أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ناضل حسنين - حين يصبح الموت مهنة وطنية














المزيد.....

حين يصبح الموت مهنة وطنية


ناضل حسنين

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 14:46
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في زمن الهزائم المتتالية، يصبح الموت مهنة وطنية، والجثث عملة متداولة في سوق المزايدات. نحن نعيش في عصر غريب، عصر يتباكى فيه الناس على الضحايا صباحاً، ويطالبون بالمزيد منهم مساءً. عصر تتحول فيه الدماء إلى حبر، والأشلاء إلى شعارات، والمآتم إلى مهرجانات خطابية.
أصبح الفلسطينيون ضحايا مرتين: مرة تحت القصف الإسرائيلي، ومرة أخرى تحت وطأة خطاب "المتضامنين" المتناقض. هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم عالياً ضد القتل، ثم يهمسون بأن هؤلاء الشهداء "ضرورة" التحرير. كأن الطريق إلى الحرية مرصوف بالجماجم، وكأن الوطن لا يُبنى إلا على أكوام من اللحم البشري المتفحم.
يقفون أمام الكاميرات بوجوه حزينة، يذرفون دموعاً بلاستيكية على أطفال غزة، ثم يعودون إلى غرف نومهم المكيفة ليكتبوا منشورات تستغرب لماذا لم يصل عدد الضحايا إلى مليون بعد! وكأن الثورات مسابقة في عدد الضحايا، وكأن النصر يُقاس بكمية الدم المسفوك. يتحدثون عن الجزائر وثورتها بأرقام مضخمة، كأنهم يتباهون بقائمة مشتريات، لا بأرواح بشرية فقدت.
أي تناقض هذا؟ أن تبكي على طفل في الصباح، ثم تعتبره "خسارة ضرورية" في المساء؟ أن تصرخ ضد المجازر، ثم تبرر المجازر نفسها بحجة أنها "ثمن التحرير"؟ أن تنشر صور الأطفال المشوهين لتثير التعاطف، ثم تقول إن هذا التشويه هو جزء من معادلة النصر؟
هؤلاء المتضامنون المزيفون لا يختلفون كثيراً عن القتلة أنفسهم. كلاهما ينزع الإنسانية عن الضحايا. القاتل يراهم أرقاماً في سجل عملياته العسكرية، والمتضامن المزيف يراهم أرقاماً في معادلة النصر الوهمية. كلاهما يتعامل مع الجثامين كأدوات، لا كبشر كانوا يحلمون ويأملون ويحبون.
في هذا العالم المقلوب، أصبح الموت هو البطولة، والبقاء على قيد الحياة هو الخيانة. أصبح من يطالب بوقف نزيف الدم متهماً بالتخاذل، ومن يطالب بمزيد من الضحايا بطلاً قومياً. وكأن الوطن لا يستحق أن يعيش فيه أحد، بل يستحق فقط أن يموت من أجله الجميع.
لقد تحولت المقاومة من فعل حياة إلى احتفال بالموت. من نضال من أجل مستقبل أفضل، إلى هوس بالتضحية والفناء. وتحول المتضامنون من داعمين للحياة والكرامة، إلى محاسبين يعدون الجثث ويقارنون الأرقام، ويستغربون لماذا لا تزال الأرقام "متواضعة".
نحن نعيش في زمن الشعارات الجوفاء، زمن يتحول فيه الإنسان إلى رقم، والرقم إلى شعار، والشعار إلى تجارة. تجارة يربح منها السماسرة والمتاجرون بالقضايا، بينما يخسر الناس العاديون أرواحهم وأحلامهم. زمن يصفق فيه المتفرجون للمأساة من بعيد، ويطالبون بمزيد من الفصول الدامية، ثم يذهبون للنوم في أسرة دافئة.
الفلسطينيون ليسوا أرقاماً في معادلة النصر، وليسوا وقوداً لثورة مزعومة، وليسوا "خسائر ضرورية" في طريق التحرير. هم بشر لهم الحق في الحياة، في الكرامة، في المستقبل. وأي خطاب يجردهم من إنسانيتهم، حتى لو كان باسم التضامن، هو خطاب قاتل.
أتساءل أحياناً: هل يتمنى هؤلاء "المتضامنون" لو كانوا هم وأطفالهم "خسائر ضرورية"؟ هل يقبلون أن تكون صور أشلائهم وسيلة لإثارة التعاطف، ثم يُقال عنهم إنهم "ثمن لا بد منه"؟ أم أن الموت جميل فقط عندما يكون من نصيب الآخرين؟
في النهاية، لا فرق بين من يقتل الناس بالقنابل، ومن يبرر قتلهم بالكلمات. كلاهما يشارك في الجريمة، وكلاهما يساهم في استمرار المأساة. والضحية الوحيدة هي الإنسانية نفسها، التي تموت مرتين: مرة تحت القصف، ومرة أخرى تحت وطأة التبريرات.
فلنتوقف عن المتاجرة بالدم الفلسطيني. فلنتوقف عن تحويل المأساة إلى مزايدات. فلنتذكر أن قيمة الإنسان ليست في موته، بل في حياته وكرامته وحريته. وأن التضامن الحقيقي هو الذي يقف مع الحياة، لا مع الموت. مع الإنسان، لا مع الأرقام. مع المستقبل، لا مع الفناء. الحرية لا تحتاج الى مليون جثة، بل الى ضمير واحد حي..!



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صانعة المحتوى اللبنانية عبير الصغير تحتفل بخطوبتها في أجواء ...
- صانعة المحتوى عبير الصغير تحتفل بخطوبتها.. تفاصيل حصريّة عن ...
- -بخطوة نادرة-.. مسؤول يكشف لـCNN: وزير الخارجية السعودي سيزو ...
- ترامب: بكين -انتهكت بالكامل- الاتفاق مع واشنطن بشأن الخفض ال ...
- -برا وبحرا وجوا-.. -نيويورك تايمز- تكشف بنودا من مذكرة أوكرا ...
- الولايات المتحدة.. سحب طماطم ملوثة بالسالمونيلا قد تفتك بالم ...
- السيسي يتلقى اتصالا من رئيس وزراء اليونان بعد أزمة دير سانت ...
- تحذيرات من -أسلوب جديد- لسرقة أموال المصريين عبر الهواتف
- -سبيس إكس- تخطط لإرسال روبوتات إلى المريخ
- كاتس يهاجم ماكرون: اعترافكم بفلسطين مجرد ورق يلقى بمزبلة الت ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ناضل حسنين - حين يصبح الموت مهنة وطنية