أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - هندسة التيه














المزيد.....

هندسة التيه


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


الكتابة إلى محمود المسعدي

لماذا نكتب

سؤال لا يبدأ من الصفر
لأنه يجر خلفه أثرًا
كما لو كان ردًا على سؤال أسبق لم يطرح قط

نكتب لأن الكتابة تمارس علينا غوايتها
قبل أن نعي قدرتها على الخيانة

نكتب لأن البياض
ذلك الامتداد الذي لا ينكمش
(البياض قماش)
(وهذا القماش لا ينكمش عند الغسيل)

يذكرنا بأن الصمت ليس حيادًا
بل حقل ألغام ينتظر خطواتنا الأولى

هل هي الكتابة التي تحملنا إلى بلاد لم ترسم على خرائط العقل
أم نحن الذين نتحول إلى رسل لتلك البلاد
نحملها في جيوبنا كبراءة ممنوعة

لكن إذا حدث هذا الانسلاخ
من سيعيدنا إلى الواقع
أو بالأحرى من يضمن أن الواقع لم يكن منذ البداية
خرافة أكثر رسوخًا من خيالنا

كل بداية كما يبدو
لا تمنح إلا على أنقاض شيء آخر

فهل نحن بحاجة إلى محو
قبل أن نتلفظ بأول حرف
أم أن المحو ليس سوى خدعة
لأن ما يمحى يترك دائمًا ظلًا

ثم هل البدايات مثقلة حقًا بالعواقب
أم أن العاقبة قناع لألف وجه

وهل ستسقط علينا دفعة واحدة كحجر لا يرحم
أم تتسلل على دفعات
مثل إشارات مريبة في رسالة مشفرة

ومن يضمن لنا أن ما تبقى يصلح أن يكون زادًا لطريق لم نخطه بعد
ومن سيرافقنا إلى هناك
إلى ذلك هناك الذي لا أحد يجرؤ على تسميته

ربما كان الزاد نفسه وهمًا
وربما كان الزاد الحقيقي في قدرتنا على محاورة تلك الكائنات غير المرئية
التي تلتصق بنا مثل هوامش مشبوهة في مخطوط مجهول

لكن ماذا لو أصابها تغير الأمكنة بالدوار
ما معنى الغربة إذن؟

الغربة ليست الانتقال من مكان معلن إلى آخر غامض
الغربة أن تفقد اللغة التي تتيح لك أن تحاور ظلك
أن تتحول إلى شاهد أبكم أمام جريمة ارتكبتها في حق نفسك

ربما لم نكتب يومًا بحثًا عن معنى
بل عن وهم معنى

وما المعنى إلا خدعة اتفقنا عليها لننجو من الفوضى
وماذا لو كانت الفوضى نفسها نظامًا؟
نظامًا خفيًا لا يكشف عن نفسه إلا لمن يقبل بالتيه

فهل نحن إذن نكتب لننقذ النظام
أم لنحافظ على الفوضى كما هي؟

كل كلمة تكتب تتحول إلى قفص
وكل محاولة للفهم تزيد من أسواره
وربما كانت الكتابة ليست وعدًا بالخلاص
بل وعدًا بالسقوط في شبكة لا مخرج لها

شبكة نصوص تتناسل بلا نهاية
كل جملة تستدعي أخرى
وكل نقطة نهاية تتحول إلى باب خلفي يقود إلى فراغ أكبر

من قال إن النهاية ممكنة أصلًا؟
النهاية فرضية اخترعناها لأننا نخاف من التمدد
لكن ماذا لو كان التمدد قدر النص؟
وماذا لو كنا نحن النص؟

هل نستطيع أن نكتب
ونحن نعلم أن الكتابة خيانة للصمت
وأن كل ما نقوله سيظل ناقصًا
لأن اللغة نفسها ناقصة؟

ربما علينا أن نقبل بالنقصان كشرط وحيد للوجود
شرط يجعلنا نكتب لا كي نجيب
بل كي نضيف سؤالًا جديدًا
سؤالًا يلتهم السؤال الذي سبقه
كما يلتهم الليل أثر النهار

ربما كانت الغربة كتابًا مفقودًا
لا يعرف أحد إن كان وُجد يومًا
كتابًا يذكر أسماءنا قبل أن نولد
ويترك بياضًا واسعًا بعد آخر حرف

كتابًا لا يبحث عن قارئ
لأن كل قارئ يتحول فيه إلى هامش لا أثر له
وما نحن إلا هوامش تتخيل أن لها نصًا

في كل مرة نكتب
نخطئ الطريق نحو المركز
لكن هل هناك مركز أصلًا؟
أم أن كل مركز مجرد اختراع خوفًا من الانهيار؟

وربما كان الانهيار الحقيقة الوحيدة التي لا تحتاج إلى برهان

في المخطوطات القديمة التي لم تُترجم بعد
تظهر إشارات غامضة تقول:
إن الطريق المستقيم مجرد أسطورة من صنع النساخين

ربما كان الذين كتبوا تلك الإشارات يعرفون أننا سنصل متأخرين
كمن يصل إلى باب مغلق تركت المفاتيح في زمن آخر
فهل نحاول أن نكسر الباب
أم نصغي إلى صرير القفل وهو يضحك منا؟

كل ما كتبناه حتى الآن ربما كان حيلة لإخفاء حقيقة واحدة:
أن اللغة لا تقول
أن المعنى لا يُمنح
وأن كل محاولة للفهم تقودنا إلى دائرة أكبر
دائرة بلا مركز بلا محيط
دائرة ليست دائرة بل متاهة

وهل المتاهة مكان أم حالة؟
ربما كانت المتاهة ليست في الورق ولا في الحجر
بل فينا
في وعينا الذي يظن أنه يستطيع أن يرى
بينما هو يرى نفسه فقط

نحن لا نقرأ النصوص
بل نقرأ مرايانا
كل جملة ليست سوى سطح عاكس لحيرة أعمق

ولذلك نكتب
نكتب لأننا نعلم أن الخلاص لن يأتي
نكتب لأننا لا نريد الخلاص أصلًا
نكتب لأن الفوضى أجمل من النظام الذي يزعم أنه يحمينا

وما الذي يحمي المعنى من نفسه؟
من يضمن ألا ينقلب المعنى علينا؟
كما انقلبت النصوص القديمة على رهبانها حين قرؤوها حتى الجنون
من يضمن ألا نغدو نحن آخر ضحايا الكلمة؟



٢٠٠٧، بغداد



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشبكة المفتوحة: حركة النص والجمهور في تجربة المسرح والسينما
- قراءة ماركس مسرحيا
- الجملة الاستفهاميّة التي تبدأ ب -صفر...-
- تداخل 3
- ما بعد المسرح
- تداخل 2
- تداخل
- الملحد السني والملحد الشيعي: قراءة نقدية في ازدواجية الوعي ا ...
- سأسمّيك حربًا أيتها الأرض المتعدّية
- مخطط معماري
- أعتقد أنها قصيدة بدائية
- الآخر
- الموت يكتب قصيدته في جسدها
- كلاب المثلثات
- داخل الغامض أنت تمارين لمحو الشكل
- شكل المحو
- على سطح علم المثلثات
- ماذا عن الكتابة ؟
- مشاهد في الفندق الخفي
- ملف 555 من الرحلة الأخيرة لسيد غباء الرقم 5ع ت


المزيد.....




- بعد عامين من الحرب في السودان.. صعوبة تقفّي مصير قطع أثرية م ...
- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...
- ميغان تشوريتز فنانة جنوب أفريقية عاشت الأبارتايد ونبذت الصهي ...
- السنوار في الأدب العالمي.. -الشوك والقرنفل- من زنازين الاحتل ...
- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - هندسة التيه