ناضل حسنين
الكاتب الصحفي
(Nadel Hasanain)
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 08:31
المحور:
القضية الفلسطينية
في البدء كانت فلسطين. ثم جاء النفط، فجف الحبر، ونشف الدم، وتحولت الكوفية إلى مفرش طاولة في مطبخ عربي صغير يوزع النسيان مع الشاي.
يا أمة هجرت النخوة واستبدلت الخيل بسيارات الدفع الرباعي، هل ما زالت فلسطين قضيتك، أم أنها مجرد لافتة غبارية ترفع في مؤتمرات البروتوكول ثم ترمى بجانب شعار "معاً نحو المستقبل"؟
في كراسات الصف الرابع، فلسطين "قضية العرب المركزية". في الواقع، هي المركز الوحيد الذي أُغلق لأعمال الصيانة منذ نصف قرن. اليوم، قضيتنا المركزية هي: كيف نزيد شحنة الكهرباء نصف ساعة؟ كيف نهرب من الوطن بقارب مطاطي؟ كيف نكون مطبعين… ونبدو وطنيين في ذات الوقت؟
غزة الآن؟ ليست مدينة. إنها مسرحية، تؤدي فيها المجاعة دور البطولة، وتتنافس القذائف على جائزة الإخراج الحي. طفل يموت من الجوع؟ خبر عاجل. يموت الثاني؟ تقرير خاص. يموت الثالث؟ فقرة إنسانية في منتصف الليل على قناة تبث المسلسلات التركية المدبلجة.
هل شاهدتم صور الأطفال؟ لا بأس. المهم ألا تنسوا الضغط على "إعجاب" و"اشتراك في القناة". أما التضامن؟ فصار نوعاً من الأكل النباتي: يحافظ على صورتك الاجتماعية دون أن يزعج معدتك الدبلوماسية.
السياسي العربي اليوم تاجر شنطة في سوق الأوهام. يبيعنا خريطة فلسطين على فنجان قهوة، ثم يعتذر بأن "الواقع معقد". نعم، الواقع معقد، لكن التعقيد الحقيقي في صمتكم، في أرواحكم المحنطة التي تذرف الدموع على شرفات تويتر ثم تنام مرتاحة الضمير على وسادة من بيانات الشجب.
الفلسطيني الآن يشاهد جنازته تبث على الهواء مباشرة، بينما جيرانه العرب يتجادلون إن كانت الكاميرا تصور بجودة 4K أم لا. يموت واقفاً، وهم يشربون نخب الواقعية السياسية مع ثلج التطبيع.
يا سادة، نكبتنا ليست الاحتلال. نكبتنا أن قادتنا صاروا شهود زور في جنازة اسمها "الكرامة". نكبتنا أن العروبة تحولت إلى جنسية افتراضية تمنح مع كل اشتراك إنترنت، بينما غزة تحولت إلى بقعة جغرافية لا تدخلها الشاحنات إلا بعد أن تستأذن خريطة المصالح الغربية.
هل نحن عرب؟ لا أدري. لكننا بالتأكيد نجحنا في أمر واحد: ترويض أنفسنا حتى أصبحنا نشاهد المجازر كأننا نتابع مباراة تنس. فلسطين لم تعد قضية العرب، فقد صارت فضيحتهم.
#ناضل_حسنين (هاشتاغ)
Nadel_Hasanain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟