أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم














المزيد.....

غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 13:18
المحور: القضية الفلسطينية
    


منذ السابع من أكتوبر 2023، لم تعد غزة مجرد عنوان عابر في نشرات الأخبار، بل تحولت إلى مقبرة مفتوحة للصحافة العالمية، ومرآة صادقة تعكس هشاشة القيم التي يتغنى بها العالم. إنها ليست مجرد أرقام عابرة، بل جرس إنذار مدوٍ للعالم أجمع: الكاميرا أصبحت هدفًا عسكريًا، والميكروفون حكمًا بالإعدام، والحقيقة جريمة عقوبتها الموت.
لقد تجاوزت حصيلة القتلى من الصحفيين في غزة كل التوقعات المأساوية. فوفقًا للاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، قُتل ما لا يقل عن 226 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا منذ بداية الحرب، بينما تشير بعض المصادر إلى أن العدد يقترب من 270. هذه الأرقام المفزعة تتجاوز ما شهدته مجتمعة الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب فيتنام وحرب البلقان وحرب أفغانستان من حيث استهداف الصحفيين.
إنها سابقة خطيرة في تاريخ الصحافة الحديث، وتؤكد أن ما يحدث في غزة ليس مجرد تداعيات حرب، بل استهداف ممنهج ومقصود لمن يحملون على عاتقهم مهمة نقل الحقيقة. الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا هم صحفيون فلسطينيون، يدفعون ثمنًا باهظًا لالتزامهم المهني في ظل ظروف لا إنسانية.
إن التناقض الصارخ في سلوك إسرائيل يفضح النوايا الحقيقية وراء هذا الاستهداف الممنهج. فبينما فتحت إسرائيل أبواب قراها في الجنوب على مصراعيها لوسائل الإعلام الدولية، ورتبت الجولات وأدارت المشهد بدقة متناهية، واستدعت كل صحافات العالم لتوثيق روايتها الخاصة بهجوم السابع من أكتوبر، فإنها في المقابل أغلقت غزة بإحكام غير مسبوق. لقد منعت دخول أي صحفي أجنبي، بل ومنعت حتى الصحفيين الإسرائيليين الأحرار من الاقتراب، وحوّلت القطاع إلى منطقة معزولة تمامًا عن عيون العالم. ومن تجرأ على نقل الحقيقة من الداخل، كان مصيره القصف المباشر أو الاستهداف الممنهج، في رسالة واضحة مفادها أن الحقيقة غير مرغوب فيها.
بهذا السلوك، لا تكتفي إسرائيل بقتل المدنيين الأبرياء فحسب، بل تقتل أيضًا إمكانية أن تُروى قصتهم للعالم. إنها حرب مزدوجة الأبعاد: حرب على الناس العزل، وحرب شرسة على الرواية والسردية. فإذا كان الإعلام يُفترض أن يكون شاهدًا مستقلاً ونزيهًا على الأحداث، فقد تحوّل في غزة إلى الطرف الأكثر استهدافًا وعرضة للخطر، لأن كشف الحقيقة أصبح أخطر من أي سلاح تقليدي. إن هذا الاستهداف المتعمد للصحفيين يهدف إلى فرض تعتيم إعلامي كامل، وحجب الفظائع عن الرأي العام العالمي، وتشكيل سردية أحادية الجانب.
المأساة هنا لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي طعنة غائرة في قلب الصحافة العالمية، وامتحان أخلاقي فشل فيه العالم بأسره فشلاً ذريعًا. فبينما تُكتب في غزة فصول الجريمة الأكبر ضد الصحفيين في التاريخ الحديث، تكتفي منظمات حقوق الإنسان ببيانات خجولة لا ترقى إلى حجم الكارثة، وتلوذ اتحادات الصحافة بالصمت المطبق أو تصدر إدانات باهتة لا تحمل أي تأثير حقيقي. هذا الصمت المريب، أو رد الفعل الباهت، يمنح الضوء الأخضر للمزيد من الانتهاكات، ويقوض بشكل خطير مبادئ حرية الصحافة وحماية المدنيين في مناطق النزاع.
غزة لم تعد فقط ساحة حرب، بل صارت مرآة تكشف هشاشة القيم التي يدّعي العالم أنه يحميها ويؤمن بها. إنها تكشف زيف الشعارات الرنانة حول حقوق الإنسان وحرية التعبير. وإذا كان القتل الجماعي للصحفيين، الذين هم عيون العالم وآذانه، لا يستفز الضمير الدولي، ولا يحرك ساكنًا في المؤسسات الدولية، فماذا تبقّى من معنى لحرية التعبير التي يتغنى بها هذا العالم؟ وما هي القيمة الحقيقية للمبادئ التي يزعم الغرب أنه يدافع عنها؟ إن صمت العالم هو تواطؤ، وتجاهل هذه الجرائم هو إعلان عن موت الضمير الإنساني.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير
- نربي القاتل ونبكي القتيل..
- مآذن الصمت العربي
- لماذا علينا، نحن عرب الداخل، أن نقلق؟
- إسرائيل: صناعة رأي عام خائف ومُدجّن
- تآكل حرية التعبير لدى عرب الداخل
- أيمن عودة في مرمى الاغتيال السياسي
- من الكنيست إلى الشارع: العنصرية بلا خجل
- إسرائيل: العنصرية من الهمس إلى الصراخ


المزيد.....




- لعبة لطالما ارتبطت بكبار السن وتلقى رواجًا بين شباب بريطانيا ...
- وصفها بأنها -محرجة-.. استمع لما قاله مذيع CNN عن قمة ترامب و ...
- مصمّمة نيجيرية تخطف الأنظار عالميًا بأزياء هندسية مستوحاة من ...
- -أوهام عدوانية-.. رغد صدام تعلق على تصريحات نتنياهو عن -إسرا ...
- وثيقة سرية على مكتب نتنياهو.. حماس قد توافق على صفقة جزئية ت ...
- ترامب يتنمّر على الحلفاء والرؤساء
- ظروف صعبة يعيشها كبار السن في غزة نتيجة الحصار والتجويع
- كبريات الصحف الأميركية تجمع على انتقاد قمة ترامب وبوتين بألا ...
- هآرتس: سموتريتش محق وخطة الاستيطان الجديدة ستدفن الدولة الفل ...
- تعرف على أبرز المبادرات التي سعت إلى وقف حرب روسيا على أوكرا ...


المزيد.....

- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم