أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناضل حسنين - وهم الخلود: فكرة اخترعناها فحكمتنا














المزيد.....

وهم الخلود: فكرة اخترعناها فحكمتنا


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 22:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين نظر الإنسان لأول مرة إلى جسد هامد بلا حياة، تساءل: أين ذهبت الروح؟ هل انتهى كل شيء، أم أن هناك امتدادًا خفيًا خلف ستارة الموت؟ لم يكن هذا السؤال مجرد فضول، بل كان صراعًا مع رعب العدم. ومن هذا الرعب، ولدت فكرة الخلود. لكنها لم تبقَ مجرد عزاء شخصي، بل تحولت إلى بنية فكرية عميقة، امتدت من الأسطورة إلى الدين، ومن الدين إلى السياسة، حتى أصبحت الميتافيزيقا نفسها سلاحًا في يد السلطة.
لم يكن في الأزمنة الأولى، مساحة تفصل بين الإنسان والطبيعة. فقد كان غلغامش في أساطير بلاد الرافدين، نصف إله ونصف إنسان، بينما جسدت عشتار الحب والموت معًا، في وحدة لا تعرف الانقسام. لم يكن هناك شيء يطلق عليه "ما وراء الطبيعة"، بل كانت الطبيعة شاملة، تمتد من المرئي إلى اللامرئي بلا حدود فاصلة.
أما حين ظهرت الأديان التوحيدية، فقد حدث الانشقاق الكبير. صار هناك عالمان: عالم محسوس تخضع فيه الحياة للاختبار، وعالم خفي يتحكم بها. لم يكن هذا مجرد تطور فكري، بل كان انقلابًا على الفهم القديم للوجود. لأن القوة الخفية هي القوة التي لا يمكننا النبش فيها ومناقشتها، وهي وحدها القادرة على منح الشرعية للملوك والكهنة.
وهكذا، أصبحت الحقيقة عصية على البشر وبعيدة عن متناولهم، في عالم لا يمكنهم اختباره، لكنه في الوقت نفسه يُملي عليهم كل شيء: من قوانين الأخلاق إلى شرعية السلطة. لم تعد السلطة تحتاج إلى سيف، بل إلى "ما وراء"، إلى وعود وأوهام، إلى شيء لا يمكن التعرض له او المساس به ولكنه يحكم كل شيء.
وبينما كان العالم يتخبط وسط هذا البناء الفكري المتضارب، جاء السيد المسيح بفكرة صادمة: أن الطبيعة واحدة، وأن الروح ليست خارج العالم، بل فيه، متجسدة في الأب والابن والروح القدس. لم يكن هذا مجرد نقاش لاهوتي، بل كان هجومًا على الانقسام بين المقدس والدنيوي، على تلك الثنائية التي جعلت السلطة المطلقة حكرًا على اللامرئي. ولذلك، كان لا بد من قتله.
لم يكن قتل المسيح مجرد رفض لرجل يدعو الى الحب والى السلام، بل كان ضرورة لنظام قائم على الفصل بين الإنسان وما وراءه، بين الأرض والسماء، بين الملموس وغير الملموس. كان لا بد أن يظل اللامرئي متعاليًا، بعيدًا، كي تبقى السلطة المطلقة في يد من يدعون التحدث باسمه.
اليوم، قد يبدو أننا تجاوزنا بعضا من هذه الفكرة. لا سيما في المجتمعات الغربية حيث لم يعد الناس يتحدثون عن السماء كما في العصور القديمة، ولم تعد المعابد تفرض قوانينها كما كانت تفعل من قبل. لكن هل انتهت الوحدانية فعلًا؟ أم أنها استبدلت قناعها فقط؟
إن الإله الذي كان في السماء حتى الآن، أصبح اليوم في السوق، في اروقة الدولة، في التكنولوجيا. نحن لا نعبد إلهًا واحدًا، لكننا نخضع لوحدانية جديدة: وحدانية المال، وحدانية العلم، وحدانية السلطة المطلقة التي تحكم كل شيء، دون أن تظهر للعيان.
في الماضي، قيل لنا إن ما وراء الطبيعة هو الذي يقرر مصائرنا. اليوم، يُقال لنا إن الاقتصاد، والسياسة، والخوارزميات هي التي تحدد مصيرنا. فهل تغيّر شيء حقًا؟ أم أن الإنسان لا يزال يبحث عن سلطة خفية تمنحه الأمان، حتى لو كان ثمن ذلك أن يفقد حريته؟
إذا كان الإنسان قد اخترع فكرة الخلود ليواجه رعب الموت، فهل يمكنه الآن التخلي عنها دون أن يفقد المعنى؟ هل يمكننا أن نعيش دون أن نحتاج إلى قوة مطلقة تحكمنا، سواء أكانت إلهًا أم أيديولوجيا؟ أم أن الحاجة إلى الماوراء ليست مجرد وسيلة للسيطرة، بل هي جزء من تكويننا النفسي والفلسفي؟ جزء من قلقنا العميق أمام هاوية العدم؟
ربما السؤال ليس: "هل فكرة الحياة بعد الموت اختراع بشري؟" بل: "هل يستطيع الإنسان أن يحيا بلا وهم؟"



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مآسينا التي لم نعد نحفظ أرقامها..
- -فما أطال النوم عمرًا..!-
- أميطوا النقاب عن التعليم!
- كلمة وفاء لصديق سوري راحل..
- قيمة الحياة بين الأنا والوطن
- إنه العار وليس الضمير..
- الديمقراطية: بين التقليد والحرية الفردية
- تعال نفكر معاً..!
- حملة الشهادات أم حملة الأفكار؟
- حين يصبح الموت مهنة وطنية


المزيد.....




- عشرات الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في المسجد الأقصى المبارك ...
- الولايات المتحدة: المشتبه به في الهجوم على مسيرة يهودية في ك ...
- دار الإفتاء المصرية توضح الفرق الجوهري بين صلاتي عيد الفطر و ...
- “أغاني طول اليوم هتسلي أطفالك” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2 ...
- إدارة ترمب تتهم جامعة كولومبيا بممارسة التمييز ضد الطلاب الي ...
- آية الله خامنئي( دام ظله) يدعو الحكومات الإسلامية لمواجهة ال ...
- “بهذا التوقيت رسميا” دار الإفتاء تحدد مواعيد صلاة العيد 2025 ...
- الإخوان على رادار واشنطن.. هل اقترب تصنيفها -إرهابية-؟
- حققي طلباتهم .. قائمة تردد قنوات الأطفال 2025 عبر نايل سات م ...
- غني مع الأطفال طول اليوم في سعادة ومرح “تردد قناة طيور الجنة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناضل حسنين - وهم الخلود: فكرة اخترعناها فحكمتنا