أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناضل حسنين - ترانيم العصائر..














المزيد.....

ترانيم العصائر..


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


تناهت الى سمعي ترانيم اغنية عذبة بصوت مجموعة من الأطفال عبر النافذة في صبيحة الجمعة وأنا أتكاسل في صبيحة أيام العطلة كعادتي، فقلت أتوجه الى الشرفة لأستوضح مصدر الصوت العذب وأنهل منه لأرتوي.
قبل أن أصل الشرفة، اتضح كل شيء، إذ تمكنت من التعرف على هذا الصوت وعلى نغمات هذه الأغاني قبل أن أطل من شرفة منزلي وأرى مبعثها، يبدو ان الطقس دافئ هذا الصباح.
إنه البائع المتجول الذي يجوب شوارع حارتنا في ساعات الضحى ليبيع العصير بكاسات من البلاستيك شفافة ومرنة ورخيصة، والذي صار الجميع يتعرف عليه بمجرد ان يسمع نغمات الاغاني التي يطلقها. تنبعث منها أناشيد دينية بأصوات أطفال كالتي كنا نستمتع بها عبر فضائية "كراميش" او "اطفال الجنة". إنها أغان بدون مرافقة موسيقية، بل إيقاع منفرد لا أكثر. وهي أناشيد تتغنى بحب الله ولا محور آخر لمواضيعها.
أنظر إلى البائع الذي يعرفه الجميع في حارتنا، فأراه شيخًا في الأربعينات يجوب شوارع بلدنا بسيارة من نوع "تندر" تعود صناعتها الى سنوات التسعينيات، وقد جعلها الشيخ دكانا متجولا فيه ثلاجة تستمد طاقتها من بطارية السيارة وهي تحافظ على برودة العصير بألوانه ومذاقاته المختلفة والثلج فيه لعدة ساعات مهما كان الطقس حارًا.
ورغم أنني لا أحسب على المتدينين، إلا أنني أشعر بدغدغة لذيذة وببهجة تستفز سعادتي عند سماع هذه الأصوات الرائعة النقية الرنامة وأتخيلها قريبة من الترانيم الدينية في الكنائس لعذوبتها وصفاء ألفاظها.
المشهد يستحق التمعن والمتابعة والتأمل، بينما شمس الصباح الدافئة تحاول رفع أهدابي الثقيلة وقهوتي تحاول غسل ذهني من مخلفات الليل.
تشدني حركات هذا الشيخ كيف يبيع العصير لزبائنه من المارة وخاصة الصغار الذين يحبون العصير بألوانه الزاهية الأحمر والزهري والأصفر والأخضر ومذاقاته المختلفة الليمون والنعناع والتوت. وأعتبر نفسي محظوظًا بهذا المشهد الرائع وبهذه الأنغام المرافقة له، فأحمد ربي على أنني لم أستيقظ هذا الصباح على عبارة: "اللي عنده نحاس خربان للبيع".
يجتاحني شيء من الزهو وأنا أقف في شرفتي حاملًا فنجان قهوتي أصغي إلى أصوات الملائكة تشدو من مكبر الصوت فاعتبرتها تحية لظهوري، فيزيد هذا من غروري ولا أجمل من بداية كهذه ليوم الراحة.
توقفت سيارة البائع على جانب الشارع في الجهة المقابلة لمنزلي، فأصبح المشهد أمامي كامل الوضوح. ترجل الشيخ السائق البائع من قمرة القيادة ووقف الى جانب صندوق سيارته، (الدكان) مستعدًا ومنتظرًا قدوم الزبائن. وزبائنه عادة من الصغار الذين ما ان يسمعوا صوت هذه الأناشيد حتى يضربوا الأرض بأقدامهم أمام أمهاتهم طالبين النقود لشراء هذا الشراب.
لم ينتظر الشيخ طويلًا وإذا بسيدة تجر صغيرها في الشارع تتوقف وتشتري له ولنفسها كأسين من العصير البارد بلونين أحمر وأصفر وتنصرف سائرة تحتسي مع صغيرها ذات الشراب، نوع من المساواة بين الأم وطفلها سعد له الصغير كثيرًا.
وفي الطرف الآخر من الشارع ألحظ طفلًا يكاد يكون في الخامسة من عمره يمسك بيد شقيقته التي تبدو أصغر منه، وقد تجمد على حافة الشارع ينتظر مرور سيارة تفصله عن البائع، قبل أن يركض نحوه.
البائع يشير للطفلين الشقيقين الصغيرين بالانتظار مكانهما حتى تمر السيارة، فأرى الطفل يمسك بقوة بيد أخته الصغيرة لكي لا تفاجئه بقطع الشارع، ثم ينظر يسارًا ويمينًا قبل أن يجرها بكل حرص نحو سيارة البائع وهو يغمض يده الأخرى على النقود وكأنه يقبض على أمنية على وشك أن تتحقق.
تابعت الطفلين وقلت في نفسي، إلهي ما أجمل هذا المشهد. واسترسل ذهني: لعل هذا الطفل ضرب شقيقته في البيت قبل ذلك بدقائق، ولعله رفض أن يشاركها لعبته المفضلة، ولعله سارع ليشي بها الى أمه كي تعاقبها، ولعل الصغيرة ردت عليه بنفس التصرفات… ولكنهما هنا في طريقهما إلى البائع يبدوان أكثر شقيقين حرصًا على بعضهما في العالم قاطبة. الآن أيقنت أن مصائر الأشقاء تنصهر لتصبح مصيرًا مشتركًا خارج البيت وتعود لتنفصل إلى مصائر مختلفة في بيت الأسرة.
أخذ كل من الطفلين شرابه، وقطعا الشارع بمساعدة الشيخ البائع عائدين باتجاه بيتهما، كل يحمل سعادته الغامرة بلونه المفضل في كأس من البلاستيك شفاف ومرن ورخيص.
أفرحني هذا المشهد كثيرًا وتمنيت لو أتجول برفقة هذا الشيخ الجليل الذي يبيع الفرحة في شوارع بلدي ليطعم أطفاله في البيت، وكم تمنيت لو يكتمل ذوق هذا الشيخ الهادئ الجميل بطلته البشوشة فيعتمر الكوفية والعقال ليبدو واحداً من شيوخ بلدتنا، بدل هذه الخلطة الغريبة لملابس تجمع الافغاني مع الخليجي.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تكون -اللي- أكثر فصاحة من -الذي-
- مفتاح الشرف تحت الخاصرة
- حكايتي مع المجرمين..
- لا تأكلوا -صديقها-!
- كلمة لا بد منها..
- وهم الخلود: فكرة اخترعناها فحكمتنا
- مآسينا التي لم نعد نحفظ أرقامها..
- -فما أطال النوم عمرًا..!-
- أميطوا النقاب عن التعليم!
- كلمة وفاء لصديق سوري راحل..
- قيمة الحياة بين الأنا والوطن
- إنه العار وليس الضمير..
- الديمقراطية: بين التقليد والحرية الفردية
- تعال نفكر معاً..!
- حملة الشهادات أم حملة الأفكار؟
- حين يصبح الموت مهنة وطنية


المزيد.....




- بعد أحداث السويداء.. ما حقيقة فيديو -سوق السبايا- ومن يقف خل ...
- -ما بعد الحقيقة-.. تشريح معمق لأزمات المعرفة والتضليل في عصر ...
- وداع مؤثر من فرقة Black Sabbath ونجوم الموسيقى لأسطورة الروك ...
- مهرجان -ثويزا- بطنجة ينطلق الخميس -نحو الغد الذي يسمى الإنسا ...
- راغب علامة يتلقى الدعم من نقابة -محترفي الموسيقى والغناء- في ...
- الشاعرة السعودية ميسون أبو بكر تُسحر الريفييرا الفرنسية بنبض ...
- صدوق نور الدين يقرأ عالم كيليطو في كتاب جديد.. تأملات من قلب ...
- أبوظبي تفتتح قريبًا أحد أكبر تجمعات التجارب الثقافية بالعالم ...
- إحالة وزيرة الثقافة الفرنسية وكارلوس غصن للمحاكمة بتهمة الفس ...
- الحسن الثاني وبن بلّة والغنوشي وآخرون.. حوارات صحفية بنكهة ت ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناضل حسنين - ترانيم العصائر..