ضيا اسكندر
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 12:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في هذا الوطن المُنهك، لم يعد شيءٌ يبعث على الدهشة. تعفّن فيه الضمير الوطني، وتحوّلت فيه قضايا "الثورة" إلى أدوات ابتزاز وانتهاك، لم يعد مستغرباً أن يُكافَأ الأوفياء بالخنق، والمخلصون بالتجويع، والمدن الصامدة بالموت البطيء.
ما جرى في السويداء لا يُحتمل، ولا يُغتفر، ولا يُبرَّر. إنه طعنة في خاصرة ما تبقى من أملٍ سوريٍّ مشترك، وجريمة مكتملة الأركان.
لم أصدق بدايةً ما تداولته بعض مواقع التواصل، بأن السويداء محاصرة من قِبل "الحكومة الانتقالية"، وتمنع دخول أي نوع من المساعدات إليها.
ظننتها شائعة سوداء، معتقداً بغباءٍ مؤلم، أن ثمة حدوداً لنذالة البعض... حتى تواصلت مع أبناء الجبل، وجاءني الجواب كصفعة: نعم، نحن محاصرون!
أي عار هذا؟
أيُّ انحطاط بلطجيّ يقف خلف هذه القرارات؟!
أيُّ انتقام وضيع من مدينة قدّمت "للثورة" السورية أغلى ما لديها من شهداء ومعتقلين وأمهاتٍ مفجوعات؟!
هل نسيتم أن شباب السويداء، وعلى عكس الكثير من المدن، امتنعوا عن حمل السلاح في وجه إخوانهم السوريين؟ ورفضوا أن يكونوا أدوات في ماكينة الحرب والدمار، ودفعوا ثمناً باهظاً من أمنهم، ومستقبلهم، وكرامتهم؟
هل نسيتم أن جبل العرب أنجب رجالاً وقفوا في وجه الاستعمار الفرنسي، وقدموا أكثر من نصف شهداء ثورة الاستقلال، تحت راية القائد سلطان باشا الأطرش؟
هل نسيتم أن هذه المدينة لم تنفصل يوماً عن قضايا العدل والكرامة، وكانت دوماً مع صوت الحق، في كل محنة عبرَها السوريون؟
واليوم، تكافئونها بالحصار والتجويع، وكأنها مدينة عدوّة، ولا تستحق الحياة؟!
هل سألتم أنفسكم عن تبعات هذا الحصار الجائر، ليس على أهل السويداء فقط، بل على ما تبقّى من نسيج هذا الوطن الممزق؟ ألا ترون أنكم تكرّسون بتصرفاتكم الطائشة هذه الشروخ المجتمعية، وتدفعون الناس إلى قبول فكرة التقسيم، بل التوسّل له كخلاص؟!
من يحاصر السويداء، لا يُجهز على مدينة، بل يُنزل الستار على ما تبقّى من معنى الوطن.
من يمنع عنها الخبز والدواء، يمنع عن الوطن نفسه آخر ذرة كرامة.
اعلموا أن الشعوب لا تنسى، وأن الجبال لا تركع، وأن للسويداء أبناءً... يعرفون كيف يواجهون الظلم، كما واجهوا الاحتلال. ولن يغفر التاريخ لمن أدار ظهره للجبل حين نادى.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟