أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ناضل حسنين - العقيدة القديمة والخوف من المجهول














المزيد.....

العقيدة القديمة والخوف من المجهول


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 13:32
المحور: المجتمع المدني
    


في قلب العاصفة، حين تمطر السماء قهرًا ويهطل الظلم بردًا وحرمانًا، يبحث الإنسان عن مأوى، ولو كان مثقوب السقف، مشقّق الجدران. يكفي أن يُسدل عليه شيئًا من الشعور بالانتماء والنجاة المؤقتة. هكذا كان الحال في أوروبا حين ضاقت الكنائس بالأسئلة، وطفح الكيل من صكوك الغفران، فخرج الناس يبحثون عن مأوى جديد، ليجدوا أنفسهم في مواجهة عاصفة الحداثة بلا مظلة. حتى أمريكا اللاتينية، حين ضاقت صدورهم بالجنرالات، لجأوا إلى صلوات جديدة، بعضها كان أغنية، وبعضها كان رصاصة.
في السياق العربي، والإسلامي تحديدًا، تتمسك الجماهير أو حركات النضال بعقيدة دينية تراثية لم تعد، بصيغتها القديمة، قادرة على حمل مشروع تحرري متكامل. وليس في هذا التمسك بالضرورة شيء من الجهل أو الغباء، بل هو أشبه برد فعل وجودي يتقي به الإنسان العاري من كل أدوات القوة، عصف اللحظة. الخوف من المجهول ليس عيبًا فينا وحدنا. هو جين قديم، يسكن خلايا كل من عرف معنى المطر بلا سقف. الإنسان، حين يفقد يقينه، يبحث عن أي شيء يربطه بالأرض، حتى لو كان خيطًا من دخان.
حين تنهار او تتغيب المؤسسات الرسمية في الوطن، وتتحول قضية التحرر إلى صراع بقاء، تصبح العقيدة، مهما كان شكلها، جدارًا يتّكئ عليه الوعي، لا لأنها أصلب ما يمكن، بل لأنها الجدار الوحيد المتاح. ولكن ماذا لو كان هذا الجدار هشًا؟ ماذا لو كانت هذه العقيدة لا تسند النضال بقدر ما تؤجله، أو تبقيه في حلقة مفرغة من التضحيات المتكررة دون أفق؟ ماذا لو كانت تنتج ذات المأزق الذي تزعم أنها تخرجنا منه؟ هل نملك الجرأة على طرح السؤال؟
يقول أحد المفكرين: "العقيدة القديمة مثل جسر متهالك، يخاف الناس عبوره، لكنهم يخافون أكثر من السقوط في النهر". بينما يرد آخر: "المشكلة ليست في الجسر، بل في النهر الذي لا يجف". وبين هذا وذاك، يبقى المظلوم معلقًا بين ضفتي الخوف والأمل.
لقد أنتجت الحركة الوطنية في فلسطين، وفي دول عربية أخرى، خطابًا جهاديًا تعبويًا استلهم من الدين مفرداته، ومن التاريخ رموزه، ومن المشاعر الجارفة وقودًا لمعارك طويلة. وفي مرحلة ما، بدا هذا الخطاب وكأنه السبيل الوحيد لحشد الناس، وربما كان كذلك فعلاً في ظل عجز النخب، والقمع وغياب البدائل. لكن مع مرور الزمن، وانكشاف عجز هذا الخطاب عن بناء مشروع تحرري عصري يراكم إنجازًا سياسيًا أو اجتماعيًا مستدامًا، أصبح من الضروري إعادة النظر فيه.
ولكن المظلوم لا يتمسك بالعقيدة القديمة لأنها تقنعه، بل لأنها تؤنسه. تمامًا كمن يعيش في خيمة بالية تحت المطر. يعلم أنها لا تقيه من البلل، لكنها تمنحه شعورًا بأنه ليس في العراء. وحين يرى بيتًا عصريًا مجاورًا، تتردد نفسه كثيرًا في مغادرة الخيمة. لأنه يدرك أن عليه عبور المسافة المكشوفة، تحت المطر والبرد، وربما يسقط أو يجد باب البيت العصري مغلقًا في وجهه. كم مرة وعدونا ببيت عصري فيه تدفئة مركزية، ثم اكتشفنا أن الغاز مقطوع؟ كم مرة قالوا لنا: "اتركوا الخيمة، فالعالم ينتظركم"، ثم أغلقوا الباب في وجوهنا لأننا لم نحمل بطاقة هوية جديدة؟ حتى العقيدة، في بلادنا، تحتاج تأشيرة خروج.
إن الخوف من الانتقال أشد من المعاناة داخل الخيمة. وهكذا، تتحول الخيمة من مأوى مؤقت إلى قدر دائم. وهذا هو المأزق الجوهري: الانتقال إلى عقيدة نضالية جديدة قائمة على المعرفة، والوعي السياسي، والتكتيك، والتحالفات الذكية، والاقتصاد، والقانون الدولي، ليس قرارًا فكريًا فقط. إنه انتحار رمزي مؤقت، لأن كل انتقال يتضمن لحظة تجريد من الهوية القديمة، وفراغًا مخيفًا، لا يحتمله المقهور بسهولة.
ربما الحل ليس في هدم الخيمة فوق رؤوس ساكنيها، بل في ترقيعها أولًا، ثم بناء جسر صغير، جسر لا يخيف أحدًا، ولا يطلب من أحد أن يخلع جلده دفعة واحدة. جسر يمكن عبوره خطوة خطوة، حتى لو كان ذلك تحت المطر. هل جرب أحدكم بناء جسر من الكلمات؟
ما نحتاجه، إذًا، ليس فقط بناء "البيت العصري"، بل بناء الجسر الذي يصل الخيمة بهذا البيت. أن نقترح العقيدة الجديدة دون أن نهدم القديمة على رؤوس ساكنيها، بل بإقناعهم بأن البيت الجديد ليس نقيضًا لوجودهم، بل ترقية لكرامتهم. لكن من يملك هذه اللغة؟ من يمتلك القدرة على مخاطبة الجمهور الديني دون كسره، وعلى تقديم المعرفة دون غرور نخبوي؟ من يملك الجرأة على الانتقال، والصبر على العبور، والحنكة لتأمين الطريق؟
هل نملك حقًا رفاهية القفز من الخيمة إلى البيت دون أن نبتل؟ أم أن المطر قدرنا، والخوف من المجهول هو سقفنا الأبدي؟ السؤال ما زال معلقًا، تمامًا كما هي الخيمة، معلقة على أوتاد مهترئة، تأبى الترميم مثلما تأبى السقوط.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير
- نربي القاتل ونبكي القتيل..
- مآذن الصمت العربي
- لماذا علينا، نحن عرب الداخل، أن نقلق؟
- إسرائيل: صناعة رأي عام خائف ومُدجّن
- تآكل حرية التعبير لدى عرب الداخل
- أيمن عودة في مرمى الاغتيال السياسي
- من الكنيست إلى الشارع: العنصرية بلا خجل
- إسرائيل: العنصرية من الهمس إلى الصراخ
- كاملٌ بذاته
- من المنتصر في الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟
- الرد الإيراني: رمزي ومحسوب
- سيناريوهات الرد على الضربة الأميركية
- قافلة الصمود: بالعبرية .. لا تقتربوا من غزة
- ترامب ونتنياهو: مَن يستخدم مَن؟
- هل صارت إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة؟
- الجريمة تنهش عرب الداخل
- صرخة..
- يوم -القيامة- ..
- المواطن في إسرائيل يدخل كتاب غينيس


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعلن اعتقال 373 عاملاً من الضفة و61 مشتبه ...
- نكبة فلسطينية -تتجدد-.. مخيم طولكرم تحت الجرافات وحق العودة ...
- رشيد حموني يطلب رأي كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئ ...
- 3850 حالة اعتقال خلال النصف الأول من 2025
- قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة تشارك في الاستعراض العسكري ...
- السعودية: الداخلية تعلن إعدام مواطن ارتكب عددا من -الجرائم ا ...
- اليونيسيف يعلن إصابة 5800 طفل بسوء تغذية في غزة
- طريقة اسرائيلية جديدة لتجويع النازحين الفلسطينيين
- 360 من الطواقم الطبية في غزة تعرضت للاعتقال منذ بداية العدوا ...
- الأونروا: الفلسطينيون في غزة يواجهون -خيارات مستحيلة-.. المو ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ناضل حسنين - العقيدة القديمة والخوف من المجهول