أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - العرب يرقصون وغزة تحترق














المزيد.....

العرب يرقصون وغزة تحترق


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 08:45
المحور: القضية الفلسطينية
    


في غزة، حيث الأطفال يرتلون ترنيمة الجوع الأخيرة، والأمهات يتسولن قطرة ماء من سراب، والآباء يحفرون بأظافرهم تحت ركامٍ كان ذات يوم بيتاً، لعلهم يجدون بقايا روحٍ أو ذكرى. هناك، الخبز أسطورة، والكهرباء رفاهية لم يسمع بها أحد، والموت صديق حميم لا يغادر العتبة. وعلى بعد بضع مئات من الكيلومترات، تتلألأ أضواء الرياض وجدة والقاهرة ودبي، كأنها نجوم سقطت من سماء اللامبالاة. الموسيقى تصرخ، والمشاهير يتراقصون كالدجاج المذبوح، والجمهور يصفق بحرارة، وكأن الدم الفلسطيني مجرد حبر على ورق، أو ربما لا شيء على الإطلاق.
في الأيام ذاتها التي كانت فيها عائلات فلسطينية تمضغ أعلاف الحيوانات، اعتلى راغب علامة مسرح القاهرة، مرتدياً بذلة بيضاء ناصعة، كأنه قادم من كوكب آخر، كوكب لا يعرف المجازر ولا الجوع ولا العار. ومحمد رمضان، ذاك الكائن المثير للغثيان، ظهر في حفل صاخب، يوزع ابتسامات البلاهة على الفراغ، بينما كانت الشاشات تبث مقاطع من حفلات جدة والرياض، لنجوم عرب وعالميين، تحت شعار "الموسيقى توحدنا". توحدنا على ماذا؟ على أنقاض غزة؟ على أشلاء الأطفال؟ لم يسأل أحد، فالموسيقى لا تسأل، هي فقط ترقص على الجثث.
الفن، يا سادة، لا يتحمل وزر السياسة، هذا صحيح. لكنه يتحمل وزر الأخلاق، وهذا ما لا يفهمه الكثيرون. لم يطلب أحد من راغب علامة أو محمد رمضان، أو حتى من حارس البناية، أن يحمل السلاح أو يعتلي منبراً سياسياً. المطلوب كان أبسط من ذلك بكثير: موقف. امتناع. وقفة رمزية. إشارة احترام. لكن أحداً لم يمتلك الشجاعة ليفعل ذلك. النجوم فضلوا بريق الأضواء، والمنظمون ركزوا على جيوبهم المنتفخة، والجمهور، يا له من جمهور، تماهى مع الإيقاع ونسي صوت القذائف التي تمزق الأجساد.
في هذه الاثناء، دفع فنانون في دول غربية الثمن غالياً لأنهم تجرأوا وتضامنوا مع غزة. فقدوا عقوداً، واتهموا بكل ما يخطر ببال الشيطان، ووضعوا على قوائم سوداء لا نهاية لها، لكنهم لم يتراجعوا. قالوا "غزة" بصوت واضح، بينما فنانونا العرب، يا للعار، لم يجدوا وقتاً ليقولوا ولو كلمة "كفى". كفى هذا الصمت المطبق، كفى هذا الرقص على الجراح، كفى هذا العهر الفني.
حفلات الغناء لم تتوقف، بل ازدادت، وتكاثرت، وتفاخر القائمون عليها بأنها "تنعش الاقتصاد وتبعث الأمل". أي أمل هذا الذي يتحدثون عنه؟ أهو الأمل الذي يُذبح في رفح، أم ذاك الذي يُباع في تذاكر حفلات الـ VIP؟ أملٌ يُبنى على دماء الأبرياء، أمل يُشترى بالصمت المطبق، أملٌ يرقص على أنين الجياع.
الغريب، بل المثير للسخرية، أن مشاعر التضامن التي تفيض من مواطنين غربيين عاديين، يبكون أمام صور الضحايا، ويخرجون في مظاهرات عفوية بعد ان صدمتهم إنسانيتهم وهزت كيانهم، لا تظهر عند نخب الفن العربي. هؤلاء الذين يُفترض أنهم "صوت الشعوب"، تخلوا عن أقل القيم: الشعور. تخلوا عن ضمائرهم، وباعوا كرامتهم، واشتروا صمتاً مريحاً على حساب آلام شعب يئن جوع ما قبل الموت.
ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة سياسية، بل هو امتحان أخلاقي، امتحان سيسقط فيه الكثيرون. ومَن يرقص اليوم فوق جراح شعب أعزل، لن ينجو من سؤال التاريخ، سؤالٌ سيطارده حتى في قبره. الفن الذي لا يعرف متى يصمت، يتحول إلى صفاقة وقلة حياء. والنجم الذي لا يعرف متى يتراجع، يسقط في هاوية التفاهة، مهما سطع اسمه في سماء العهر. نحن لا نطلب من الفنان العربي أن يغير العالم، فالعالم لا يتغير. بل نطلب منه أن لا يشارك في تمزيقه، أن لا يكون خنجراً آخر في خاصرة هذا الوطن المفتت.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير
- نربي القاتل ونبكي القتيل..
- مآذن الصمت العربي
- لماذا علينا، نحن عرب الداخل، أن نقلق؟
- إسرائيل: صناعة رأي عام خائف ومُدجّن
- تآكل حرية التعبير لدى عرب الداخل
- أيمن عودة في مرمى الاغتيال السياسي
- من الكنيست إلى الشارع: العنصرية بلا خجل
- إسرائيل: العنصرية من الهمس إلى الصراخ
- كاملٌ بذاته
- من المنتصر في الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟
- الرد الإيراني: رمزي ومحسوب
- سيناريوهات الرد على الضربة الأميركية
- قافلة الصمود: بالعبرية .. لا تقتربوا من غزة
- ترامب ونتنياهو: مَن يستخدم مَن؟
- هل صارت إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة؟


المزيد.....




- انهيار سقف مدرسة يودي بحياة عدد من الأطفال في الهند
- الجيش الجزائري يتدخل لإخماد حرائق في عدة ولايات
- موقف محرج بين ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي أمام الكاميرات ...
- -ضربة مزدوجة-.. تحقيق صحافي يكشف خطط الجيش الإسرائيلي بقصف ا ...
- رغم استمرار الاشتباكات.. تايلاند تُصرّ على الحل الثنائي دون ...
- دمشق وباريس وواشنطن تتفق على ضمان نجاح العملية الانتقالية في ...
- ماذا يعني الاعتراف بدولة فلسطين؟
- عاجل | سي إن إن عن مصدر مطلع: الوسطاء يواصلون مناقشاتهم بشأن ...
- بيدرو باسكال من المنفى إلى هوليود.. كيف صنع أسطورته الخاصة؟ ...
- تل أبيب غاضبة من اعتراف ماكرون بدولة فلسطين وتوقعات بتصاعد ا ...


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - العرب يرقصون وغزة تحترق