ضيا اسكندر
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 13:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مشهدٍ يكاد يُكتب في سجل الخزي الإنساني، لا في دفاتر السياسة فحسب، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير زنزانة المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي، في سابقةٍ لا تشبهها إلا مشاهد الطغاة حين يداهمون رموز المقاومة في عتمة الزنازين. لم يكن الاقتحام إجراءً أمنياً، بل استعراضاً فاشياً أراد من خلاله بن غفير أن يثبت لنفسه قبل جمهوره أنه قادر على إذلال من لا يُذل، وأنه يستطيع أن يهدد من لا يخاف.
مروان البرغوثي، الذي يقبع في عزلة منذ أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، محكوم بخمسة مؤبدات، لم يُكسر رغم سنوات القيد والعزلةٍ الطويلة خلف القضبان. بل ظلّ رمزاً وطنياً تتقاطع عنده آمال الفلسطينيين في الحرية والوحدة. لم يكن يوماً مجرد أسير، بل قائدٌ سياسي، ومفكرٌ مقاوم، ووجهٌ نضاليٌ لم تفلح سنوات السجن في إطفاء ملامح الصبر والتحدي المرسومة على وجهه.
ما فعله بن غفير لم يكن سوى مشهدٍ دعائي، أراد أن يُصوّر نفسه بطلاً أمام جمهور اليمين المتطرف، فطلب من مرافقيه تصوير المقطع بالصوت والصورة، وهو يوجّه تهديده الوقح للبرغوثي قائلاً:
"من يقتل أطفالنا أو نساءنا فسنمحوه، أنتم لن تنتصروا علينا."
لكن الحقيقة التي غابت عن الوزير المتطرف أن من يقف أمامه ليس مجرد أسير، بل تاريخٌ حيّ، وضميرٌ فلسطينيٌ لا يُمحى، وأن الانتصار لا يُقاس بعدد الجنود، بل بثبات الموقف، وعمق القضية، وعدالة النضال.
ما كان لبن غفير أن يتجرأ على اقتحام زنزانة البرغوثي لولا غياب وحدة الصف الفلسطيني، وتراخي، بل وتواطؤ الموقف العربي، وتخاذل المجتمع الدولي الذي يزعم مناصرة القضية الفلسطينية بينما يغضّ الطرف عن انتهاكات الاحتلال.
لو أن هناك موقفاً عربياً موحداً، وضغطاً دولياً حقيقياً، لما تجرأ وزير الاحتلال على هذا الفعل الاستفزازي، ولما تحوّلت الزنازين إلى مسارح للبلطجة السياسية.
رغم العزلة، ورغم القيد، يظل مروان البرغوثي أيقونةً لا تُطفأ، وصوتاً لا يُسكت، ووجهاً لا يُمحى من ذاكرة النضال الفلسطيني. إن اقتحام زنزانته ليس إلا محاولة يائسة لكسر ما لا يُكسر، وتلويث ما لا يُدنّس.
في زمنٍ تتبدل فيه المواقف وتُباع فيه القضايا على موائد المصالح، وتُقايَض فيه الكرامة بوعود واهية، تبقى زنزانة البرغوثي شاهدةً على أن الحرية لا تُسجن، وأن الصوت الحرّ لا يُخرس، وأن من يحمل قضية عادلة لا يُهزم، حتى لو وقف أمامه وزيرٌ متطرفٌ بكاميرا وتهديدات.
ففي قلب الظلام، هناك من يضيء الطريق، وفي عمق الزنزانة، ثمة من يكتب التاريخ.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟