أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ناضل حسنين - الجريمة تنهش عرب الداخل














المزيد.....

الجريمة تنهش عرب الداخل


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 16:17
المحور: المجتمع المدني
    


غمرتنا الجريمة كما يغمر العفن جرحا مفتوحا بقي بلا علاج. نطرب لأزيز الرصاص، ونغفو على فحيح الكراهية، فما العجب إن أفقنا على صراخ جارتنا وقد قتل ابنها الشاب للتو!! نتثاءب نتململ ونتأفف ثم نواصل الشخير!
هل نحن مجتمع حيّ؟ لا.. بل نحن مقبرة متنقلة فيها القاتل يتجول بثقة، والمقتول يُدفن بصمت، والشهود يكتفون بعبارات مثل: "حسبي الله ونعم الوكيل"، لا حول ولا قوة إلا بالله" ..لا يا سادة، خير لكم أن تبتلعوا السنتكم وأن تخرسوا بدلا من الإقرار بالضعف المهين.
حين يفوق عدد ضحايا الجريمة خلال خمسة أشهر ونيف المائة وعشرين ضحية..وحين يكون بينهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم خمس سنوات ومسنون تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما.. حين تقتل النساء أمام أعين اطفالها.. وحين تفجر المركبات بمن فيها.. وحين يقتل مدير المدرسة وإمام المسجد والتاجر المعروف والعامل الأمين.. فلنقرأ الفاتحة على أرواحنا منذ الآن..
لا يمكن اعتبار كل هذه الدماء جرائم فردية، بل هي مجتمعة قد أصبحت جريمة مجتمع يقتل أبناءه.. مجتمع انزلق إلى الضعف والاستسلام بتقاعسه وصمته ومواربته لأبوابه.. مجتمع يتمترس خلف النجاة الفردية لكل أفراده ولسان حاله يقول: ليكن التسونامي من خلف بابي!
وأما حين تنضم فئة المسؤولين إلى هذا النهج العقيم والأناني، نكون قد بلغنا الجحيم بكل تأكيد، ومن لم يشعر بسخونة اللهب اليوم، لا بدّ أنه سيتعثّر بالجمرة غدًا..
لقد روّضونا على الصمت... وعودونا على الموت التافه... فتعلمنا صمت الخراف، يسوقوننا إلى المسلخ وحيلتنا الوحيدة الثغاء!
أرأيتم أن لا جدوى من الإضرابات الرتيبة كرتابة الفعاليات في روضة الأطفال؟ لا جدوى يا "متابعة"... لا جدوى يا نوابنا... لا جدوى يا مشايخنا.. لا جدوى يا بلدياتنا... فالسلاح في بيوتنا، لا في بيوتهم... وعلى الزناد أصابعنا، لا أصابعهم... العيب فينا أولًا... الجريمة من صنعنا أولًا... نحن القَتَلة، ليسوا هم... نحن المجرمون، ليسوا هم... ونحن الضحايا، ليسوا هم!
نودّع كل يوم الضحية التالية إلى المثوى الأخير... نغضب ونلطم وندفنها، ثم نُعرب عن حزننا وأسفنا بأغلظ العبارات وأعمقها... ثم تبرد فينا الحماسة وتذبل ذيولنا وتتدلى حتى تختفي بين الساقين... لأن حليب طفولتنا كان ملغّمًا بجينات العنف والجريمة.
وقعت الجريمة التالية وشيّعنا الجثمان إلى المقبرة المزدحمة، ثم غادرناها ولم نسأل عن اسم الضحية.. انتهى الحدث، وأعاد الصحفيون الميكروفونات إلى حقائبها، والأقلام إلى جعابها.. انفضّ المعزّون كلٌّ إلى نفسه، وتوقّف سيل الأخبار والتهامس، واتشح أهل الراحل بالسواد في انتظار موعد زيارة القبور. انصرف الجميع، وراح أهل المصيبة يكنسون آثار الحدث، ليترسخ في الذهن إلى الأبد.
وفي خيمة العزاء، وعلى مدار ثلاثة أيام، توافد الناس زرافات زرافات.. جلّهم جاء للتنصت، لا للتعزية.. ثم خفتت الأضواء والأصوات. تلفّت "الزجّال" من حوله فلم يجد كاميرات تصوّره، ولا جموعًا تصغي إليه، فأدرك أنه ليس بطلًا حتى لموقف كئيب كهذا، وإنما "بطل الحكاية" هو ذاك الشاب المبتسم في الصورة على الجدار.
تنهد "الزجّال"، والإحباط يهزمه، فأخرج منديلا مبلّلا من جيبه، كذاك الذي تمسح الأم به مؤخرة رضيعها.. تلفّت مرة أخرى من حوله، وحين لم يرَ سوى نفسه متكرشًا يقف فوق طرف ظله، مسح المساحيق عن وجهه، وغادر إلى الظل بلا تصفيق ولا انحناء.. في انتظار الجريمة القادمة!



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة..
- يوم -القيامة- ..
- المواطن في إسرائيل يدخل كتاب غينيس
- المسيحي الفلسطيني...
- إيران تستعرض... وإسرائيل تنفّذ
- من المسجد الى الكنيست..
- حل الدولتين.. الميت الذي نرفض دفنه
- نشيد الكوفية والشخير الوطني
- ما أشبه اليوم بالأمس..
- إضاءة على التطهير العرقي لعرب الداخل
- إيلون ماسك: عبقري أم مهووس؟
- ترانيم العصائر..
- حين تكون -اللي- أكثر فصاحة من -الذي-
- مفتاح الشرف تحت الخاصرة
- حكايتي مع المجرمين..
- لا تأكلوا -صديقها-!
- كلمة لا بد منها..
- وهم الخلود: فكرة اخترعناها فحكمتنا
- مآسينا التي لم نعد نحفظ أرقامها..
- -فما أطال النوم عمرًا..!-


المزيد.....




- سوريا: اعتقال ابن عم بشار الأسد بتهم تهريب المخدرات ودعم الم ...
- الأونروا: فلسطين أطول أزمة لجوء في العالم -لم تحل بعد-
- الأونروا: فلسطين أطول أزمة لجوء في العالم لم تحل بعد
- الضفة.. اعتقال 21 فلسطينيا في اقتحامات إسرائيلية
- إيران: اعتقال 31 شخصاً متهمين بالتجسس ودعم الكيان الصهيوني
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضرورة العودة للتفاوض بشأن الملف النوو ...
- غارديان: الاتحاد الأوروبي وجد مؤشرات على انتهاك إسرائيل حقوق ...
- الأمم المتحدة: إسرائيل تمنع دخول شحنات الوقود إلى غزة منذ 16 ...
- للسيطرة على حركة المهاجرين نحو بريطانيا.. الشرطة الفرنسية تع ...
- اعتقال عميلين للموساد في طهران وجاسوس في كهكيلوية وبوير احمد ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ناضل حسنين - الجريمة تنهش عرب الداخل