أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ناضل حسنين - أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل














المزيد.....

أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 14:36
المحور: المجتمع المدني
    


الحضارة ليست مجرد آلات ولا تقنيات، بل هي هوية حيّة. وكل حضارة كبرى طرحت على نفسها هذا السؤال: كيف نصبح عالميين دون أن نفقد أنفسنا؟ الرومان مثلًا استعانوا بفلسفة اليونان، لكنهم صاغوها على مقاسهم القانوني والسياسي، فخلقوا حضارتهم الخاصة. المسلمون الأوائل ترجموا علوم الفرس واليونان والهنود، لكنهم لم يذوبوا فيها؛ بل صاغوا منها فلسفة ابن رشد وفقه الشافعي وطب الرازي. أي أنهم تفاعلوا مع الآخر، لكنهم لم يلغوا ذواتهم.
اليوم، نحن نخطئ على جبهتين معًا: فمن جهة، هناك من يريد الانغلاق باسم الهوية، وكأن الهوية كائن هشّ يذوب بمجرد ملامسة أي فكر جديد. ومن جهة أخرى، هناك من يذوب تمامًا في الآخر ويستسلم لمنتجاته، فيتحول إلى نسخة باهتة منه. كلا الطريقين طريق موت: الانغلاق يُحوّلنا إلى متحف، والذوبان يُحوّلنا إلى ظلّ بلا ملامح.
الحلّ هو الانفتاح النقدي: أن نأخذ من الآخر أدواته، لكن نملأها بروحنا نحن. أن نفتح النوافذ للعقل العالمي، لكننا نحن من نقرر أي هواء ندخله إلى صدورنا. الحضارة القوية لا تخشى الحوار، بل تخشى الصمت. والهوية الحيّة لا تخاف التفاعل، بل تخاف الجمود.
إن المشكلة ليست في التراث ولا في الدين ولا في الهوية، بل في الطريقة التي نفكر بها. حين نتعامل مع التراث كصنم جامد، نقتله ونقتل أنفسنا معه. وحين نعيد قراءته بعقل معاصر، يتحول إلى طاقة ملهمة. ابن خلدون لم يقدّم للعالم مجرد "نص تراثي"، بل قدّم نظرية في علم الاجتماع ما زالت تُقرأ حتى اليوم لأنه تجرأ على طرح سؤال مختلف.
إذن، النهضة لا تعني القطيعة مع الماضي، بل تحرير الماضي من القداسة العمياء، وإعادة دمجه في مشروع المستقبل. النهضة لا تعني الذوبان في الغرب، بل المشاركة في صناعة العقل الإنساني من موقعنا الخاص. الحضارة ليست "إما نحن أو هم"، بل "نحن في قلب الإنسانية"، بشرط أن نكون فاعلين لا متفرجين.
إن أعظم كارثة هي أن نكتفي بالحديث عن الهوية بينما نعيش على منجزات الآخرين. الهوية لا تُحمى بالخطابات، بل تُحمى بالعلم. أمة قوية بالعلم لا تحتاج إلى أن تبرّر وجودها، لأن وجودها يصبح بحد ذاته برهانًا.
لذلك، فإن النهضة الحقيقية تبدأ من لحظة صادقة: أن نكسر أوهامنا، أن نواجه أنفسنا بالسؤال الصعب: ما الذي يمنعنا من أن نكون مساهمين لا مستهلكين؟ عندها فقط تتحول الهوية من شعار إلى مشروع، ومن ذكرى إلى مستقبل.
‏وفي النهاية، ليس بيننا وبين المتاحف سوى جدار من صراخ فارغ وأغنية قديمة. ‏المعضلة ليست في ذوباننا أو انغلاقنا، بل في أننا أصبحنا نتنفس هواء الآخرين وندّعي أنه الأكسجين الأصلي لحضارتنا. ‏التاريخ لا يتسع لمن يخاف الضوء، ولا يحنّ لمن أغلق نافذته بإرادته. ‏فإلى متى نظل ننتظر معجزة تسقط من سقف الذاكرة؟
‏ربما حين نصحو ذات صباح ونكتشف أننا لم نكن سوى عابرين مكررين في سردية غيرنا، عندها قد ندرك أخيرًا أن الهوية الحيّة تُصنع بالصراع، لا بالنوم على الأطلال.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير
- نربي القاتل ونبكي القتيل..
- مآذن الصمت العربي
- لماذا علينا، نحن عرب الداخل، أن نقلق؟


المزيد.....




- لماذا لا يضع نتنياهو الأسرى الإسرائيليين ضمن حساباته قبل الم ...
- قوات الاحتلال الإسرائيلي تشن حملة اعتقالات في القدس طالت 16 ...
- واشنطن والأمم المتحدة تناقشان خططا محتملة لإعادة إعمار غزة
-  الاحتلال يشن حملة اعتقالات في عناتا شمال القدس طالت نحو 16 ...
- عملية غزة قد تمتد لأشهر.. ومصير الأسرى في مهب الريح
- تقرير: إدارة ترامب تدرس تقييد قدرة الدبلوماسيين الإيرانيين ع ...
- خبراء الأمم المتحدة يدعون الجمعية العامة لعقد جلسة عاجلة بشأ ...
- بعثة الأمم المتحدة تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد ا ...
- الأمم المتحدة: تصعيد إسرائيل يجبر المزيد من الفلسطينيين على ...
- اليونيسف: معاناة أطفال غزة ليست صدفة


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ناضل حسنين - أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل