أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - جدلية السرّ والجهْر قراءة ذرائعية في ديوان )بين سرّي وجهري( للشاعرة السورية ابتهال معراوي بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي















المزيد.....

جدلية السرّ والجهْر قراءة ذرائعية في ديوان )بين سرّي وجهري( للشاعرة السورية ابتهال معراوي بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 08:38
المحور: الادب والفن
    


يأتي ديوان "بين سري وجهري" للشاعرة ابتهال معراوي امتدادًا لتجربتها الشعرية التي تجمع بين الأصالة الكلاسيكية والهمّ المعاصر، حيث تلتزم الشاعرة بالبنية العمودية والوزن الخليلي، في الوقت الذي تحمّل فيه قصائدَها همومَ الذات والروح والوطن والإنسانية.
إنّ عنوان الديوان نفسه يشي بجدليةٍ مركزية بين الداخل والخارج، بين ما يُكتم في جوف الروح وما يُعلن في فضاء الجماعة، وهو ما يشكّل بؤرة فكرية متصلة بالنصوص التي تتأرجح بين المناجاة والتضرع (كما في قصيدة صلاة)، والاحتجاج على الحرب والمنافي (كما في بيرق المنافي)، واستعادة الشهادة والقداسة (كما في قداسة).
من هنا، تكتسب القراءة الذرائعية أهمية في مقاربة هذا الديوان، لأنها تتيح استجلاء المستويات اللغوية، الإيحائية، الجمالية، الديناميكية والنفسية، بما يعكس خصوصية التجربة الشعرية لدى الشاعرة ابتهال معراوي، التي استطاعت أن تحوّل الألم الشخصي والجمعي إلى رؤية شعرية ذات بعد روحي وإنساني.

دراسة العنوان "بين سري وجهري":
على المستوى البصري
يتكون العنوان من ثلاث كلمات قصيرة متقابلة الإيقاع:
بين (حرف ظرفي وصلة)، سري (مخفي/داخلي)، جهري (مُعلن/خارجي).
هذا التقابل البصري يعكس ثنائية الخفاء/الظهور، الداخل/الخارج.
توزّع الكلمتين "سري" و"جهري" في طرفي العنوان يعطي انطباعًا بصريًّا بتوازن الكفّتَين، وكأنّ الشاعرة تعمّدت أن تضع القارئ بين حدّين متقابلين.
بينما الحرف "بين"في صدر العنوان يوحي بمكان وسيط، أي أن القارئ سيكون مدعوًّا للوقوف في مساحة التوتر بين الكتمان والإعلان.

المستوى الدلالي:
العنوان يحمل بؤرة فكرية غنية: فهو صراع بين الوعي الباطني والإفصاح العلني.
السِّر: يحيل إلى الهمّ الذاتي، المعاناة الداخلية، الرغبات، المناجاة.
الجهر: يحيل إلى الصوت الجمعي، الشهادة العلنية، الاحتجاج ضد الظلم، التمسك بالحق. المناجاة الجماعية
الجمع بينهما يعبّر عن ثنائية أساسية في الشعر العربي: الباطن / الظاهر، الذات/ الآخر، الوجدان / الواقع.
العنوان بذلك مفتاح لفهم النصوص التي تتأرجح بين المناجاة الداخلية (كما في صلاة) والنداء الجمعي (كما في بيرق المنافي).

المستوى اللغوي
تعتمد الشاعرة لغة جزلة فصيحة، تتكئ على معجم عربي أصيل: (السؤول، ارتغابًا، مرتجى، محراب، سدول).
وبين الصور الحديثة (مثل: ملاءات التلطّف، بيرق المنافي).
تميل إلى توظيف المفردات القرآنية والدينية، مما يضفي على النصوص سمة روحية وهيبة وقداسة (سجود، فداء، محراب، جنات الخلود).

كما تستثمر الجذر العربي الأصيل لتعزيز الإيقاع الداخلي والبنية الموسيقية، مثل التكرار الاشتقاقي (سؤال – سؤول، رجا – مرتجى، غربة – اغتراب، فرج/ انفراج).

المستوى الإيحائي
الإيحاء في نصوصها يغلب عليه البعد الروحي والرمزي:
في "صلاة" يتجلى الإيحاء في التحوّل من الذات المبتلاة إلى الذات المستعينة بالمطلق (وكن سؤلنا في عظيم البلاء).
أن اكشف وخفّفْ ظلامات حربٍ وكن سؤلنا في عظيم البلاء
في "إشراق" يصبح النور استعارة عن الأمل والخلاص، فيما يرمز الظلام إلى الانكسار واليأس.
وكنتَ النورَ في غلس الخفايا وكنتَ المدَّ والضيقُ استهامُ
في "قداسة" يُستعار الشهيد كجسر أو ساحٍ، كناية عن عبوره للأمة نحو الخلود.
أيامَن في الوغى حيّرتَ وصفًا أأنت الجسرُ أم في العمق ساحُ
في "بيرق المنافي" يتخذ الإيحاء بُعدًا سياسًا ـ فالصوت المقاوم (مظفر النواب) يتحول إلى بيرق خالد.
سأواسي قدسنا فقدًا سما كان صوتًا صادقًا بالحق زمجرْ
في "ملاءات التلطف" الليل رمز للحزن والسهاد، لكن الشاعرة تحيله إلى نداء رفيق يمكن أن يواسي.
وحشيُّ ليل المتعبين سَدولُ ثملٌ، لأحمال الحنين سَبولُ
في "وكذا السواقي" يحضر الإيحاء في رمزية الغصن والجذور كعلاقة بين الإنسان وأرضه/أهله.
أيميسُ غصنٌ إن جفتْهُ مياهٌ؟ فَمِن الجذور شرابه وغِذاهُ
الإيحاء العام في الديوان يتأرجح بين الروحي والوطني، وبين الحزن الفردي والجماعي.

المستوى الجمالي
الجمالية قائمة على:
1. الصورة المركّبة: مثل (فطام النور عن ضرع التجلّي – صورة تجمع بين الرضاع والنور).
2. المجاز المكثّف: (الشام تتنفس بغداد- إسناد التنفس إلى مدينة).
3. الموسيقى الداخلية: من خلال التكرار، التوازي الصوتي (جد – مد)، والاشتقاق (غربة – اغتراب).
4. الحوارية الضمنية: القصائد تنطوي على مناداة مستمرة (يا عيد، يا ليل، يا صبح، يا بغداد) تجعل القصائد ذات بعد حواري، وكأنها رسائل مفتوحة.

البحور الشعرية
قصائد ابتهال معراوي موزونة عموديًّا، أغلبها على بحور: الطَّويل، الكامل، البسيط، والوافر.
مثال:
"صلاة": على بحر الكامل (متفاعلن متفاعلن متفاعلن).
"إشراق": على بحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن).
"قداسة": على الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن).
"وكذا السواقي": على الوافر (مفاعلتن مفاعلتن فعولن).
هذا الالتزام بالبحر الكلاسيكي يعكس انتماء الشاعرة إلى القصيدة العمودية التراثية مع مضمون معاصر.

المستوى الديناميكي
ديناميكية النصوص تعتمد على التدرج من الانكسار إلى الرجاء:
يبدأ النص عادةً من أزمة أو محنة (ظلمات الحرب، القنوط، الغربة) ثم يتحرك نحو أفق انفتاح (الصبح، النور، الفجر).
هذا يمنح القصائد حركة تصاعدية، تمنح النصوص ديناميكية درامية، تتناسب مع ثيمتها الإيمانية والإنسانية، تخرجها من الرتابة إلى التوتر والصعود.

المستوى النفسي
النصوص تعكس:
البعد السلوكي: الالتجاء إلى الله كخيار نفسي وروحي في "صلاة".
البعد التقمّصي: استدعاء صوت الشهيد أو المناضل (قداسة/بيرق المنافي) وكأنها تتقمص وجدان الجماعة.
البعد التعويضي: في "على زند المنى" و"ملاءات التلطف"، نجد محاولة تعويض فقد/ألم بالتماهي مع الأمل والسكينة.
البعد التوليدي: توليد طاقات أمل جديدة من رحم الأزمة كما في إشراق حيث يولد نور الفجر من رحم الظلام

التجربة الإبداعية
تجربة الشاعرة ابتهال معراوي تنطلق من الوجع الجمعي السوري والعربي (الحرب، المنافي، الشهداء، الأعياد المبتورة)، لكنها لا تغرق في المباشرة، بل تحوّل الألم إلى رموز كونية (النور، العيد، الليل، الغربة).
و تتأسس على الجمع بين القصيدة العمودية الكلاسيكية والهموم المعاصرة. فهي تستثمر البنية التراثية لتعبّر عن قضايا الحرب والغربة والمقاومة والروحانية.
ثيمة مركزية: ثنائية السر والجهر (الداخل/الخارج). المزج بين الروحانية والوطنية، بين صوت الفرد وصوت الجماعة.
التقنية: التدرج الدرامي من الانكسار إلى الفجر، مما يجعل النصوص ذات نفس ملحمي.
خصوصية التجربة: تحويل الألم الشخصي والجماعي إلى خطاب شعري يحمل بعدًا روحيًّا ووطنيًّا. وإحياء القصيدة العمودية الكلاسيكية بوجدان حديث، يوازي صوت شعراء المقاومة (مظفر النواب) مع البعد الأنثوي العاطفي.
الرؤية: استعادة صوت الجماعة من خلال الأنا الشاعرة، وتوظيف الرمز الديني والوطني لتوليد أفق أمل.

الخاتمة
يقدّم ديوان "بين سري وجهري" للشاعرة ابتهال معراوي تجربة شعرية راسخة في تقاليد القصيدة العربية، لكنها مفعمة بالأسئلة المعاصرة. من خلال جدلية الداخل والخارج، والسر والجهر، تنسج الشاعرة صورًا تجمع بين الروحانية والاحتجاج، بين الغربة والرجاء، بين الشهيد والقداسة.
إنّ هذه القراءة الذرائعية تكشف عن وعيٍ شعريٍّ يزاوج بين الوزن العمودي الموروث والرمزية الحديثة، وبين التجربة الذاتية والوجع الجمعي، ليؤكد أن القصيدة العمودية لا تزال قادرة على مواكبة قضايا العصر متى ما وُظفت بوعي وجمال.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموجة التي أطفأت الضوء: دراسة ذرائعية في قصة (كنت أرى ولم أ ...
- -حين انحنى الضوء- قراءة ذرائعية في البنية النفسية والرمزية ل ...
- من الجرح إلى المنار: قراءة ذرائعية في قصيدة «جُروح» للشاعر ا ...
- السجين بين الرمزي والوجودي قراءة ذرائعية في قصة ( السجين) لل ...
- الغربة كجرح وجودي قراءة ذرائعية في مجموعة (شواطئ الغربة) للق ...
- المنتدى الاستثماري السعودي السوري: انتصار اقتصادي وسياسي في ...
- قراءة في الصراع السوري-الإسرائيلي ودور الدروز في المعادلة ال ...
- حين تغدو القصيدةُ وطنًا
- تدمر: حين انفجرت الأبجدية في عتمة الزنزانة في الذكرى 45 لمجز ...
- حين يُعيد الحزن كتابة اللغة: تشريح الحزن من الخارج إلى الداخ ...
- التحوّلات السيسيولوجية والتمظهرات النسوية في أدب الحرب رواية ...
- الحلم كفعل مقاومة دراسة ذرائعية في مجموعة (رؤى وأحلام) للشاع ...
- الأرض شاهدةً لا موضوعًا: دراسة ذرائعية في تطوّر البؤرة الفكر ...
- القصيدة التي لعنت الجميع
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ...
- بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية ...
- جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح ...
- طقس الأحفاد
- -ماذا تفعلُ الشاعرةُ بالعيد؟ (لُعبة شعرية)-
- طقس يوم عرفة


المزيد.....




- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...
- معبر رفح بين الرواية المصرية الرسمية والاتهامات الحقوقية: قر ...
- رواية -رجل تتعقّبه الغربان- ليوسف المحيميد: جدليّة الفرد وال ...
- وحش الطفولة الذي تحوّل إلى فيلم العمر.. ديل تورو يُطلق -فران ...
- جود لو يجسّد شخصية بوتين.. عرض فيلم -ساحر الكرملين- في فينيس ...
- الآلاف يتظاهرون تضامنا مع غزة على هامش مهرجان البندقية السين ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - جدلية السرّ والجهْر قراءة ذرائعية في ديوان )بين سرّي وجهري( للشاعرة السورية ابتهال معراوي بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي