانتماء الديني. بل هو نسيج معقد من الولاءات المتعددة والدوافع المتشابكة التي تتفاعل لتشكل خيارات الناخبين في كل انتخابات.
يلعب الدين دورًا رئيسيًا ومحوريًا لدى جزء لا يستهان به من المجتمع العربي، حيث يرى هؤلاء في القائمة العربية الموحدة تجسيدًا لمرجعيتهم الروحية وقيمهم المحافظة. في المقابل، يسعى تيار آخر، يضم الشباب والمثقفين والطبقة الوسطى، إلى تمثيل سياسي علماني أو وطني يدافع عن حقوقهم المدنية والقومية، ويطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية.
ولا يمكن إغفال الفئة البراغماتية التي تختار التصويت لأحزاب يهودية، مدفوعة بمصالح عملية آنية أو سعيًا للحصول على نفوذ ومكاسب ملموسة. هذه الفئة، وإن كانت أقل عددًا، إلا أنها تسلط الضوء على البعد النفعي في السلوك الانتخابي، وتؤكد أن القرار السياسي يمكن أن ينبع من حسابات واقعية بعيدًا عن الأيديولوجيات الصارمة.
إن هذا التنوع في الدوافع والولاءات يجعل أي تحليل للانتخابات العربية في إسرائيل مهمة معقدة تتطلب فهمًا عميقًا للسلوك اليومي للناخب العربي، وليس مجرد الاكتفاء بالنظر إلى نتائج صناديق الاقتراع. فخلف كل صوت، تكمن قصة من التطلعات، الانتماءات، والمصالح التي تشكل معًا لوحة غنية ومتغيرة باستمرار في المشهد السياسي الإسرائيلي.
#ناضل_حسنين (هاشتاغ)
Nadel_Hasanain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟