أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميشيل الرائي - نقد النظرية الشيعية: بين البناء الفكري والانفعال الشخصي














المزيد.....

نقد النظرية الشيعية: بين البناء الفكري والانفعال الشخصي


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 00:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تواجه الدراسات النقدية للفكر الشيعي تحديات جوهرية تتعلق بطبيعة التعاطي مع النظرية ذاتها. فحين تظهر نظرية معينة ويبرز لها معارض، نجد أن هناك دائمًا من ينبري للدفاع عنها بوضع مبررات أحيانًا دينية أو سلطوية، بما يشبه ما حدث في حالة آية الله حسين علي منتظري، المدافع الشرس عن نظرية ولاية الفقيه في مراحل سابقة.

لكن الملاحظة الجوهرية تكمن في أن النقد الموجه للنظرية الشيعية الأصيلة غالبًا ما ظل محدودًا، إذ اقتصر على مراجعة الاجتهادات البشرية أو القراءات الجزئية للنظرية، بوصفها تراكمات شخصية أو رد فعل على أحداث تاريخية محددة، دون العودة إلى الأدوات والمقومات التي شكلت النظرية منذ نشأتها. معظم القراءات الحديثة تتجاهل السؤال الأساسي: هل هذه الأدوات صيغت داخل المنظومة الشيعية نفسها، أم أنها محاولة للتماهي مع أدوات الفكر الآخر؟ هذا الغياب للتحليل البنيوي يؤدي إلى نقد سطحي، يركّز على النتائج الجزئية أو على أحداث بعين ذاتية، ويغفل البنية التكوينية للفكر.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الجانب الإنساني والنفسي لدى المتصدي للنقد، خاصة أولئك الذين تعرضوا للنبذ أو السجن أو الإهانة. فبعد هذه التجارب، يميل الفرد أحيانًا إلى تحويل النقد إلى رد فعل شخصي ضد النظرية، وهو ما يؤدي إلى التركيز على تفنيد الممارسات أو القراءات بدلاً من تفكيك البنية الفكرية ذاتها. وبذلك، يتداخل الدافع الشخصي مع محاولة إعادة قراءة النظرية، ويصبح النقد أداة لمواجهة أثر التجارب الذاتية أكثر من كونه تحليلًا منهجيًا.

إن قراءة تراث الشيعة بشكل نقدي يجب أن تركز على تفكيك مستويات القراءة البشرية للتراث، ومساءلة العلاقة بين الأدوات الأصلية التي شكلت النظرية والقراءات والاجتهادات اللاحقة، بعيدًا عن الانجراف وراء الانفعال الشخصي أو الاعتبارات السياسية. الفهم النقدي الحقيقي يتطلب تحليل البنية الفكرية من داخلها وفحص الإضافات والتراكمات التي أفرزتها التجربة التاريخية والبشرية.

الإشكالية الكبرى لدى بعض المتصدين الجدد للنقد تكمن في التعامل مع الظاهرة الدينية كما لو كانت مكتملة بذاتها أو ناتجة عن قوة غيبية، من دون العودة إلى عناصرها الأولية وبنيتها التكوينية. وهذا يشبه محاولة نقد الفخار من دون النظر إلى الطين والكاولين وحجر الفخار، أو التعامل مع النظرية بعين مستعارة عبر الانفعالات الشخصية، ثم اعتباره نقدًا علميًا. هذا النمط من النقد يتحول من مجرد ملاحظة سطحية إلى إعادة إنتاج تمثيلات مسبقة، مما يضعف أي مشروع نقدي يسعى لفهم ديناميكية الفكر الديني.

يمكن توضيح ذلك من خلال النظرية الشيعية المعروفة بـ«ولاية الفقيه»، والتي لم تكن في الأصل نظرية شيعية خالصة، بل امتدادًا لما طرحه الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية. قام المولى النراقي بصياغتها ضمن القاموس الشيعي مستندًا إلى نصوص وأحاديث من التراث الإمامي، ليحوّلها إلى قراءة شيعية، مع الإقرار بأنها لم تصبح مرجعية مطلقة، إذ بقيت موضع رفض ونقد داخل المؤسسة الشيعية نفسها في إيران والعراق.

آية الله حسين علي منتظري، أبرز منظري هذه النظرية في العصر الحديث والمدافع عنها، اعتمد في بلورتها على مصادر سنية أكثر من اعتماده على النصوص الإمامية، لكنه بعد استبعاده من منصب ولاية الفقيه إثر صراعات سياسية ومعقدة، انقلب على البناء الذي ساهم في تشييده، وبدأ نقدًا داخليًا حساسًا، مستدعيًا قضايا تاريخية مثل مسألة فدك وتفسير العلاقة بين النبي وفاطمة والإمامة. يرى المنتظري أن فدك لم تكن ملكًا خاصًا لفاطمة الزهراء، بل كانت من ضمن أراضي الدولة الإسلامية، وأن أخذها من قبل الخليفة الأول كان مشروعًا، وهو موقف يخرج عن الإجماع الشيعي التقليدي. وقد أدى هذا الرأي إلى منع طباعة كتبه وجمعها من الأسواق، بينما اعتبر هو تفسيره جزءًا من دراسة تحليلية، وليس مجرد سرد تاريخي.

على نفس المنوال، قدم تلامذته مثل آية الله صالحي نجف آبادي ومؤلف محسن كديور قراءات بديلة لمفاهيم الإمامة والشهادة، متجاوزين البنى الغيبية المتراكمة. فصالحي نجف آبادي أنكر علم الأئمة بالغيب، بينما اعتبر كديور الإمامة كوظيفة روحية وعلمية، مع إعادة قراءة للشهادة الحسينية بوصفها خيارًا اضطراريًا بعد استنفاد السبل السلمية.

في المقابل، ما يُطرح اليوم على منصات التواصل الاجتماعي تحت شعارات «النقد الجريء» غالبًا ما يكون مجرد إعادة تدوير لجهود سابقة، من دون إضافة معرفية حقيقية، حتى المحاولات الجريئة مثل أعمال كمال الحيدري تبقى امتدادًا للنقاشات الفكرية الإيرانية منذ السبعينيات.

الخلاصة الأكاديمية أن النقد الجاد للفكر الشيعي لا يُقاس بجرأة الطرح أو حجم الانتقاد، بل بالقدرة على تفكيك البنى الفكرية العميقة وفهمها ضمن سياقها التاريخي والاجتماعي والأنثروبولوجي. التحليل العلمي لا يكتفي بسطح الفكرة، بل يغوص إلى عناصرها الأولية وعلاقاتها الداخلية، لتقديم قراءة متماسكة وموضوعية للفكر الديني، بعيدًا عن الانفعالات الشخصية أو الحسابات السياسية.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداخل 6
- تداخل 5
- تداخل 4
- الحجر للدم انتماء باطني
- هندسة التيه
- مكعب
- الشبكة المفتوحة: حركة النص والجمهور في تجربة المسرح والسينما
- قراءة ماركس مسرحيا
- الجملة الاستفهاميّة التي تبدأ ب -صفر...-
- تداخل 3
- ما بعد المسرح
- تداخل 2
- تداخل
- الملحد السني والملحد الشيعي: قراءة نقدية في ازدواجية الوعي ا ...
- سأسمّيك حربًا أيتها الأرض المتعدّية
- مخطط معماري
- أعتقد أنها قصيدة بدائية
- الآخر
- الموت يكتب قصيدته في جسدها
- كلاب المثلثات


المزيد.....




- استطلاع رأي: 45% من البريطانيين يعتقدون أن إسرائيل تعامل الف ...
- الداخلية السورية تنفي شائعات حول حملة اعتقالات وتهجير ضد مسي ...
- جنرال إسرائيلي: نتنياهو هو -الأب الروحي لسياسة التهرب من الف ...
- الفاتيكان يعلن الفتى كارلو أكوتيس الملقب بـ-الرسول الإلكترون ...
- لصالح توسعة بؤرة استعمارية: الاحتلال يجرف أراضي جنوب غرب سلف ...
- كاتب إسرائيلي: يهود العالم في مأزق بسبب ما يجري في غزة.. -طو ...
- بعد سنوات على تفجيره.. إعادة افتتاح الجامع النوري الكبير في ...
- فيديو صادم لرونالدو مع مشجع حاول التقاط سلفي معه
- حرب غزة.. ضحايا بالعشرات ومظاهرات تندد بنتنياهو وتصفه بألدّ ...
- فيديو -التجاوز بحق النبي محمد-.. الأوقاف المصرية ترد بـ6 نقا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميشيل الرائي - نقد النظرية الشيعية: بين البناء الفكري والانفعال الشخصي