أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية














المزيد.....

الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 14:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ أن كانت بريطانيا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، أتقنت لعبة السيطرة دون مواجهة، مفضّلةً أن تُدير المشهد من خلف الستار عبر وكلاء محليين، واتفاقيات تُكتب في الخفاء، وتحالفات لا تُعلن. من اتفاقية سايكس–بيكو التي أعادت رسم خرائط المنطقة، إلى دعم تيارات سياسية دون توقيع أو تصريح، كانت لندن دائماً تفضّل دور "العقل المدبر" على أن تكون "الوجه الظاهر".

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة كقوة عالمية أولى، تراجعت بريطانيا عن صدارة المشهد، لكنها لم تتنازل عن نفوذها. بل أعادت تموضعها كلاعب تكميلي داخل التحالف الغربي، خصوصاً في الملفات الحساسة مثل العراق وسوريا، حيث اختارت أن تمارس تأثيرها عبر أدوات استخباراتية، إعلامية، ودبلوماسية تعمل في الظل، بعيداً عن الأضواء، وأكثر فاعلية من الضجيج.

وفي الوقت الذي تتبارز فيه القوى الكبرى على الساحة السورية- من واشنطن إلى موسكو، ومن أنقرة إلى تل أبيب- بتصريحات وتحركات عسكرية معلنة، تظل بريطانيا حاضرة بصمت، كأنها تفضّل أن تكون "اليد التي تحرك الدمى"، دون أن تصعد إلى خشبة المسرح. إنها سياسة التواري المدروس، حيث لا يُرى اللاعب، لكن أثره حاضر في كل تفصيل.

هذا الأسلوب ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لفلسفة بريطانية عتيقة في إدارة النفوذ، تقوم على التأثير من بعيد بلا ضجيج. من الاتفاقيات السرية التي أعادت رسم خرائط الشرق الأوسط، إلى وعد بلفور الذي غيّر وجه التاريخ، كانت بريطانيا تزرع بذور التحول ثم تنسحب، تاركة الألغام السياسية والاجتماعية تتفجر وحدها. واليوم، في عصر الرقابة المطلقة والانكشاف الفوري، طوّرت أدواتها لتواكب زمناً لا يرحم من يظهر علناً.

في سوريا، تجلّت هذه السياسة الخفية بأوضح صورها، فبينما أعلنت القوى الأخرى عن قواعدها وتحالفاتها ودعمها للفصائل، اكتفت بريطانيا بدور صامت، يعتمد على أدوات دقيقة، من دعم إعلامي، وتمويل حملات دعائية، ونشاط استخباراتي، وتحركات عبر شركات خاصة ومنظمات مدنية.
تقارير غربية كشفت أن لندن شاركت في برامج سرية لتدريب وتسليح المعارضة، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. كما نشرت قوات خاصة في شمال سوريا، على الرغم من رفض البرلمان البريطاني لأي تدخّل عسكري علني، ما يعكس ازدواجية القرار السياسي، وتفضيلاً للعمل في الظل، بعيداً عن الأعين والمساءلة.

ولم تكتفِ بريطانيا بالميدان العسكري، بل خاضت معركة السرديات بمهارة، حيث موّلت وزارة الخارجية البريطانية شركات خاصة لإدارة حملات إعلامية ضد الحكومة السورية، لتوجيه الرأي العام عبر وسائل التواصل والمنصات الإخبارية، وإعادة تشكيل الخطاب الدولي حول الأزمة السورية، دون أن يُنسب ذلك إليها مباشرة.
وفي الوقت ذاته، كانت من أبرز المحرّكين داخل الاتحاد الأوروبي لفرض العقوبات الاقتصادية على دمشق، واستمرت في النهج ذاته بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

الأكثر تعقيداً كان ما يجري في الظل الاستخباراتي، حيث نشط جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني في شمال سوريا، وتولّى ملفات حساسة مثل تنسيق الدعم اللوجستي للفصائل، وإدارة الاتصالات السرية بين أطراف متناقضة، بل وصلت تقارير إلى الحديث عن دور غير مباشر في تصفية شخصيات متطرفة أصبحت عبئاً على المخطط الغربي.

كل ذلك جرى بصمت، بلا مؤتمرات صحفية ولا استعراضات إعلامية، في إطار سياسة واضحة: أن تفعل الكثير من دون أن تكشف أوراقك.
لماذا هذا الانسحاب من الأضواء؟
لأن بريطانيا تدرك أن أي ظهور علني سيوقظ ذاكرة استعمارية مثقلة، من تقسيم الحدود إلى إشعال الأزمات. كما أن الرأي العام البريطاني بات شديد الحساسية تجاه أي مغامرة عسكرية بعد فضائح العراق وأفغانستان، ما يجعل ثمن التدخل المعلن باهظاً سياسياً.
يُضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي؛ فبريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي لا تملك رفاهية الحروب الطويلة، لكنها تعلم أن النفوذ لا يُصنع دائماً بالدبابات، بل غالباً بالمعلومة والمال والخطاب.

ما يبدو "تخفياً" ليس سوى فلسفة نفوذ ضاربة الجذور، تقوم على السرية وتفضيل التأثير على الواجهة. إنها سياسة الظل، حيث يبقى اللاعب بعيداً عن الأعين لكن أثره يتغلغل في كل التفاصيل. وبينما تتسابق القوى الأخرى على الضجيج وإظهار العضلات، تكتب بريطانيا تاريخاً آخر بصمت، وبحرفية عالية، وبأدوات لا تُدرك إلا لمن يتقصّى العمق.

الإمبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عنها لم تختفِ عن المشهد؛ بل أعادت رسم ملامحها في الظلال، أكثر دهاءً من أي وقت مضى، تحرّك الخيوط من وراء الستار وتستبدل طبول الحرب بهمسات النفوذ. إنها اللعبة القديمة بثوب جديد: أن تكون في قلب الحدث، دون أن يلحظك أحد.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصديق اختيار.. والرفيق التزام
- التطبيع الزاحف وسلام العار
- السويداء في القلب.. وستبقى
- حين ينهزم الوزير أمام صمت الأسير
- في دهاليز الصمت.. حكاية تقريرٍ مخبّأ ومجازر لا تنسى
- غزة… بين مخالب الإبادة وفخّ التهجير
- ما قصة النفير العام في سوريا؟
- هل يمكن لهيئة تحرير الشام أن تقود مشروعاً ديمقراطياً في سوري ...
- من خطاب الدولة إلى خطاب المكونات: هل ضاعت سوريا في متاهة اله ...
- نزع السلاح.. هل هو بداية نهاية لبنان؟
- مأساة التشرذم في قضايا الشعوب
- من مراعاة النظام إلى تمثيل الكرد.. هل تغيّرت روسيا؟
- روسيا والمأساة السورية الممتدة
- أشباحُ الابتسام
- اتفاق دمشق – إسرائيل: هل فقدت الدولة سيادتها؟
- حين يُكافأ الشرف بالحصار.. هل جُنّت الحكومة الانتقالية؟
- الحقد لا يسقط من السماء.. بل يصعد من الجحيم
- بلد الفزعات؟ أيّ وطن هذا؟!
- من السويداء إلى سايكس بيكو جديد... حين يصبح التقسيم حلاً مرغ ...
- من الساحل إلى السويداء.. متى يسقط الخوف؟


المزيد.....




- عاصفة غبار شديدة تجتاح مهرجان -الرجل المحترق-.. شاهد ما فعله ...
- ميرز: ألمانيا لن تنضم إلى خطة حلفائها الغربيين للاعتراف بالد ...
- وصية الصحفية -مريم أبو دقة- لابنها الوحيد.. ماذا جاء فيها؟
- أنس حبيب.. احتجاج أمام السفارة المصرية في لندن وتوقيف شخصين ...
- ألمانيا.. حكم على مراهق سوري بسبب مخطط هجوم حفل تايلور سويفت ...
- مقتل عنصرين من الجيش السوري في محيط الكسوة قرب دمشق وسط تحلي ...
- قوات الاحتلال تنسحب من رام الله بعد مداهمات ومواجهات
- بطريركيتا الروم الأرثوذكس واللاتين المقدسيتان تحذّران من تهج ...
- -سيارا-.. الرومانسية تعود إلى بوليود وتكسر هيمنة الأكشن
- دراسة: البيئات التي ينخفض فيها الأكسجين في الهواء تساعد مرضى ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية